انطلق سباق الانتخابات بين الرئيس الجمهوري دونالد ترمب وخصمه الديمقراطي جو بايدن بشكل مختلف عما شهدته أي انتخابات سابقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال شاشات التلفزيون، بعدما توقفا قبل نحو شهرين عن أي مشاركة جماهيرية.
وفي هذه الأثناء، تستعد حملة ترمب لإطلاق عاصفة من الإعلانات التلفزيونية الهجومية، في محاولة لتغيير اتجاه تراجع خطير في شعبيته، كشفت عنه استطلاعات الرأي الجديدة في عدد من الولايات المتأرجحة والحاسمة. بموازاة إجراءات يجري إعدادها لمعاقبة الصين بعد اتهام ترمب لها بالمسؤولة عن تفشي وباء كورونا، وبأنها تفعل أي شيء كي يخسر انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
فهل سيتمكن ترمب من استعادة شعبيته؟ وهل يستطيع خلال ستة أشهر أن يتجاوز التأثيرات الاقتصادية والصحية السلبية في الولايات المتحدة، أم أن الوقت لن يمهله ذلك؟
حملة إنقاذ عاصفة
يوم الأحد 3 مايو (أيار)، ووسط قلق جمهوري متزايد، يبدأ ترمب عاصفة من الإعلانات على شبكات التلفزيون الرئيسة ومواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لإنقاذ شعبيته التي تهاوت في الأسابيع الماضية.
وأكد مستشاروه، أن استطلاعات داخلية كشفت تقدم بايدن بنقاط عدة، بما في ذلك عدد من الولايات المتأرجحة والحاسمة في الانتخابات. ولاحظوا أن الارتفاع المؤقت في شعبية ترمب حول أدائه في معالجة أزمة كورونا قد تبخرت.
وحسب تسريبات أعلنتها وسائل إعلام أميركية، فإن الحملة التي تكلفت أكثر من عشرة ملايين دولار، خلال فترة وجيزة، ستعكس قيادة ترمب في مواجهة الديمقراطيين والإعلام، وتعكس عزمه على إعادة تنشيط الاقتصاد الأميركي الذي دمره وباء كورونا، بينما ستخصص الموجة الثانية من الحملة للهجوم على بايدن.
وما زاد من تضخم الشعور بالانزعاج في معسكر الجمهوريين وداخل حملة ترمب، حملة إعلانات أعدها الديمقراطيون تصور الأول على أنه غير فعال في تعامله مع الوباء وأنه خذل أميركا.
سبب التحول
ويعود سبب التحول السريع من قبل ترمب إلى ما قدمه مستشارو البيت الأبيض في شأن نتائج استطلاعات الرأي الأسبوع الماضي، التي أظهرت أنه يتراجع عن بايدن في الولايات المتأرجحة الرئيسة. وهدف المستشارون إلى تشجيع الرئيس على الحد من المؤتمرات الصحافية اليومية التي يعقدها في شأن فيروس كورونا، أو التوقف عن تلقي أسئلة من الصحافيين بعدما تراجعت نسب تأييده خلال الأسابيع الماضية، وفقاً لما كشفت عنه مصادر لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
ولأن ترمب لا يثق منذ فترة طويلة في بيانات استطلاعات الرأي، عندما تكون الأرقام سلبية، رفض في البداية مناشدات مساعديه، قائلاً، إن الناس يحبون الملخصات الصحافية ويعتقدون أنه يقاتل من أجلهم. لكنه عاد عن ذلك وتوقف عن عقد مؤتمرات صحافية في عطلة نهاية الأسبوع. ولوحظ أنه أجاب عن أسئلة أقل خلال الأيام القليلة الماضية.
وقال مسؤولون إن أحد الاستطلاعين اللذين اطلع عليهما الرئيس كان من اللجنة الوطنية الجمهورية، والآخر من الحملة الانتخابية لترمب. وأظهر كلاهما أن ترمب يتراجع تأييده عن بايدن في الولايات المتأرجحة التي تحسم الانتخابات الرئاسية. ما أثار قلق فريق ترمب خلال الأسابيع الماضية التي شهدت اشتباكات كلامية مع الصحافيين والإعلاميين، بينما كان الاقتصاد يتراجع والبطالة تتزايد، واستمرت الوفيات جراء فيروس كورونا بالارتفاع.
