تواجه حظوظ رئيس الوزراء المكلف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة محمد علاوي تقلبات حادة في “البورصة السياسية”، ما يفتح باب الاحتمالات على مصراعيه بشأن مستقبله، ويساوي بين توقعات مرور حكومته عبر البرلمان أو فشلها في نيل الثقة.
احتمالات متقاربة
وفي وقت تشير كواليس الكتل الشيعية إلى أن التشكيلة التي سيعرضها علاوي على البرلمان قد تنال الثقة بسهولة، توحي أجواء الكتل السنية والكردية بأن الأمر ليس بهذه البساطة.
وتقول مصادر متابِعة إن علاوي استبعد كل الخيارات التي عرضتها القوى السياسية الشيعية لشغل المناصب التي تقع ضمن حصتها، مؤكدةً في الوقت ذاته أن القوى السنية والكردية لم تتوافق بعد مع رئيس الوزراء المكلف، بانتظار نتائج اجتماع حاسم سيُعقد قريباً بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بصفته زعيم أكبر كتلة سنية، ومسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي، أكبر الأحزاب الكردية.
وكان رئيس الوزراء المكلف أعلن يوم السبت 15 فبراير (شباط) الحالي، اقترابه من “تحقيق إنجاز تاريخي يتمثل بإكمال تشكيلة وزارية مستقلة من الأكفاء والنزيهين من دون تدخل أي طرف سياسي”، مشيراً إلى أنه سيطرح “أسماء هذه التشكيلة خلال الأسبوع الحالي إن شاء الله بعيداً من الإشاعات والتسريبات، ونأمل في استجابة أعضاء مجلس النواب والتصويت عليها من أجل البدء بتنفيذ مطالب الشعب”.
وعلى الرغم من تفاؤله الواضح، ينقسم المراقبون بشأن تقييم حظوظ علاوي وإمكانية مرور حكومته المنتظَرة عبر البرلمان، إذ يرى كثيرون منهم أن احتمالات فشلها أو نيلها الثقة تكاد تكون متساوية.
ويعزو مراقبون تقارب الاحتمالات، إلى أن ترشيح علاوي نفسه لم يكن موضع إجماع شيعي، ولم يأتي استجابةً لمطالب المتظاهرين، وفق ما أُشيع، كما أن الحكومة لا يمكن أن تتشكل في العراق من دون ضمان مصالح الأحزاب الشيعية والسنية والكردية.
لم تكن إشارة علاوي إلى “الإشاعات” التي أحاطت بمفاوضات تشكيل حكومته، دخيلة، إنما تعبر عن أزمة عميقة لطالما واجهها رؤساء الحكومات المتعاقبة، وتتعلق بفرضية عرض الحقائب الوزارية في مزاد مفتوح بين الأحزاب، ليحصل عليها مَن يدفع السعر الأعلى.
الإشارات الأولى في هذا الشأن، أتت عبر السياسي المستقل إبراهيم الصميدعي، الذي يوصف بأنه أحد أعضاء “فريق الظل” الخاص برئيس الوزراء المكلف، وهو المسؤول عن المفاوضات غير الرسمية مع الأحزاب، إذ قال إن “أطرافاً سياسية استغلت قربه من علاوي لتعرض عليه أن يساعدها في الحصول على حقيبة وزارية في الحكومة الجديدة، لقاء مبلغ معين”.
وأثارت تصريحات الصميدعي ضجة كبيرة، إذ ذكّرت المتابعين بأنباء مماثلة رافقت تشكيل كل الحكومات العراقية السابقة، مع استفهامات كبيرة تتعلق بإصرار الأحزاب العراقية على النهج ذاته، على الرغم من التظاهرات التي تشهدها البلاد منذ ما يزيد على الخمسة أشهر ضد الفساد وسوء إدارة البلاد وهدر المال العام والمحسوبيات والمحاصصة والاستيلاء على المال العام.
القضاء يحقق
كانت تصريحات الصميدعي صادمة لدرجة أجبرت مجلس القضاء الأعلى، على فتح تحقيق في هذا الملف، وسط تشكيك واسع في جدوى هذا النوع من الإجراءات. وبدلاً من أن يردع إجراء مجلس القضاء السياسيين الآخرين عن التورط في حديث بيع الوزارات، يبدو أن نتيجته كانت عكسية، إذ ذكر النائب عن تحالف دولة القانون كاظم الصيادي أن لديه معلومات تؤكد أن إحدى الحقائب في حكومة محمد علاوي بلغ ثمنها نحو 8 ملايين دولار أميركي، داخل “البازار الحزبي” في إشارة إلى ما يعرف بـ “البورصة السياسية”.
ولم يتأخر رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي، الذي تربطه صلة قرابة وثيقة برئيس الوزراء المكلف محمد علاوي عن اللحاق بجدل بيع الوزراء، مشيراً إلى أنه “من المفترض أن تكون مهمة الحكومة المقبلة مؤقتة، تنحصر في محاسبة قتلة المتظاهرين والتهيئة لانتخابات مبكرة، لا تشارك فيها، وتحديد موعد لها”، مضيفاً أنه “من المستغرب، بل والمعيب ما يُثار حول بازار المناصب، واللهاث خلفها، وتجاهل الحديث عن مطالب المحتجين والقمع الذي يطالهم منذ خمسة أشهر”.
من جهة أخرى، أبلغ رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي الأسبوع الماضي، رئيسَي الجمهورية والبرلمان وقادة الكتل المهمة، بأنه لن يبقى في منصبه يوماً واحداً بعد انتهاء مهلة الثلاثين يوماً الممنوحة لعلاوي لتشكيل حكومة جديدة.
ويعتقد عبد المهدي وفق مقربين منه، أن تاريخه السياسي الممتد لعقود مضت، تعرض للإهانة، عندما أصرت الأحزاب الموالية لإيران على إبقائه في منصبه، على الرغم من مطالبة المتظاهرين برحيله. وحتى لا يبدو أنه أذعن للمتظاهرين، كتب عبد المهدي في نص استقالته إنه اتخذ هذه الخطوة بناءً على رغبة المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني وليس المحتجين.
ويقول مقربون من عبد المهدي إن رئيس الوزراء المستقيل يريد أن يغادر منصبه في أسرع وقت، بعد تعرضه لاتهامات عدة على خلفية القمع الحكومي الدموي الذي يتعرض له المتظاهرون منذ خمسة أشهر ولا يزالون، ما يفتح الباب على المجهول بالنسبة إلى القوى السياسية الشيعية.
فوفق الدستور، إذا فشل علاوي في نيل ثقة البرلمان، ونفّذ عبد المهدي كلامه بشأن الرحيل بمجرد انتهاء مهلة تشكيل الحكومة الجديدة، فإن رئيس الجمهورية برهم صالح هو مَن سيقوم بمهمات رئيس الوزراء، مدة شهر واحد.
يُذكر أنه وفق نموذج المحاصصة المعتمد في الحياة السياسية العراقية، فإن منصب رئيس الوزراء، الذي يحتكر معظم الصلاحيات التنفيذية، العسكرية والمالية، فضلاً عن السياسة الخارجية، هو من حصة الشيعة، على أن تكون رئاسة البرلمان سنية ورئاسة الجمهورية كردية. لذلك، فإن من شأن تولي برهم صالح مهمات رئيس الوزراء، وإن بشكل مؤقت، سيمثل مصدر قلق كبير للقوى الشيعية، التي تخشى خسارة المنصب الأهم في العراق.
محمد ناجي
اندبندت العربي