أشار تحليل حديث، إلى أن سوق الأصول والملاذات الآمنة بقيادة الذهب استفادت كثيراً من تحركات البنوك المركزية والحكومات والإجراءات الاحترازية التي تم الإعلان عنها خلال الفترة الماضية، مدعومة في ذلك بالخسائر العنيفة التي واجهتها أسواق الأصول الخطرة بقيادة أسواق الأسهم والسندات.
ويعتبر الذهب استثماراً آمناً خلال أوقات عدم اليقين السياسي أو الاقتصادي، وهو ما يفسر أسباب اندفاع المستثمرين بقوة إلى شراء الذهب خلال الفترات الماضية، كبديل قوي للعملات بقيادة الدولار، حيث واجهت العملات الأساسية خسائر كبيرة خلال الفترة الماضية.
وأوضح التحليل، الذي نشرته مدونة مجلس الذهب العالمي، إلى أنه في حين كان من المتوقع حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي وحالة من عدم اليقين الجيوسياسي في عام 2020، إلا أن التأثير السريع وواسع النطاق لتفشي كورونا تسبب في اتخاذ قرارات لم يتوقعها إلا عدد قليل، سواء من المحللين أو المتعاملين في القطاع الاقتصادي.
وفي ظل هذه الظروف غير المسبوقة، اتخذت البنوك المركزية المزيد من القرارات في مسعى إلى دعم الاقتصاد العالمي. حيث نفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خفضين طارئين في معدل الفائدة هذا العام، في إجراء طارئ للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مما أدى إلى تقليص الفائدة إلى مستوى قريب من الصفر.
وفي الوقت نفسه، لم يكن البنك المركزي الأميركي هو الوحيد الذي قرر خفض أسعار الفائدة، حيث كان هناك تنسيق مع البنوك المركزية في منطقة اليورو واليابان وكندا وسويسرا. وخلال العام الماضي، نشر مجلس الذهب مدونة تناقش كيفية قيام البنوك المركزية في كافة أنحاء العالم بخفض معدلات الفائدة استجابةً للنمو الاقتصادي الآخذ في التباطؤ، وتراكم الديون سالبة العائد، وما يعنيه ذلك بالنسبة للذهب.
وكانت النتيجة التي تم التوصل إليها تكمن في أن تكلفة الفرصة البديلة كانت العامل الأكثر أهمية في دفع أسعار الذهب للصعود خلال عام 2019. فيما أسهم مزيج من خفض معدلات الفائدة والزيادة السريعة للسندات سالبة العائد في خفض تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب. كما أن معدلات الفائدة الآخذة في الهبوط مع العوائد السالبة تسببت في جعل السندات الحكومية أقل جاذبية وزادت من احتمالية ارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة العملات في المستقبل.
خطط تحفيز بمبالغ ضخمة من البنوك المركزية
علاوة على ذلك، ووفقاً لتحليل مدونة مجلس الذهب العالمي، تضخ البنوك المركزية والحكومات حول العالم تريليونات الدولارات، بوتيرة تفوق بكثير المستويات المسجلة في الاستجابة للأزمة المالية العالمية عام 2008. وخلال الأسبوع الماضي، اتخذ البنك المركزي الأميركي خطوات أبعد من ذلك بكثير، من خلال إعلانه شراء غير محدود للأصول، كما قرر حيازة ديون الشركات للمرة الأولى، إذ ضخ 4 تريليونات دولار من السيولة عبر قروض للشركات، في حين أقرت الحكومة الأميركية حزمة تحفيزية بقيمة تريليوني دولار. ومن المحتمل أن يلغي البنك المركزي الأوروبي الحد الأقصى، الذي يبلغ حالياً 750 مليار يورو (821 مليار دولار)، على برنامج شراء الأصول الطارئ لمواجهة كورونا.
فيما أقرت الحكومة الألمانية برنامجاً للقروض من خلال بنك التنمية، المملوك للدولة، الذي قد يوفر ما يصل إلى 550 مليار يورو (610 مليارات دولار) في هيئة قروض للشركات. وأيضاً، كشفت إيطاليا عن خطة تحفيز بقيمة 25 مليار يورو (28 مليار دولار)، مقسمة إلى حزمتين، تشمل تقديم قروض إلى الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم.
