لا يزال الاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه مع إيران مؤخرا يحتاج إلى المراجعة من قبل الكونجرس، لكنه في الوقت نفسه يقدم فرصة تاريخية للولايات المتحدة وحلفائها لكبح جماح برنامج طهران النووي ومنع البلاد من الحصول على سلاح نووي على الأقل خلال العشر سنوات المقبلة، ويعد هذا الاتفاق أمرا حيويا بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، لكن من المهم أن ندرك أن لديه غرض محدد: وهو كبح جماح البرنامج النووي الإيراني. وهو لا يتناول بقية السلوك الإيراني الدولي الخبيث لأنه لا يقصد القيام بذلك ببساطة.
وبناء عليه، ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها القريبين في الشرق الأوسط وأوروبا أن يتخذوا خطوات فعالة للقضاء على قدرة إيران على إثارة الفوضى في المنطقة وعلى إدارة أوباما أن تأخذ بزمام المبادرة، وقد كان الاتفاق النووي خطوة ضرورية لوضع حد بطريقة أكثر فعالية للمسارات التي يمكن من خلالها أن تمتلك إيران سلاحا نوويا، لكنه من غير المرجح أن يغير هذا الاتفاق من سلوك إيران السئ، والذي بدوره يشكل خوفا كبيرا بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ومن خلال العمل سويا باستراتيجية متناغمة لمواجهة التخريب الإيراني، سيكون بمقدور الولايات المتحدة وشركائها مواجهة هذا التحدي.
سلوك إيران المزعزع للإستقرار
شبكة التخريب والوكلاء التابعة لإيران كبيرة، حيث تمتد جغرافيا من أمريكا اللاتينية إلى أفغانستان، وتمارس هذه الشبكة أعمال الإرهاب وتنظيم المليشيات الطائفية وتدعمها وتؤجج عملية عدم الاستقرار من الأرجنتين إلى العراق بشكل عام، ولا تكلف هذه الأنشطة طهران أموالا كثيرة، حيث قدر دعم إيران لكل من حزب الله اللبناني ونظام الأسد في سوريا بأقل من عشرة مليارات دولار في العام الماضي، لكنها كافية لزرع الفوضى في الشرق الأوسط وخارجه.
لدى طهران عدة منظمات رئيسية تعمل من خلالها على نشر الفوضى الإقليمية والفتنة الطائفية: الحرس الثوري الايراني الاسلامي، فيلق القدس؛ووزارة الاستخبارات الإيرانية والأمن؛ وحزب الله اللبناني. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية تُعرف فيلق القدس بأنه “الآلية الأولى للنظام الإيراني لزرع الإرهابيين في الخارج ودعمهم”، إلا أن جميع المنظمات تعمل بشكل وثيق لتحقيق مزيد من المصالح الإيرانية في الشرق الأوسط.
ويمكن رؤية بصمات طهران في كل الصراعات الإقليمية في المنطقة تقريبا، حيث تمد حزب الله بالقذائف والصواريخ في لبنان، كما تدعم إيران نظام الأسد بالمال والقوات الإيرانية العسكرية بالإضافة لعدد من المليشيات الشيعية الأجنبية كما تدعم المليشيات الطائفية في العراق التي تقوض سلطة الحكومة في بغداد، وفي الآونة الأخيرة، تم توجيه أصابع الاتهام إلى إيران بتمويلها المتمردين الحوثيين بالأسلحة حيث استولوا على أجزاء كبيرة من اليمن.
باختصار، أنشأت إيران شبكة مؤثرة لتغذية الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، حيث تدعم إيران الجماعات المسلحة من فلسطين إلى العراق ولبنان إلى اليمن بالسلاح والتدريب والأموال. وبدوره يجعل هذا الدعم من تلك الجماعات أكثر فعالية ويؤدي إلى تفاقم الصراعات القائمة، في كثير من الأحيان عن طريق إستثارة عواطفهم الطائفية. وتظل مواجهة هذه الشبكة المكونة من وكلاء إيران وكذلك الفوضى التي تتسبب فيها، تظل مصلحة أساسسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
خيارات السياسة
لا توجد حلول سحرية لإسقاط شبكة إيران التي تعمل على نشر الفوضى في المنطقة. مكافحة السلوك الإقليمي الخبيث لإيران سيتطلب بدلا من ذلك سلسلة من الإجراءات من قبل كل من الولايات المتحدة وشركائها في منطقة الشرق الأوسط. وينبغي أن يكون صانعي القرار معتدلين في توقعاتهم: يجب أن يكون الهدف العام للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين هو تفكيك وعرقلة جهود إيران لنشر الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط بدلا من التغلب عليها بشكل صريح.