استطلاعات كاشفة
ووسط أزمة كورونا، أحرز بايدن تقدماً على خصمه ترمب بمعدل 6 نقاط، في العديد من استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتأرجحة الحاسمة. وأشار استطلاع أجرته شبكة “فوكس نيوز” في ثلاث من الولايات المتأرجحة التي تحسم عادة نتيجة الانتخابات، إلى أن 49 في المئة من الناخبين في ولاية ميتشغن يؤيدون بايدن، مقابل 41 في المئة يؤيدون ترمب. وفي ولاية بنسلفانيا يؤيد 50 في المئة الأول، مقابل 42 في المئة يؤيدون الأخير. لكن الفارق تضاءل في ولاية فلوريدا حيث يؤيد بايدن 46 في المئة، مقابل 43 في المئة يؤيدون ترمب.
وعلى المستوى الوطني، يؤيد بايدن 48.4 في المئة من المستطلعين، مقابل 42.1 أيدوا ترمب وفقاً لاستطلاع أجراه مركز “رييل كلير بوليتيكس” حتى 25 أبريل (نيسان). ما يعني أن تأييد الأخير تراجع بين الأميركيين مقارنة بمطلع شهر أبريل الذي حقق خلاله نسبة تأييد بلغت 47.4 في المئة. واعتُبر ذلك من أفضل النتائج التي حققها ترمب على المستوى الوطني منذ أشهر.
كورونا وليس الاقتصاد
هناك من يعتبر أن الاستطلاعات تقدم تفاصيل مهمة ينبغي رصدها. فعلى سبيل المثال، لم يحكم الناخبون على ترمب باعتباره فشل في إدارة الاقتصاد، وإنما تأخر في التعامل مع وباء فيروس كورونا. ووجد استطلاع “فوكس نيوز” في ميتشيغن أن 59 في المئة من الناخبين الذين شملهم الاستطلاع قالوا إن استجابة الرئيس لوباء كورونا كانت بطيئة للغاية، مقارنة بـ38 في المئة قالوا إن ذلك تم في الوقت المناسب. في حين أن ترمب لا يزال يحصل على تقديرات جيدة حول تعامله مع الملف الاقتصادي، وفقاً لاستطلاع “رييل كلير بوليتيكس” الذي وجد أن تقييم الذين شملهم الاستطلاع ثابت في هذه الناحية.
لكن اقتصاد ترمب المزدهر ذهب أدراج الرياح مع وباء كورونا، ولن تفتح الولايات والشركات أبواب الاقتصاد للعمل من جديد مثلما أراد ترمب. ما يبعث على عدم اليقين في المستقبل.
ويقول ديفيد وايزرمان، المحلل السياسي في تقرير كوك، إن الناخبين لا يُحمّلون ترمب وزر الانكماش الاقتصادي الحاصل الآن، بل يعتبرونه بمثابة تحول مؤسف للأحداث العالمية. لكن الأمور قد تسير في المسار المعاكس لما يرغب فيه الجمهوريون وترمب، إذا ما تبين وجود خلل حكومي في تقديم المساعدة للمحتاجين.
كما تظهر الاستطلاعات أن الغالبية العظمى من الأميركيين، سواء الديمقراطيون والجمهوريون، يعتقدون أن إجراءات التباعد الاجتماعي هي طريقة مسؤولة للحد من انتشار فيروس كورونا، وأنها يجب أن تستمر. الأمر الذي يتعارض مع بعض الرسائل التي أطلقها الرئيس ترمب، بما في ذلك تغريداته على “تويتر” لتشجيع سكان الولايات المختلفة على ما وصفه بتحرير ولاياتهم.
كيف تقدم بايدن؟
على الرغم من أن بايدن لم يحظ بكثير من الأضواء على المستوى الوطني مثل ترمب، أو حتى مثل بعض حكام الولايات في عصر كورونا، فإن ذلك لم يؤثر سلباً في شعبيته. وتشير معظم استطلاعات الرأي إلى أن بايدن يتقدم في الولايات المتأرجحة التي فاز فيها ترمب عام 2016، وهي الولايات التي من المحتمل أن تكون المفتاح لانتصار الديمقراطيين في نوفمبر المقبل.
وبينما يظهر ترمب باستمرار على شاشة شبكات التلفزيون الرئيسة، متحدثاً عن كيفية مواجهة فيروس كورونا من دون أن يحقق ذلك مكاسب حقيقية لدعم حظوظه الانتخابية، حافظ بايدن على ظهور محدود.
وأظهرت بعض الاستطلاعات الجديدة أن آراء العينة المستطلعة، لا يوافقون على كيفية تعامل ترمب مع الأزمة حتى الآن، فيما يحتاج ترمب إلى ناخبين مستقلين من أجل الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويشير محللون سياسيون إلى أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن استجابة ترمب للفيروس أضرت بشعبيته. وعلى الرغم من أن بايدن يمكث معظم الوقت في منزله، ولا يمكنه بتنظيم مسيرات أو جمع تبرعات للانتخابات، فإن ظهوره المحدود نسبياً في وسائل الإعلام لم يضره حتى الآن.