وفي اليابان، أعلن البنك المركزي، زيادة الإنفاق بشكل كبير على صناديق الاستثمار المتداولة وسندات الشركات، كما أن الحكومة اليابانية أصدرت حزمتي قروض بما مجموعه حوالي 20 مليار دولار. لكن في الوقت نفسه، فإن هذه الإجراءات غير المسبوقة للحفاظ على تدفق الائتمان على أمل الحد من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد، يمكن أن تعمق الخلل في أسعار الأصول والمخصصات الاستثمارية في السنوات المقبلة.
خلال تعاملات أمس، وسعت أسعار الذهب مكاسبها لأكثر من 46 دولاراً عند تسوية التعاملات، بعد ظهور بيانات اقتصادية سلبية، مع استمرار تفشي كورونا عالمياً.
وعلى صعيد البيانات السلبية، أشارت بيانات أميركية إلى ارتفاع كبير في طلبات إعانة البطالة في الولايات المتحدة لتصل إلى مستوى قياسي عند 6.6 مليون طلب خلال الأسبوع الماضي. في حين تراجع عجز الميزان التجاري في الولايات المتحدة بأكثر من 12 في المئة خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، بينما استقرت طلبيات المصانع الأميركية بعكس التقديرات.
ويأتي أداء المعدن النفيس وسط إشارات متزايدة على الركود العالمي بسبب تفاقم تفشي الوباء الذي ينتشر في أكثر من 183 دولة حول العالم في الوقت الحالي مع اقتراب الإصابات من مليون إصابة وارتفاع حالات الوفاة لما يقرب من 50 ألف حالة وفاة مع توقعات باستمرار انتشاره طالما لم يتم اكتشاف علاج له.
وعند التسوية، ارتفع سعر العقود الآجلة للذهب تسليم شهر يونيو (حزيران) المقبل بنحو 2.9 في المئة، وهو ما يعادل 46.30 دولار إلى مستوى 1637.70 دولار للأوقية. كما صعد سعر التسليم الفوري للمعدن الأصفر بنحو 1.5 في المئة، أو ما يعادل 23.43 دولار عند 1615.48 دولار للأوقية. في الوقت نفسه، ارتفع المؤشر الرئيس للدولار الأميركي، الذي يتبع أداء الورقة الأميركية مقابل 6 عملات رئيسة بنحو 0.7 في المئة إلى مستوى 100.31 نقطة.
استمرار فزع المستثمرين من تداعيات انتشار كورونا
لكن البيانات تشير إلى أن تأثير عمليات خفض الفائدة وإجراءات التحفيز العديدة، التي أعلنتها البنوك المركزية على مستوى العالم حتى الآن، محدوداً. ولم يتسبب في تقليص خسائر الأسواق التي تواصل نزيفها حتى الآن.
ولا تزال الأوضاع التي تشهدها الأسواق في الوقت الحالي، والخسائر العنيفة التي تواجهها الاقتصاديات الكبرى، تدفع إلى تعزيز القلق والفزع لدى المستثمرين، الذين يشعرون بالقلق بشأن التأثير الكامل لفيروس كورونا في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستويات التقلبات عبر مختلف الأسواق.
وأكد التحليل، أن سوق الأصول والملاذات الآمنة بقيادة الذهب لم تكن بعيدة عن التقلبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، حيث انخفضت أسعار المعدن النفيس بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة مع سعي المستثمرين للحصول على السيولة من أجل كبح الخسائر في أصول أخرى داخل محافظهم الاستثمارية.
لكن بخلاف هذا الإجراء السلبي الأخير فيما يتعلق بالأسعار، فمن المرجح أن تخلف القرارات التي يتم اتخاذها في إطار احتواء مخاطر انتشار كورونا، تداعيات طويلة الأمد على الاقتصاد العالمي، وبالتالي تستمر في دعم الطلب الاستثماري على الذهب في المستقبل القريب.
خالد المنشاوي
اندبدنت عربي