وتشمل الخطوات التي يمكن للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين أن يتخذوها لمواجهة التدخل الإيراني في الشرق الأوسط على التوصيات التالية:
1ـ فرض حظر على الأسلحة على وكلاء إيران
في أبريل 2015، فرض مجلس الأمن الدولي حظرا على استيراد الأسلحة ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، مما أعطى الشرعية الدولية للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وقوات التحالف التي تقودها السعودية لاعتراض السفن الإيرانية التي يشتبه في نقلها للسلاح إلى اليمن، ويمكن فرض حظر على الأسلحة مماثل لذلك على وكلاء إيرانيين آخرين مثل حزب الله والمليشيات الشيعية التي تقاتل نيابة عن نظام الأسد. وإذا وافق مجلس الأمن الدولي على قانون يحظر استيراد السلاح على الوكلاء الإيرانيين، فإن الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين سيكون لديهم السلطة والشرعية لاعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية التي يشتبه بها قبل أن تصل إلى وجهاتها. وقد يكون من المستحيل على مجلس الأمن الدولي الموافقة على كل هذه العمليات من الحظر على استيراد السلاح، ولكن بإمكان الولايات المتحدة أيضا أن تشكل تحالفا دوليا لمحاولة منع انتقال الأسلحة الإيرانية.
2ـ تنفيذ اتفاقيات القمة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي بكل قوة
على إثر قمة كامب ديفيد التي تم عقدها في مايو ايار 2015 بين الولايات المتحدة ومجلس دول التعاون الخليجي، نشر البيت الأبيض مرفق للبيان المشترك للقمة يبين نواحي التعاون الأمني القوية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وكثير من هذه النواحي ذات صلة بالجهود المبذولة لمواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني التخريبي.
3ـ الأمن السيبراني
بات الشركاء الإقليميون للولايات المتحدة بالفعل ضحايا هجمات إلكترونية إيرانية، كان أبرزها اختراق شركة أرامكو السعودية عام 2012، وهي شركة النفط الوطنية السعودية. ولدى الولايات المتحدة بالفعل مستشارين للأمن السيبراني متضمنين في المكاتب الحكومية السعودية ذات الصلة، ويدعو مرفق بيان القمة الولايات المتحدة بأن تزود دول مجلس التعاون الخليجي بمساعدات إضافية للأمن السيبراني، كما يجب على الولايات المتحدة الدفع لإضفاء الطابع المؤسسي على ترتيبات الأمن السيبراني المبينة في المرفق، وذلك بهدف حماية الشبكات الإقليمية من الهجمات الإلكترونية الإيرانية، ويجب أن يمتد منتدى الأمن السيبراني ليشمل الشركاء الإقليميين من خارج دول مجلس التعاون الخليجي، كالأردن.
4ـ أنظمة الدفاع الصاروخية
في كامب ديفيد، وافقت دول مجلس التعاون الخليجي على تعميق تعاونها في مجال الدفاع الصاروخي الباليستي، ووافقت الولايات المتحدة على تقديم المساعدة التقنية من أجل إنشاء نظام للإنذار المبكر للخليج للصواريخ الباليستية، وعلى الولايات المتحدة أن تعمل على الشروع في هذه العملية والتعجيل بالتحسينات على قابلية التشغيل المتداخل لأنظمة الدفاع الصاروخية الباليستية لدول مجلس التعاون الخليجي من خلال توسيع نظاق مبيعات منظومة الدفاع الجوي الصاروخي، خارج دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، ويمكن أن يستفيد نظام الدفاع الصاروخي المتكامل للخليج من النظام المتكامل لإدارة المعارك، أو نظام IBCS الذي سوف يدمج العناصر المنفصلة من نظام الدفاع الصاروخي ويزيد من فعاليتها، ويمكن لنظام الدفاع الصاروخي الخليجي القوي أن يكون بمثابة حائظ صد ضد تهديد الصواريخ الباليستية الإيرانية وأن يمثل رمزا للوحدة السياسية لدول الخليج على حد سواء.
