إيران تكشف عن خطتها لوضع الجيش العراقي تحت مظلة الحشد الشعبي

إيران تكشف عن خطتها لوضع الجيش العراقي تحت مظلة الحشد الشعبي

بغداد – مثلت دعوة أطلقها يوسف الناصري، القيادي في حركة النجباء المدرجة ضمن لوائح الإرهاب الأميركية، إلى حل الجيش العراقي حرجا بالغا لقادة الحشد الشعبي في هذا البلد، لكنها كشفت عن جانب جديد من الرؤية الإيرانية بهذا الصدد.

وترتبط حركة النجباء بالحرس الثوري الإيراني، بشكل وثيق. وبالرغم من أن زعيمها ومقاتليها من العراقيين، إلا أنها تعلن ولاءها الصريح لمرشد إيران علي خامنئي.

وتسبب الارتباط المشبوه بين “النجباء” والحرس الثوري في إدراج الحركة من قبل وزارة الخزانة الأميركية على لوائح المنظمات الإرهابية، في مارس الماضي.

وبالرغم من أن تصريحات الناصري سببت حرجا بالغا لقيادة الحشد الشعبي، إلا أنها كشفت جزءا من الرؤية الإيرانية لمستقبل الجيش العراقي.

ويسود على نطاق واسع اعتقاد في أن اهتمام إيران بإيجاد وهيكلة وهندسة قوات الحشد الشعبي، يستهدف تحويلها إلى بديل عن الجيش العراقي، الذي جرى إضعافه بشدة خلال ولايتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بين 2006 و2014، قبل أن يسترد شيئا من عافيته خلال ولاية رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بين 2014 و2018.

وكان ملف الجيش العراقي من أهم نقاط الخلاف بين المالكي والعبادي، إذ شجع الأول على توجيه التخصيصات المالية والسلاح نحو الفصائل الشيعية الموالية لإيران، التي انخرطت لاحقا في الحشد الشعبي، ومنها حركة النجباء، بينما اعتمد الثاني سياسة معاكسة تماما، قامت على تشجيع المؤسسة العسكرية على استعادة هيبتها، وهو ما تحقق لاحقا من خلال دحر تنظيم داعش.

ووصف مراقبون ردود الأفعال الرسمية بالخجولة، وسط إجماع على أن الناصري أطلق تصريحاته من موقع قوة، مع علمه بعجز الدولة العراقية عن ملاحقته، بسبب قربه الشديد من إيران وحرسها الثوري.

ويعتقد المراقبون أن كشف الحرس الثوري عن نواياه بشأن مصير الجيش العراقي، بهذا الشكل العلني، ربما يؤشر على اختلاف قواعد اللعب في المنطقة.

وتأتي تصريحات الناصري في ظرف يشهد تصعيدا كبيرا بين إيران والولايات المتحدة. وتخشى طهران أن تؤثر درجة الثقة الكبيرة التي يتمتع بها قادة بارزون لبعض ألوية الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، لدى الولايات المتحدة، على موقف العراق من الأزمة التي تشهدها المنطقة.

وتعمد طهران -وفقا لمراقبين- إلى تحييد الجيش العراقي خلال أي نزاع تخوضه مع الولايات المتحدة، وهو ما حاول الناصري التعبير عنه.

ووفقا للرؤية الإيرانية، التي يكشف عنها ساسة عراقيون، فإن طهران لن تمانع بقاء المؤسسة العسكرية العراقية، ممثلة بالجيش، قائمة، شرط أن تكون تابعة للحشد الشعبي، في محاكاة صريحة لنموذج الحرس الثوري، الذي يتبع له الجيش الإيراني.

ولا تنتهي الخطة الإيرانية عند تحويل الجيش العراقي إلى مجرد تابع ضعيف للحشد، بل تمتد إلى تمكين الحشد نفسه سياسيا، وهو ما حدث بوضوح عند تشكيل كتلة “الفتح”، التي أسهمت في إيصال عادل عبدالمهدي، الذي يوصف بأنه “مهادن للإيرانيين”، إلى منصب رئيس الوزراء.

واكتسبت حركة النجباء شهرتها من خلال ارتباطها بعمليات تصفية جسدية انطلاقا من دوافع طائفية في العراق، وأنشطتها خلال الأزمة السورية، حيث كانت جزءا من الميليشيات الواقعة تحت قيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد قوات القدس في الحرس الثوري.

