هلالا رمضان وشوال يعمقان الخلافات المذهبية بين الطوائف الإسلامية

هلالا رمضان وشوال يعمقان الخلافات المذهبية بين الطوائف الإسلامية

تعاقب الفصول يعني أن الأرض وسُكانها يعيشون الربيع والصيف والخريف والشّتاء، وهذا يتعلق بالمعاش وغلة الأرض، زراعةً وحصاداً، وما يُحسب عليها من عشور وخراج، ويكاد العالم أجمع تتوافق شهوره مع فصوله، إلا تقويم المسلمين، فيأتي الفصل صيفاً والشهر ربيعا، أو جمادى الأول أو الآخرة في عز الصيف، ويصوم الناس كل عشر سنين في فصل من الفصل، ويحجون أيضا صيفا وربيعا وخريفا وشتاء، بينما شهور الميلاد، أو التقاويم القمرية في الشهور والشمسية في تحديد الفصول عند الأُمم الأُخرى، منها السريانية مثلا تتطابق مع زراعة الناس وحصادهم وبقية مواسمهم، والتي يسنون فيها أفراحهم وأتراحهم.

كان العرب قبل الإسلام يجمعون بين التقويمين: القمري والشَّمسي، أي السنة القمرية والسنة الشَّمسية، وهم كانوا يقومون بالنسيء والكبس معا، لهذا كانت شهورهم متفقة مع فصولهم، بمعنى أن تقويمهم يتفق مع الطبيعة ومناسباتهم الدينية، يكون حجهم في الفصل الفلاني، وصومهم في الفصل الفلاني، لا تدور الشهور على الفصول، ففي مخالفتها للفصول يبدو هناك خلل، وخصوصا أن أسماء الشُّهور التي أطلقوها قبل التقويم الإسلامي ظلت كما هي. فما هو معروف أن دورة القمر تخص الشهور ودورة الشمس تخص الأيام والفصول. قيل يعود هذا التاريخ إلى القرن الخامس الميلادي، أي قبل الإسلام بنحو مئتي عام.

يجب أن يكون شهر الربيع وشهر جمادى اسمين على مسميين، فكيف ربيع والحر لا يطاق، وكيف جمادى والشمس حارقة

وحسب دراسات التقويم ومنها كتاب “نظام النسيء قبل الإسلام” لموسى جارالله أن “الأشهر القمرية تدور على السنة الشمسية، بمعنى أننا لو جعلنا للسنة القمرية 12 شهرا، وهو الحادث، فإن الشهر القمري سيدور على السنة الشمسية، مرة يأتي في فصل الربيع، ومرة في فصل الشتاء، ومرة في فصل الخريف، ومرة في فصل الصيف وهكذا، وبفارق 11 يوما في كل سنة شمسية لأن السنة القمرية ليست حقيقية، وإنما جعلوا لها 12 شهرا، لذلك فهي حسابية وليست فلكية”. فالفلك يُحسب على الشَّمس والأبراج.

أما السنة الشَّمسية “فهي سنة حقيقية فلكية ناتجة عن دوران الشمس حول الأرض، لذلك قامت الأُمم السابقة بحساب الشهر وفقا للقمر، وحساب السنة وفقا للشمس، لأن القمر ليس له سنة والشمس ليست لها شهر، فأخذوا من القمر الشهر ومن الشمس السنة، فنتج عن ذلك فارق بين الأشهر القمرية والسنة الشمسية. بمعنى أن كل 12 شهرا قمريا ينقص عن السنة الشمسية 11 يوما. وهذا معروف لدى كل من له أدنى فكرة بعلم الفلك، لأن السنة الشمسية تساوي 365 يوما، والـ12 شهرا قمريا تساوي 354 يوما ( 365 – 354 = 11 ) ولتعويض هذا النقص وضعوا نظاما يسمونه “الكبس”.

الكبس هو الذي يُثبت الاتفاق بين الشهور والفصول فليس كل تقويم قمري بالضرورة يتكون شهوره مخالفة للفصول، بل يحصل الاتفاق بجمع الأيام الفاضلة في الحساب وكبسها، وهذا كان موجودا في التقويم اليهودي القمري مثلا.