5ـ الأمن البحري
وافقت دول مجلس التعاون الخليجي أيضا على اتخاذ خطوات أكبر لتبادل المعلومات ومنع تهريب الأسلحة غير المشروعة، في الوقت الذي وافقت فيه الولايات المتحدة على توفير التدريب والمساعدة لدول مجلس التعاون الخليجي في قضايا الأمن البحري، وينبغي أن يتم اتخاذ تلك الخطوات في أقرب وقت ممكن، مع التركيز بشكل أساسي على منع شحنات الأسلحة الإيرانية غير المشروعة من الوصول إلى وكلائها، ويجب أن تتحد جهود الدول الأخرى، الدول المجاورة لدول مجلس التعاون الخليجي والدول الحليفة للولايات المتحدة منذ فترة طويلة من خارج المنطقة، لزيادة قدرات الأمن البحري لدول مجلس التعاون الخليجي.
6ـ تدريب العمليات الخاصة
تعهدت الولايات المتحدة بدراسة الخيارات المتاحة لزيادة تدريب العمليات الخاصة مع شركائها من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تبني العديد من دول مجلس التعاون الخليجي قدراتها للعمليات الخاصة من البداية، لذ سيتطلب بذل جهد لتدريب وتجهيز هذه القوات في دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن ينبغي أن يتجنب هذا الجهد تشكيل قوة تعادل فيلق القدس بالنسبة لدول الخليج، حيث أن آخر شئ يحتاجه الشرق الأوسط هو شبكة أخرى ترعاها الدول تتألف من قوات طائفية بالوكالة إلى حد كبير، وبدلا من ذلك، يجب أن تركز الجهود الأمريكية على مهارات عملية، مثل شن غارات مماثلة لتلك العملية التي حدثت في مايو 2015 والتي أسفرت عن مقتل ممول رئيسي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وإمكانية العمل المشترك مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية.
7ـ وضع إطار عمل استراتيجي مع إسرائيل لمواجهة إيران
طوال عملية التفاوض مع إيران، فوّتت إسرائيل والولايات المتحدة فرص لإقامة إطار عمل استراتيجي لمرحلة ما بعد الاتفاق لمواجهة النفوذ الإيراني الإقليمي بسبب الاحتكاك الناجم عن الخلافات الرئيسية في إدارة المفاوضات، والآن بعد أن تم التوصل إلى اتفاق، من المرجح أن يتم الشروع في تطبيق بنوده، وبالرغم من كونه عسيرا من الناحية السياسية، إلا أنه يجب أن تتوصل الولايات المتحدة وإسرائيل إلى اتفاق استراتيجي مماثل لذلك الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في كامب ديفيد، ولا يلزم أن يكون هذا الإطار من خلال قمة رفيعة المستوى ولكن يمكن أن يقوم به الدبلوماسيون الأمريكيون والإسرائيليون ومسؤولي وزارة الدفاع بدلا من ذلك، ويجب أن يغطي نفس المجالات التي بينها البيان المرفق لقمة الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، من حيث تحديد الخطوات التي ستتخذها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة النفوذ الإيراني الإقليمي السلبي.
وكجزء من هذا الإطار، يجب أن توافق الولايات المتحدة على إمداد إسرائيل بقدرات إضافية ضرورية للتصدي لوكلاء إيران، وينبغي أن يتم تمويل تلك القدرات، مثل أنظمة الدفاع الصاروخي على غرار القبة الحديدية، على أنها إضافة للمساعدة العسكرية التي تتلقاها إسرائيل من الولايات المتحدة والتي تقدر بحوالي ثلاثة مليارات دولار سنويا.
