ثوب المحاصصة الجديد لا يناسب العراقيين

ثوب المحاصصة الجديد لا يناسب العراقيين

يبدو شكليا أن قواعد لعبة المحاصصة الطائفية التي تتم وفقها شراكة السلطة قد تغيّرت بعد الضجيج السياسي والإعلامي الذي أصم الأسماع في الشهور الأخيرة خلال الحملة الانتخابية، ولكن الوقائع الأخيرة في عملية انتخاب رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، ونائبيه يوم السبت الماضي كشفت أن قانون المحاصصة الطائفية لم يتبدل؛ مجلس النواب للسنة ورئيس الوزراء للشيعة ورئيس الجمهورية للأكراد.

لكن الذي حصل بعد انتخابات 12 مايو الماضي التي أصابها التزوير قد أفرز تعاطيا مختلفا من قبل الأحزاب الكبيرة لتقليل آثار الثورة ضد الفساد الذي وصل إلى درجة أن يُسقى أهل البصرة بالملح القاتل مذاباً بالماء.

وراجت شعارات وعناوين “الأغلبية السياسية والأغلبية الوطنية والفضاء الوطني”، وكأن العملية السياسية مقبلة على تغييرات جوهرية في السلطة السياسية، حتى شعر المواطن العراقي بنسمات كاذبة من الأمل تلامس بعض حواسه الخارجية ولم تدخل إلى أعماقه، وأراد أن يجرّب صدقيتها، فانتظر ما ستنتجه خيارات دوائر الحكم وهي السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان كخطوة على طريق إنجاز الصفقات الداخلية والرسائل المتبادلة الإيرانية الأميركية غير المباشرة لاختيار رئيس الوزراء المقبل. فاختلطت على المواطن البريء الصور، فكيف يفسر انقسام السنة إلى قرابة عشر مجموعات بعد أن كانت موحدة في السنوات الأولى من العملية السياسية تحت راية واحدة هي “جبهة التوافق” التي تصدرها الحزب الإسلامي “الإخوان المسلمون”، وكانوا يقدمون للتحالف الشيعي مرشحا واحداً لرئاسة البرلمان.

وكيف يستطيع المواطن العراقي المخدوع أن يفهم أو في أي موقع يضع الصراخ السابق لممثلي العرب السنة من ظلم السياسيين الشيعة ومن خلفهم إيران بتهميشهم، بل وبمطاردتهم تحت عناوين “الإرهاب ودعم داعش”، ثم يتمحور القسم الكبير منهم داخل الفريق الشيعي المدعوم من إيران الذي يقوده هادي العامري ليحصلوا على منصب رئيس البرلمان الذي احتدمت المعركة السنية حوله في الأيام الأخيرة أمام مرشح الفريق الشيعي الذي يقوده مقتدى الصدر، وهو خالد العبيدي، فأين المصداقية في كل ذلك؟

وهل كانت كل تلك الشعارات قد تم تسويقها لأغراض المناصب والمغانم، وأن القضية لا علاقة لها بمصالح العرب السنة الذين ظلوا فقراء جائعين، بل وزادهم تنظيم داعش تشريداً وآلاما. لقد قيل الكثير عن إغواءات الجنرال قاسم سليماني لجزء غير قليل من السياسيين السنة، وبعضهم كان يعلّق على هذا الأمر، وكأنه يكتشف العجلة، بأن إيران شريك مؤثر إلى جانب الأميركان في صناعة الأركان الثلاثة للسلطة في العراق، بل إن واحدا من القادة السنة تحدث إلى قناة تلفزيونية مستنكراً على بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس الأميركي، طريقته في المفاوضات مع الزعماء السنة، قائلا “ماكغورك لم يقدم لنا شيئا بديلا لما يمكن أن يقدمه لنا الإيرانيون.. نحن نريد شيئاً ملموساً لكي نتمكن من الاختيار”.

