سيول العراق.. أولها نقمة وآخرها نعمة

سيول العراق.. أولها نقمة وآخرها نعمة

أول الغيث قطرة.. هكذا بدا المشهد أول مرة.. أمطار الشتاء -وعلى غير عادتها في العراق- بكّرت بهطولها فوق الأراضي الشمالية والشرقية، وسرعان ما تحولت قطراتها المتساقطة إلى سيول عارمة جرفت الأخضر واليابس في طريقها صوب مناطق الوسط والجنوب.

صورة مركبة تداخلت فيها الألوان وامتزجت مع بعضها البعض لتعكس واقعا مختلفا كان آخره مغايرا لأوله.. سيول خلفت عشرات الضحايا ومئات المشردين وخرابا للأراضي الزراعية وخسائر بالثروة الحيوانية، إلى جانب هدم منازل وانهيار جسور وبعض الطرق.

مع كل ما سبق، لم يمنع أن تكون هذه “الموجة الفيضانية” رحمة مهداة لأرض جفت تربتها وغار ماؤها في الأعوام الماضية، لترسم ملامح البشرى والخير لموسم معطاء.

سدود وبحيرات
كان العراق قد بدأ في خمسينيات القرن الماضي بإنشاء السدود، حيث أنشأ سدّي دوكان ودربنديخان الكبيرين في السليمانية (شمال) لتخزين مياه الأمطار والأنهار القادمة من إيران.

واستمر العمل في بناء السدود الكبيرة والصغيرة في معظم المحافظات العراقية مثل سد الموصل في نينوى (شمال) وسد حديثة في الأنبار (غرب) وسدّي حمرين والعظيم في ديالى (شرق)، وسد دهوك في دهوك، وسد الوند ومندلي وقزانية في ديالى، والشهابي و”كلال بدرة” في واسط، ودويريج في ميسان، وسدود أخرى في كركوك (شمال).

كما شيدت سدود صغيرة في سامراء والكوت والعمارة والهندية، إضافة إلى البحيرات كالحبانية والثرثار، مع وجودالأهوار في الجنوب.

يشار إلى أن هذه السدود والبحيرات تحوي فراغا تخرينيا يستوعب كميات تصل إلى 60 مليار متر مكعب.

سيول مدمرة
خلال الشهرين الماضيين شهد العراق معدلات عالية من الأمطار، وكان للمحافظات الشمالية والشرقية حصة الأسد، لكنها تفاوتت في نسبة الضرر الحاصل جراء الأمطار والسيول التي انحدرت من المناطق المرتفعة شمالا باتجاه المناطق المنخفضة جنوبا، التي لم تكن جاهزة لاستقبال هذه الكميات من المياه.

وتسببت السيول في مقتل أكثر من عشرين شخصا، وفقدان آخرين وتشريد آلاف، وغطت المياه بعض الأحياء السكنية ودمرت قرى بأكملها. ووقع الضرر الأكبر على مخيمات النازحين والأراضي الزراعية في محافظات ديالى وصلاح الدين وواسط. وفي نينوى أطلقت المفوضية العليا لحقوق الإنسان نداء استغاثة بعد غرق ثلاثة آلاف خيمة لنازحين.

وفي الديوانية جنوب بغداد طالب اتحاد الجمعيات الفلاحية وزارة الزراعة بتعويض الفلاحين الذين تضررت أراضيهم نتيجة الأمطار والسيول التي أتلفت مساحات شاسعة تقدر بأكثر من 15 ألف دونم لمحصول الحنطة وخمسة آلاف دونم لمحصول الشعير.

من جهتها طالبت الجهات الرقابية الوزارات المعنية بوضع خطة عمل واضحة لاستيعاب ما خلفته السيول من أضرار والاستفادة القصوى من كميات المياه المتوفرة، فقد أكد حسن الكعبي نائب رئيس مجلس النواب العراقي في حديثه للجزيرة نت أهمية التحرك الجاد لإنقاذ وتعويض المتضررين من جهة، ووضع خطة إستراتيجية للاستفادة من مياه الأمطار من جهة أخرى.

كما شدد الكعبي على “ضرورة مضي السلطة التشريعية في إقرار القوانين الداعمة لتطوير القطاع الزراعي والحيواني في البلاد”، مؤكدا دعمه لخطة عمل وزارة الزراعة خلال الفترة المقبلة بهدف الاستفادة من مياه سيول الأمطار>

الشتاء موسم العطاء
وزارة الموارد المائية شكلت خلية لإدارة الأزمة واحتواء الكميات الكبيرة من المياه الجارية عبر توجيهها إلى نهري دجلة والفرات وتخزينها في السدود والبحيرات والأهوار، واعتبر المتحدث باسم الوزارة المهندس علي هاشم في حديثه للجزيرة نت أن أمطار الموسم الحالي “بشائر خير” لعموم البلاد رغم ما خلفته من أضرار.

وأضاف هاشم أن مراكز المدن والأحياء السكنية كانت أكثر تأثرا بالسيول لعدم كفاءة قنوات صرف مياه الأمطار فيها، وأن “إدارة هذه المنشآت مسؤولية دوائر البلدية في وزارة البلديات”.

ولفت إلى أن مياه الأمطار الأخيرة المتدفقة عبر نهري دجلة والفرات “ساهمت في تحسين نوعية مياه البصرة وخفضت تركيز الأملاح في شط العرب ودفع اللسان الملحي باتجاه الخليج”، حيث كانت التراكيز الملحية تبلغ 25 ألف جزء في المليون لتنخفض إلى 6000 جزء، وما زالت مستمرة في الانخفاض نظرا لاستمرار إدامة إطلاقات المياه باتجاه شط العرب وبمعدل لا يقل عن 100م3/ثانية.

وارتفع المخزون المائي في البحيرات وخزانات السدود إلى 3.1 مليارات متر مكعب، فضلا عن ادخار أكثر من نصف مليار في أهوار الجنوب، وتم تحويل جزء من مياه السيول القادمة من محافظتي واسط وميسان إلى أهوار محافظة ميسان، لتصل نسبة الإغمار في هور الحمار والأهوار الوسطى إلى 45%  وتصريف مليون متر مكعب باتجاه هور “أبو زرك” لتصبح نسبة الإغمار فيه 60%، مما أدى إلى تحسن نوعية المياه بشكل كبير بعد انخفاض نسبة الأملاح، وقد انعكس ذلك على تجهيز مربي الجاموس في المياه الصالحة للشرب عبر السيارات الحوضية.