8ـ منع الشركات المرتبطة بالحرس الثوري الايراني من الوصول إلى الموانئ البحرية والجوية الإقليمية:
بمقدور الشركاء الإقليميين منع الطائرات والسفن التابعة لشركات مرتبطة بالحرس الثوري الايراني من دخول أراضيها، حيث تمثل هذه الشركات العوامل المساعدة اللوجستية للحرس الثوري الايراني، حيث تنقل الأفراد والأسلحة والأموال لدعم وكلاء إيران في المنطقة، وبينما تم توقيع عقوبات كبيرة على العديد من الشركات التابعة للحرس الثوري الايراني من قبل الولايات المتحدة، إلا إنها لا تزال تعمل في المجال الجوي والبحري لشركاء الولايات المتحدة الإقليميين، على سبيل المثال، تضع شركة خطوط ماهان الجوية، والمصنفة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية كأداة في يد الحرس الثوري الإيراني ستة وجهات لدول من مجلس التعاون الخليجي على موقعها الالكتروني، ويمكن للشركاء الإقليميين، وخاصة هؤلاء الذين تعمل شركات تابعة للحرس الثوري الايراني على أراضيهم، يمكن أن يتصدوا لتلك الأذرع المساعدة وتقييد حريتة حركتهم الإقليمية. منع هذه الشركات من الوصول إلى المطارات والموانئ يمكن أن يعيق قدرة الحرس الثوري الإيراني لنقل الأفراد والمعداد والأموال في أرجاء المنطقة.
9ـ وضع ترتيبات لتبادل المعلومات الاستخباراتية
ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين إنشاء خلية لتبادل المعلومات الاستخباراتية سويا حيث تركز على دعم إيران للوكلاء وسلوكها المزعزع لاستقرار الآخرين في المنطقة، ويجب أن يكون الهدف الأساسي من هذه الخلية هو وضع صورة موحدة لأنشطة إيران التخريبية الإقليمية، مثل تغذية الفوضى وعدم الاستقرار في دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة، لضمان أن الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين لديهم نفس الصورة العامة الموحدة لهذه الأنشطة. وهذا الالتزام الذي أعربت عنه الولايات المتحدة لمواجهة هذه الجوانب من سياسة إيران الإقليمية، من شأنه أن يخفف من حدة مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي حيال التبعات المحتملة للاتفاق النووي. وكأولوية أولى، ينبغي أن تركز هذه الخلية على رسم خرائط الشبكات اللوجستية التي تسمح لإيران بدعم وكلائها في أرجاء المنطقة وتحديد نقاط ضعفها.
10ـ دعم العمل العسكري الإقليمي ضد وكلاء إيران وشبكة خدماتها اللوجستية عند الضرورة
عند الضرورة، يجب على الولايات المتحدة تقديم الدعم لعمل عسكري إقليمي ضد الوكلاء الإيرانيين ومكونات الشبكة اللوجستية التي تدعمهم، مثل الضربات الإسرائيلية على شحنات السلاح الخاصة بحزب الله في سوريا، ويجب أن يتحمل الشركاء الإقليميين الجزء الأكبر من المخاطر في نشر قواتهم على الأرض، في حين يتعين على الولايات المتحدة تقديم الدعم الرئيسي مثل خدمات النقل والإشراف الجوي، وينبغي أن تكون هذه الغارات نادرة وأن يتم إجرائها وفق اتفاق متبادل فقط، وعندما تستند إلى معلومات استخباراتية سليمة وبعد تقييم المخاطر بشكل كامل.
الخلاصة
ستستمر إيران في تشكيل تهديد خطير لاستقرار الشرق الأوسط وأمنه، بشكل أساسي من خلال الدعم المالي والمادي لوكلائها في المنطقة، وستواجه الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين هذه المشكلة ويجب أن تكون مستعدة لمواجهة إيران ووكلائها، وفي حين أنه من غير المرجح أن تقضي السياسات المذكورة هنا على جهود إيران الحثيثة تماما في المنطقة، لكن بإمكان تلك السياسات أن تعيق تقدم تلك الجهود وأن تفرض تكاليف على طهران أعلى مما دفعته في السابق.
وبنفس القدر من الأهمية، مواجهة سياسة إيران لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط تقدم فرصة للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، من إسرائيل إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لمزيد من التقارب بعد التوتر الذي سببته المفاوضات النووية، وبدلا من الانغماس في سلوك غير بناء، بمقدور الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين الاشتراك في جهد بناء لوقف، أو على الأقل إبطاء، إجراءات إيران التخريبية في أرجاء الشرق الأوسط، كما أن اتخاذ إجراءات صارمة لتقييد السلوك الإقليمي الخبيث لإيران يعطي فرصة للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين لبدء صفحة جديدة، ينبغي عليهم فتحها.
أمريكان بروجريس، بيتر جول، بريان كاتوليس، شلومو بروم
المركز الدبلوماسي لدراسات فض النزعات