وتوضع حركة النجباء وكتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء، ضمن سلة الميليشيات الأشد تطرفا ضد مصالح الدولة العراقية، والأكبر ولاء لإيران والتصاقا بها.

وأطلقت الحركة في السادس من أغسطس الجاري تهديدا غريبا من طهران، معلنة أنها ستسقط أي حكومة عراقية، تعادي إيران، في غضون أسابيع.

وقال المتحدث باسم الحركة، نصر الشمري، إن بإمكان “النجباء، إسقاط أي حكومة في بغداد تتخذ خطوات ضد الجمهورية الاسلامية (الإيرانية) في غضون أسابيع”، مشيراً إلى أن “الأميركيين يدركون ذلك”.

وبعد أيام طالب القيادي في الحركة يوسف الناصري -وهو رجل دين- بحل الجيش العراقي، والإعلان عن أن “الحشد الشعبي، هو الجيش العراقي الأول، وليس الرديف”.

وقال الناصري إن الجيش العراقي “مرتزق، وليس أصيلا”، مذكرا بهروب بعض عناصره عندما اجتاح تنظيم داعش أجزاء واسعة من البلاد، صيف العام 2014، داعيا إلى تشكيل وزارة باسم الحشد الشعبي بدلا عن وزارة الدفاع، منتقدا حصول مقاتلي الجيش العراقي على رواتب شهرية.

ودفعت تصريحات الناصري قيادة العمليات المشتركة -وهي أعلى سلطة للأركان والحركات في البلاد- إلى التلويح بمقاضاة من “يحاول الإساءة إلى الجيش”.
l
وقال نائب قائد العمليات المشتركة عبدالأمير يارالله -وهو أبرز الجنرالات العراقيين، الذين اعتمد عليهم العبادي خلال الحرب ضد تنظيم داعش- إن القيادي في النجباء، يوسف الناصري، وجه إلى الجيش العراقي “تهما قاسية، تطعن بوطنيته”، مؤكدا أن “قيادة العمليات المشتركة تحتفظ بحقها القانوني في اتخاذ الإجراءات المناسبة”.

من جهتها، قالت قيادة الحشد الشعبي إنها ‎تابعت ردود الأفعال التي تلاحقت إثر تصريحات الناصري، مشيرة إلى أنه “لا ينتسب للحشد وليس لديه أي منصب أو صفة رسمية”، وأنها “إساءة تعبر عن وجهة نظره الشخصية ولا تتعلق بنا لا من قريب ولا من بعيد”.

ومنذ أن تم حل الجيش العراقي من قبل سلطة الاحتلال الأميركي عام 2003 صار واضحا أن وجود تلك المؤسسة غير مرغوب فيه، وهو ما يفسر تعثر كل المحاولات لإنشاء جيش بديل، بالرغم من أن الولايات المتحدة أهدرت مليارات الدولارات من أجل تحقيق ذلك.

واعتبر مراقب سياسي عراقي أن هزيمة الجيش كانت مطلوبة من أجل إثبات ضعف وهزال وعجز المؤسسة العسكرية عن القيام بواجبها الوحيد وهو الدفاع عن حدود العراق، الأمر الذي فتح الباب أمام إضفاء المزيد من الشرعية الوطنية الكاذبة على المشروع الإيراني في إقامة مشروع بديل عن الجيش الوطني من خلال مؤسسة الحشد الشعبي التابعة للحرس الثوري الإيراني، وهو ما سمح لقاسم سليماني بإدارة جزء من العمليات القتالية في حرب تحرير الموصل التي أدت إلى تدمير الجزء الأكبر من المدينة.

وعبر المراقب العراقي عن اعتقاده أن الدعوة إلى حل الجيش العراقي واستبداله بالميليشيات التابعة لإيران ليست جديدة وهي تجسد قرارا إيرانيا كان قد اتخذ قبل وقوع الغزو الأميركي.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن إيران لا ترغب في رؤية أي شيء مهما كان صوريا يذكرها بهزيمتها عام 1988 يوم وافقت مضطرة على إيقاف حرب الثماني سنوات. هو موقف مزدوج ينطوي على كراهية الماضي والتفكير في حرمان العراقيين من قوة عسكرية نزيهة في وطنيتها مستقبلا.

 

العرب