في غياب خطة للسلام، حتى لو “فازت” إسرائيل، فإنها ستخسر دائماً

في غياب خطة للسلام، حتى لو “فازت” إسرائيل، فإنها ستخسر دائماً

ثمة تعليقان على ما قام الجيش الإسرائيلي في المصادمات مع المحتجين الفلسطينيين على حدود غزة يوم الاثنين الماضي، والتي قتل خلالها الجنود ما لا يقل عن 60 فلسطينياً: “لقد فزنا”، و”حسناً، ليس كثيراً”.
“لقد فزنا” هو اختصاري للعنوان الرئيسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” في التعليق على أحداث الاثنين. وكما أوضح المعلق العسكري في الصحيفة، فإن الجيش منع المتظاهرين من عبور الحدود ودخول المجتمعات الإسرائيلية، ولم يُصَب أي إسرائيليين بأذى. وإذا كنتَ تقيس النصر بما إذا كنتَ قد احتفظتَ بأراضيك، وبالإحصاء النسبي للقتلى، فإن ما وصفه المعلق العسكري يشكل فوزاً.
“ليس كثيراً” هي النسخة القصيرة جداً لمجمل ما ذكره متحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية خلال مؤتمر صحفي نظمته “اتحادات يهود أميركا الشمالية” يوم الثلاثاء الماضي. وفي معرض شرحه لأسباب فشل الجيش الإسرائيلي في الحد من الخسائر المدنية في صفوف المحتجين الفلسطينيين، قال الكولونيل جوناثان كونريكوس: “أرادت حماس أن يموت الناس. أرادت حماس صور الجرحى”. والنتيجة، كما اعترف الكولونيل، كانت “ضربة قاضية” لبلده في مجال العلاقات العامة.
إذا كنت تعرف أن الهدف من المظاهرات هو جلب انتباه العالم إلى غزة، وإذا عرفتَ أن حماس تريد وقوع إصابات لهذا الغرض، فإن النصر الحقيقي سوف يعني احتواء المظاهرات بأقل قدر ممكن من الضحايا والإصابات. وكان عدد القتلى في مواجهات الاثنين هزيمة عسكرية، حتى قبل أن نشرع في مناقشة التكلفة الأخلاقية.
من الممكن جداً أن يقوم الجيش الإسرائيلي -متأخراً- بتطوير وسائل غير قاتلة أفضل للسيطرة على المظاهرات الجماهيرية عن بُعد -على سبيل المثال، من خلال توسيع استخدام الطائرات من دون طيار لإسقاط الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين.
مع ذلك، وحتى لو نجحت الأساليب الجديدة، فإنها سوف تؤكد فقط على المشاكل المتشابكة التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي منذ سنوات فيما يتعلق بتعاملاته مع غزة. أولاً، كان الجيش بطيئاً في بعض الأحيان في قبول حقيقة أنه يحتاج إلى تكتيكات جديدة بينما تقوم حماس وغيرها من الفصائل المتشددة بتغيير أساليبها. ثانياً، لن تكون النجاحات التكتيكية كافية أبداً عندما لا تكون لدى الحكومة التي تستخدم التكتيكات استراتيجية لإنهاء النزاع من الأساس.
كان قطاع غزة، بما فيه مخيمات اللاجئين المكتظة ومن ندرة في الأمل، مصدراً للهجمات العنيفة في إسرائيل وضد المستوطنين الإسرائيليين في المنطقة. وبوجود سياج حديدي جيد التحوط والكثير من نقاط التفتيش، جعلت إسرائيل من الصعب على المتشددين العبور إلى إسرائيل. وفي العام 2005، أزالت حكومة أرييل شارون المستوطنات والجنود الذين كانوا يحمون هذه المناطق بعد تنفيذها انسحاباً من جانب واحد.
بحلول ذلك الوقت، كانت حماس والفصائل الفلسطينية المتشددة الأخرى تهاجم السياج بقذائف الهاون والصواريخ. وكان الجواب على ذلك هو “القبة الحديدية”، نظام إسرائيل المتطور المضاد للصواريخ. وفي الأيام الأولى، ترتب على وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، عمير بيرتس، أن يتغلب على مقاومة الجنرالات لميزانية نظام القبة الحديدية.
مع ذلك، وحتى قبل أن يصبح نظام القبة جاهزاً، كانت حماس ومنافسوها يحفرون الأنفاق تحت السياج. وقد تجاهل الجيش اقتراح الخبراء بشأن استخدام وسائل عالية التقنية لكشف الأنفاق إلى أن جاءت حرب غزة في العام 2014، عندما أدت صدمة الهجمات من تحت الأرض إلى استدراج غزو بري إسرائيلي. وتستخدم إسرائيل الآن وسائل التكنولوجيا للعثور على الأنفاق الحالية، كما تقوم ببناء حاجز تحت الأرض لمنع حفر أنفاق جديدة.
أخيراً، ردت حماس بتنظيم مسيرات جماهيرية حاشدة تهدف إلى المرور عبر السياج الحدودي إلى داخل إسرائيل. ولا أدري ما إذا كان أي شخص في تلك المنظمة كان يتوقع إمكانية المرور حقاً أو تنفيذ وعد عودة الفلسطينيين إلى البيوت التي فقدوها منذ وقت طويل في ما أصبح اليوم إسرائيل. غير أن الهدف المباشر هو تركيز انتباه العالم على الحصار المضروب على غزة، وعلى الكفاح الفلسطيني المتعثر ضد إسرائيل.
آمل بالتأكيد أن يجد الجيش الإسرائيلي أجوبة تكتيكية غير قاتلة في المستقبل القريب. فهذا واجب أخلاقي في حد ذاته. لكن الجيش لا يستطيع حل المشكلة السياسية الكامنة في غزة. وليست لدى قادة إسرائيل الحاليين أي إجابة أيضاً، ولا رؤية للوصول إلى نتيجة سلمية معقولة.
بخطوة “فك الارتباط” من غزة في العام 2005، كان شارون يأمل في الانسحاب من أي عملية دبلوماسية مع الفلسطينيين. كما أن سياسة حكومة نتنياهو -كما ظهر من أفعالها إذا لم يكن دائماً بأقوالها- هي الحفاظ على الحكم الإسرائيلي في الضفة الغربية، مع استخدام السلطة الفلسطينية كمقاول من الباطن لاحتلال لا نهاية له.
ومع ذلك، لا يوجد حل سياسي لغزة من دون الضفة الغربية. ولذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية تنظر إلى غزة على أنها مرض مزمن غير قابل للعلاج، وتعتمد على الجيش لكي يخرج بوصفات جديدة لتخفيف الألم. ومن دون تدخل خارجي، فإن قدوم النوبة العصبية التالية لحمى غزة يبدو واقعاً حتمياً لا فكاك منه.

غيرشوم غورنبرغ

الغد