ظنّ الناس في البداية أنّ فيروس كورونا لا يميّز بين عرق أو دين أو غني أو فقير، وأكّدت وسائل الإعلام هذه الاعتقادات بعد إصابة مشاهير وشخصيات مرموقة به في مختلف أنحاء العالم. لكن مع استمراره في التوسّع والانتشار، انكشف النقاب عن وجهه الحقيقي، وتبيّن أنّه مرض غير عادل وأنّ هناك اختلافا شاسعا بين معاناة الفقراء والأغنياء. فالناس في أدنى درجات السلم الاجتماعي والاقتصادي يعانون أكثر، خاصّة أولئك الذين يحاربون المرض على الخطوط الأمامية، والذين يتقاضون أدنى الرواتب في المجتمع.
أيقظ كوفيد-19، في غضون أشهر الصراع الطبقي القديم، وازداد التصوّر حول العالم، بأنّ المصطافين الأثرياء هم أوّل من نشر فيروس كورونا. وعلى الرّغم من هذه الحقيقة، تقوم الأقليات العرقية والمحرومة، بالأعمال الأكثر خطراً، وتمرض وتموت بشكل أسرع من الأغنياء وأصحاب البشرة البيضاء والمتميزين.
ومن المعلوم أن “المريض صفر” البريطاني، دارين بلاند، قد التقط الفيروس في بلدة إيشغل النمساوية، المعروفة باسم “إيبيزا في جبال الألب”، وهو مكان للتزلّج، يرتاده المشاهير بما في ذلك باريس هيلتون وروبي ويليامز. وقد أصيب المئات من المصطافين هناك، وعادوا إلى بلدانهم الأصلية حيث نشروا العدوى.
نقلت صحيفة “ذا تايمز” أنّه بطريقة مشابهة، نقل أعضاء النخبة المكسيكية من جبال كولورادو هذا المرض. وكتبت أنّه في كل عام، يتجمّع حوالي 500 من المكسيكيين رفيعي المستوى، لمدة أسبوعين في منتجع التزلج باهظ الثمن في فيل، بولاية كولورادو. لكن رحلة هذا العام، كانت مختلفة لأنّ المنتجع، كان المكان الحاضن لكوفيد-19، وظهرت أعراضه على ما لا يقل عن 50 من هؤلاء، عندما عادوا إلى ديارهم، بما في ذلك رئيس البورصة المكسيكية.
وكان من الطبيعي أن تركّز وسائل الإعلام على الأغنياء والمشاهير الذين أصيبوا بكوفيد-19، مثل الأمير تشارلز ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والممثل الأميركي توم هانكس، والممثّل الإنكليزي إدريس إلبا وصوفي ترودو، زوجة رئيس الوزراء الكندي وكيفن دورانت لاعب كرة السلّة الأميركي… حتى ساد الاعتقاد حول العالم، بأنّ الأثرياء هم الأشخاص الذين يساهمون في نشر فيروس كورونا أكثر من غيرهم، وأن أولئك الذين لديهم الوقت للترفيه والموارد للسفر والسياحة هم المسؤولون الأساسيون عن انتقاله.
وأفادت صحيفة “ميل أونلاين” أن النقاط الساخنة لفيروس كورونا، توجد في بعض أغنى ضواحي أستراليا، وذلك عقب عودة ركّاب الرحلات من الدرجة الأولى والرحلات البحرية الفاخرة إلى البلاد حاملين معهم الفيروس. وعلّقت: هذه هي الحرب “الطبية” الطبقية. أمّا الصحف الأسترالية، فألقت باللوم على المصطافين الأثرياء، مشيرة إلى ارتفاع معدّل الحالات المؤكّدة في المناطق الثرية في ستونينغتون وشبه جزيرة مورنينغتون.
وأفادت شبكة “سي أن أن” أنه من المجحف، أن نقول إن الأغنياء يعيشون من دون خوف. والدليل على ذلك إصابتهم بالمرض كغيرهم من الناس. لكن على الرّغم من أنّهم غير محصنين، فإن ثراءهم يسهل عليهم عزل أنفسهم، على عكس العمال الأساسيين أو غيرهم من العاملين الذين لا يمكنهم الاستمرار من دون الحصول على رواتبهم الأسبوعية. وأشارت إلى ما قاله الدكتور أشوين فاسان، عالم الأوبئة المدرب في جامعة هارفارد، عن سماعه قصصًا مزعجة عن أفراد أثرياء يشترون أجهزة التنفّس الاصطناعية الخاصة بهم، بينما يقول حكام الولايات المتضررة بشدة، إنهم على وشك نفاد الإمدادات الأساسية. فضلاً عن وجود أشخاص حصلوا من باب الاحتياط، على علاج لدواء الملاريا هيدروكسي كلوروكوين الذي يخضع حاليا لتجارب سريرية كعلاج محتمل.
