نيويورك تايمز: وداعا أميركا التي كانت

نيويورك تايمز: وداعا أميركا التي كانت


شن صحفي أميركي بارز هجوما عنيفا على سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه الشرق الأوسط، واصفا إياه بـ “المغرور، الوقح، الهدام”.

ففي مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، قال المحلل السياسي بريت ستيفنس إن الولايات المتحدة أصبحت في عهد ترامب “الصديق الذي لا يعرف أصدقاءه وقت الضيق”.

واستفتح الكاتب بحادثة في ثمانينيات القرن الماضي للدلالة على معدن الولايات المتحدة آنذاك. فقد ذكر أن بحارا على متن حاملة الطائرات “ميدواي” التي كانت تمخر عباب بحر جنوب الصين، في تلك الأيام شاهد قاربا مثقوبا يغص بأشخاص فارين من استبداد الأنظمة الحاكمة في بعض دول منطقة الهند الصينية.

وساعد ذلك البحار في إنقاذ أولئك الفارين الباحثين عن اللجوء، فكان أن ناداه أحدهم صائحا “مرحبا أيها البحار الأميركي.. مرحبا برجل الحرية”.

واستلهم الكاتب من تلك القصة موضوع مقاله حتى أنه اقتبس جزءا من عبارة اللاجئ الآسيوي لتتصدر المقال.

وانطلق من العبارة ليؤكد أن أميركا لم تعد كما كانت “فعندما ينظر العالم إلى الولايات المتحدة اليوم، فإنه سيغني أنشودة أسف واعتذار. وداعا أميركا، وداعا رجل الحرية”.

ووفقا للكاتب، فإن ذلك هو الدرس العالمي من “الكارثة الإقليمية” الناجمة عن انسحاب الرئيس من سوريا. وقد أفصح ترامب عن حجته، كما اعتاد أن يفعل دوما، في سلسلة من التغريدات خلال هذا الأسبوع.

ووصف تغريدات ترامب، الواحدة تلو الأخرى، بأنها تنم عن “صبيانية، واعتداد بالنفس، ووقاحة، ونزعة تدميرية”. فقد أشاد بالأكراد واصفا إياهم بـ “الشعب المميز والمقاتلين الرائعين” الذين “لا نتخلى عنهم قطعا”. لكنه مع ذلك تخلى عنهم، حسب تعليق المقال.

وأثنى ترامب على تركيا كونها بلدا طيبا للتعامل معه وبأنها “عضو مهم يحتل مكانة جيدة في حلف الناتو”. إلا أنه حذرها بعد ذلك -يقول الكاتب- بأنه “سيدمرها تماما ويمحو” اقتصادها إذا فعلت أي شيء لا يعجبه.

وعاد يتباهى ذات مرة بأن “الحروب الغبية التي لا نهاية لها قد انتهت بالنسبة لنا”. غير أنه اتخذ الخطوة التي من شأنها أن تؤدي على الأرجح إلى الإسراع باستئنافها والتوسع فيها، والكلام للكاتب.

ثم إنه هنأ نفسه على “الحكمة العظيمة التي لا تضاهى”.

ومضى الصحفي بالقول إن المسلحين الأكراد الذين “تخلينا عنهم بكل عجرفة” لن يكون أمامهم الآن للنجاة من الغزو التركي من خيار غير السعي للوصول إلى وفاق مع (الرئيس السوري) بشار الأسد.

ومن شأن وفاق كهذا أن يتيح “للطاغية الدمشقي” تعزيز قبضته على البلد التي ظل يسومها سوء العذاب قرابة العشرين عاما، حسب تعبير المقال.

وأكد الكاتب أن انسحاب ترامب من سوريا سيفعل أنكى من ذلك بالسوريين والأكراد، وسيقوي شوكة طهران بهذا البلد، كما سيزيد من احتمال نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وإيران. وسيثبت هذا الانسحاب عجز العقوبات الأميركية عن كبح جماح الطموح الإيراني.

ومن جانب آخر -يقول الكاتب- فإن الانسحاب سيضفي مصداقية على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل في سوريا لصالح الأسد، وسيقوي من عضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس في الشمال السوري فحسب بل الساحة السياسية الداخلية أيضا، في وقت بدأ يتعرض فيه لانتكاسات خطيرة بعد 16 عاما في سدة الحكم.

ومضى المقال بالقول: ليس ذلك فحسب، فالانسحاب سيعرض للخطر المكاسبَ التي تحققت من دحر تنظيم الدولة الإسلامية حيث يقبع نحو عشرة آلاف من مقاتليه في سجون قوات “سوريا الديمقراطية”.

ويعتقد الكاتب أن ترامب يكرر بذلك أخطاء سلفه باراك أوباما بالعراق عندما أعلن نجاح المهمة هناك وسحب القوات مما أحدث فراغا أمنيا وسياسيا سرعان ما شغله تنظيم الدولة وإيران وأطراف أخرى “رديئة”.

ويرى أن ترامب بقراره الانسحاب من سوريا والسماح لتركيا بغزوها أراد صرف الانتباه عن التحقيقات التي يجريها الكونغرس للطعن في أهليته تمهيدا لعزله.

وفي الخاتمة يقول: بيد أن “خيانة” ترامب للأكراد جلبت رد فعل سياسي عكسيا من شخصيات من بينها بعض “أتباعه” بالحزب الجمهوري من أمثال السيناتور ليندسي غراهام الذي أدرك أن ما تضطلع به واشنطن حاليا ليس مجرد حماقة من حماقات السياسة الخارجية بل هي “عار وطني”.

المصدر : نيويورك تايمز,الجزيرة