إن قصة تغيير التقويم بعد وفاة النبي معروفة، وملخصها أن العرب كانوا يؤرخون بالحوادث سنة بسنة، وبعد وفاة النبي انشغلوا بالحروب خارج الجزيرة، وكانت فترة أبي بكر الصديق قصيرة جدا، فلم يأت الرأي لوضع تقويم خاص بهم، فلما جاءت خلافة عمر بن الخطاب، اُقترح عليه أن يتخذ تاريخا لرسائله وكتبه إلى الولاة، فتداولوا الأمر وهناك من اقترح أن يكون التاريخ من ولادة النبي، لكنهم اختلفوا في تحديد اليوم وضبط المناسبة، بين أن يكون في اليوم الثامن أو الواحد والعشرين من ربيع الأول، قيل سنة (571 ميلادية)، ولأن معظم الذين شهدوا الهجرة وهاجروا معهم كانوا موجودين، فحددوا التاريخ في الأول من محرم 622 ميلادية، فأقرها عمر تاريخا، وأخذ المسلمون يحتفلون برأس السنة الهجرية في ذلك اليوم. لكن ما حصل أن المسلمين ألغوا “الكبس”، فتباعدت الشهور عن الفصول.

تصحيح التقويم يلغيً الاختلاف على بداية الصوم ونهايته، وكذلك موسم الحج، لأنها ستكون أياما معلومة ثابتة

غير أن هناك من يحاول الثناء على التقويم الهجري، ودوران الشهور على كل الفصول، وبأن “أشهر الصيام والحج فيه تأتي على مدار العام وفي الفصول الأربعة”، لكن السؤال: أين هي الإيجابية، عندما يأتي رمضان والحج في عزِّ القيظ، والأمر ليس إلهيا، إنما اجتهاد بشري اُقر في لحظته، وليس من الضرورة أن يبقى مدى الأزمان، مع ما فيه من ابتعاد عن مواسم الطبيعة في الزراعة والحصاد.

نعم جاء تحريم النسيء في القران، لكن ذلك له أسبابه، ومعلوم أن القرآن يفسر وتؤخذ أحكامه، في الأمور الخلافية، بأسباب النزول، فلأنهم كانوا يوظفون أو يستخدمون النسيء في حرب الإغارة وأخذ الثأر، فيقومون بتحويل الأشهر الحُرم إلى غيرها، أي يحلون شهوراً مكان أُخرى، كي يبرروا الحرب أو القتال، لذا حرمه القرآن، فقد جاء في الآية “إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ”. كما ورد “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ”.

قيل كانت تلك الشهور توافق عطاء الطبيعة، من النبات والحيوان، موسم الزراعة وتكاثر الحيوانات، تم إبطال تحريم القتال فيها، لأنه في النسيء يؤجل شهر التحريم إلى شهر آخر.

ربَّما إلغاء النسيء أوجد عذراً لإلغاء “الكبس” الذي يوافق الشهور والفصول، فيأتي شهرا الربيع الأول والثاني في فصل الربيع، ويأتي شهرا جمادى الأولى والآخرة في فصل الشتاء، ويثبت رمضان في بداية الخريف، وهكذا. مع تطور الزَّمن واختلاط المسلمين مع الأُمم الأخرى، وكافتها تتوافق دورة الشمس، في حصول الفصول واختلافها، لديها مع دور القمر في حصول الشهور.

وقيل حتى وفاة النبي، أو حجة الوداع، وهي السنة التي توفي فيها، كانت الفصول باتفاق مع الفصول، لكن بعد إلغاء الكبس صارت الشهور تدور على كل الفصول، وهذا فيه نوع من الانفصام بين الناس والطبيعة في مواسمها، يراد أن يعود التقويم إلى دورته الصحيحة. ويكون شهر الربيع وشهر جمادى اسمين على مسميين، فكيف ربيع والحر لا يُطاق، وكيف جمادى والشمس حارقة!

يحتاج الأمر إلى اتفاق الدول الإسلامية لاتخاذ إجراء جريء في إعادة الكبس إلى التقويم الإسلامي، فمن المعلوم أن السنة القمـرية ناقصة، والمعـادلة يقـومها “الكبس”. ويغلـب على الظن أن تصحيح التقـويم يلغي نهائيـاً الاختلاف على بـداية الصـوم ونهايته، لأنها ستكـون أياما معلومـة ثابتة، ليس تقديما أو تأخيرا، أي لا يبقـى الأمر تحت رحمة رؤية الهلال، وفي أحيـان كثيرة تحصل بداية الصوم ونهايته عنـد هـذه الـدولة متقدمة أو متـأخرة عنها في دولة ثانيـة، بل أكثـر مـن هـذا وظفت رؤيـة الهـلال في رمضـان وشوال إلى تعميق الخـلافات الطـائفية بين المذاهب.

العرب