وفي السياق تقول المؤرّخة الطبيبة، أماندا فورمان، إن عقلية الأثرياء لحماية أنفسهم ليست جديدة، وإنّهم خلال الحرب العالمية الثانية، على الرغم من نظام التقنين في جميع أنحاء المملكة المتحدة، كان بعضهم يتناول العشاء في فندق “ريتز”.
بدورها تعلّق صحيفة “وول ستريت جورنال”، بأنّ الحالات البارزة من الإصابات بكوفيد-19، أثارت التوترات الطبقية ودعمت الاعتقاد بأن هذا المرض هو مشكلة الأغنياء، خاصة في البلدان التي تعاني من مستويات عالية من عدم المساواة الاقتصادية.
وشبّهت جنيفر شيفر، كاتبة عمود في صحيفة “ذا غارديان” إعطاء الأولوية للأثرياء لاختبار إصابتهم بكوفيد-19، بما حدث على سفينة تايتانيك، حيث أعطيت الأولوية للنساء والأطفال، لكن مع اختلاف أخلاقي كبير. وكتبت أنّ الأغنياء، يعتمدون على عدم ملاحظتنا. إنهم يهتمون بأنفسهم بينما يتركوننا لنغرق على متن سفينة.
وانتشرت تغريدات على تويتر، تتهم الأغنياء بنشر المرض، منها منشور لشاب صيني يقول على رسم مصور لطائرة ومنطقة فقيرة: “جاء مع الأغنياء ليقتل الفقراء”.
وأثارت العجرفة التي أعلن بها الأثرياء عن استمتاعهم بحالات الإغلاق، موجة من الانتقادات، منها تغريدة لرجل الأعمال الملياردير ديفيد جيفن وهو على متن يخته الباهظ الثمن ومنشور لعائلة بيكهام، تعرض قصرها الفخم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكتبت صحيفة “ذا تايمز”، أنّ المؤرخين المستقبليين، قد يستشهدون، بتجميع فيديوهات لمشاهير يغنون أغنية “تخيّل” للفنان جون لينون، في منازلهم الفاخرة كدليل نهائي على التفاوت والانفصال الطبقي، خلال عصر العزل الاجتماعي. في وقت يتسارع الأثرياء في أنحاء العالم إلى وقاية أنفسهم بشتى الطرق، حيث يقوم الأميركيون الأغنياء، باقتناص الفرص للحصول على اختبارات سريعة وفحوصات فورية وخدمات استدعاء للأطباء الخاصين، كما لم يتردّد بعض أثرياء الروس عن بناء عياداتهم الخاصة، واقتناص المعدات الطبية النادرة.
وتعزز بعض البلدان، النزاعات الطبقية لمرض كوفيد-19، من خلال التركيز على العرق. حيث وجدت دراسة حديثة أن 35 في المائة من المصابين به بشكل خطير، في إنكلترا وويلز وأيرلندا الشمالية، كانوا من أصحاب البشرة السوداء أو من الآسيويين أو من أقلية عرقية أخرى، على الرغم من أنّ هؤلاء، يشكلون 14 في المائة فقط من المجتمع الأوسع.
أمام كل ما يحدث في العالم، نرى أنّ بعض المشاهير والأثرياء، غافلون عن معاناة الطبقات الأقل حظا منهم، ولا يزالون يؤكّدون أنّ فيروس كورونا يساوي بين جميع أطياف المجتمع، بينما يعبّرون بوسائل تبرز بجلاء نقيض ما يقولونه. وخير مثال على ذلك، ظهور الممثلة والمغنية مادونا، في فيديو، وهي ترقد في حمام مليء بالحليب، تطفو على سطحه بتلات الورد، و تقول الرّائع أنّ هذا الفيروس جعلنا متساوين بطرق عديدة.
كاتيا يوسف
العربي الجديد