وقد قيل إن ممثل القيادة الإيرانية قد أخبرهم بأن إيران أفضل لهم من أميركا. فالقضية أقرب للعروض التجارية منها إلى قضية شعب ووطن جريح بحاجة إلى رجال وقادة ينقذونه، كما أن اللعب الرخيص والانتهازية والتقلب السريع في المواقف بين الكتل والقوائم والأفراد لا ينم عن الحدود الدنيا في السياسة والأخلاق. وما جرى على هامش عملية انتخاب رئيس البرلمان الجديد يشير إلى أن مسلسل التزوير والتحايل وتمرير الفاسدين للمواقع السياسية العليا لم تغلق أبوابه. لقد أطلقت أوصاف من قبل الخاسرين تجاه الرابحين تكشف عن الوجه الآخر للمثلث السني في العملية السياسية كوصف إنه “تم شراء المنصب بمبلغ 30 مليون دولار”، أو غيرها من الاتهامات، وإذا ما صدقت تلك الاتهامات عبر الدلائل فإن ذلك سيدخل البرلمان في مأزق خطير.

وبغض النظر عن شخصية رئيس البرلمان الجديد بكونه من جيل الشباب وقد يكون طامحاً في العمل والإصلاح الذي يتحدث عنه جميع السياسيين، فلم يعترف أحد من الأجيال الانتخابية الثلاثة السابقة بالفشل، ولم تتمكن هذه القوة البرلمانية المزعومة أو رؤساء السلطة التنفيذية من تحديد الفاشلين وإحالتهم إلى القضاء بكونهم سرقوا أموال العراقيين.

فكون رئيس البرلمان الجديد من الشباب لا يغير من كونه جزءا من منظومة سياسية هرمت وترهلت ونخرت بالفساد وحكم عليها الشعب بالفشل، وخصوصاً من شباب البصرة الذين شكلوا بانتفاضتهم حلقة منيرة تضاف إلى ميراث العراقيين.

هذه المنظومة مستمرة على أساس التوافق في شراكة السلطة، ويقال إن كتلة “سائرون” قد توافقت مع كتلة “البناء” على تعيين النائب الأول لرئيس البرلمان منها في صفقة توافق، أما إذا ما حصل انتقال كتلة “سائرون” بقيادة مقتدى الصدر إلى المعارضة، فذلك سيكون مؤشرا إيجابيا عن تحول صوت الشارع إلى داخل البرلمان بما يحرج السلطة التنفيذية المقبلة.

وهناك من يستبعد ذلك ويتوقع أن تتم صفقة منصب رئيس الوزراء عبر التوافق بين الكتل الشيعية الخمس، وهذه هي رغبة الإيرانيين بأن تظل السلطة في العراق تحت السيطرة، وأن ينتهي غضب الأكراد برعاية إيرانية بعد تلبية بعض مطالبهم على غرار تطويع العرب السنة. وبذلك تكون إيران قد كسبت جولة صناعة الحكم في العراق مرة أخرى. أين شعب العراق من كل ما حصل حيث ينتعش الرابحون بمواقعهم الرئيسية في العملية السياسية وتتوزع المناصب وفق المحاصصة.

تبدو إيران قد كسبت لعبة الحفاظ على المنظومة المتحكمة بالعملية السياسية في العراق عبر تنازلات في الشعارات المرفوعة، وحتى عبر مجيء بعض الشخصيات المستجدة بالعمل السياسي وتبدو مبهرة في الشكل أو وسطية، لكنها في العمق أكثر ولاء لإيران التي تمكنت عبر السنوات الخمس عشرة الماضية أن تربي أنواعا هجينة تصلح للظروف العصيبة التي تمر بها إيران.

ومع ذلك فإن ما حصل من هزة شعبية في البصرة، قد أفسد الكثير من أسلحة إيران في العراق مما دفعها إلى استنفار أدواتها الميليشياوية، مع الإيحاءات السياسية الإيرانية لأميركا بأن صفقة صناعة الحاكم في بغداد لن تكون حادة ومباشرة المظهر، وهذا ما سيكسب القوى الخيرة في العراق إمكانيات الصمود، بالاستمرار بفضح الأحزاب المغطاة بالدين التي تتوهم بأنها قد سلمت من الانهيار.

ثوب المحاصصة الجديد الذي ألبسته طهران للعملية السياسية بشع وضيّق المقاس، وسيتمزق في أول مواجهة مع استحقاقات المرحلة.

ماجد السامرائي

العرب