ويقول كايل كونديك، مدير التحرير في مركز السياسة في جامعة فيرجينيا، إن ترمب يسيطر على الأخبار في خضم الأزمة، لكنه لا يستخدم بشكل علمي هذه المنصة لتحسين موقعه في سباق الانتخابات. فهو لا يتقدم على بايدن في الولايات التي دفعت به إلى البيت الأبيض.
قوة وضعف
وأظهر تحليل صحيفة “نيويورك تايمز” لاستطلاعات الرأي التي أجريت في عامي 2016 و2020، أن لكل من بايدن وترمب نقاط قوة وضعف. فأداء ترمب الآن أفضل نسبياً بالنسبة إلى الناخبين غير البيض مما كان عليه في 2016. في حين أن أداء بايدن مع النساء أفضل من أداء هيلاري كلينتون المرشحة الرئاسية السابقة في 2016. كما أن تأييد بايدن بين الناخبين الأكبر سناً يتزايد، مما قد يثير قلق ترمب، نظراً لأن كبار السن يخرجون للتصويت بشكل موثوق.
مع ذلك، لا تقدم نتائج الاستطلاع هذه سوى لمحة سريعة عن الوضع في الوقت الراهن، بينما لا يزال هناك ستة أشهر من المعارك العنيفة المرتقبة والمواجهات الساخنة بين بايدن وترمب. و من غير المعروف كيف ستبدو الحملات الانتخابية في عصر فيروس كورونا، خصوصاً أن ترمب بصفته الرئيس الحالي، يمتلك أدوات قتالية عديدة وميزة أكبر على صعيد جمع التبرعات.
ويقول وايزرمان إن بايدن يتقدم على المستوى الوطني وعلى مستوى كثير من الولايات الحاسمة، لكن ترمب على عكس عام 2016 لديه تمويل كبير يمكن أن يساعده في تشكيل بدائل معقدة في معركته الانتخابية المقبلة.
طريق طويل
لا يزال هناك طريق طويل يقطعه المرشحون حتى موعد الانتخابات العامة في نوفمبر المقبل. ولا يعني تقدم بايدن في استطلاعات الرأي أنه سيحتفظ بهذا التقدم طوال الصيف والخريف. فقد أظهر استطلاع أجرته شبكة تليفزيون “إن بي سي”، بالاشتراك مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن 42 في المئة من الناخبين لا يعرفون ما يقوله بايدن عن كيفية مواجهة فيروس كورونا. في حين عبر 26 في المئة عن ثقتهم ببايدن وقراراته، بينما قال 29 في المئة أنهم لا يثقون فيه.
وفي ظل توقف أي إمكانية لاستئناف الحملات الانتخابية عبر لقاءات جماهيرية قريباً، يواصل بايدن معركته الانتخابية من داخل منزله، حيث يشارك بكثافة في لقاءات مع محطات تلفزيونية متعددة، ويجري لقاءات جماهيرية يجيب فيها عن أسئلة المشاركين عبر تطبيق زووم. ويجمع التبرعات ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي.
ماذا سيفعل بايدن؟
ولا يزال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي على بعد أشهر من الآن، وليس من المؤكد إذا ما كان سيُعقد وسط أجواء كورونا. ولكن، في هذه المرحلة يظل بايدن هو المرشح المفترض. أما إذا لم يتواصل مع الناخبين وتصل رسائله إليهم فسيكون في وضع صعب عليه أن يقرر فيه ماذا سيفعل، إذ لا يمكن الاعتماد في الانتخابات على اختبار الخصم السياسي ومحاكمة قراراته وتصرفاته.
ويشير وايزرمان إلى أن معظم الناخبين يرون أن بايدن بالنسبة إليهم مجرد مفهوم أو فكرة أكثر من كونه مرشحاً ذا رسالة محددة. فحملة بايدن حتى الآن تحت عنوان “معركة من أجل روح الأمة”، لكن الناخبين الذين سيقررون مصير الانتخابات لا يريدون معركة من أجل روح الأمة، بقدر ما يريدون معركة من أجل حكومة فيدرالية فعالة وقادرة على الإنجاز.
ورقة الصين
ووسط المعركة الانتخابية التي اشتعلت من جديد، يحاول ترمب تحسين حظوظه، فاستخدم ورقة الصين لدرء الاتهامات بتأخره في مواجهة وباء كورونا، إذ أعلن أن هناك وسائل عدة لتوقيع عقوبات شديدة على الصين باعتبارها المسؤولة عن تفشي الوباء حول العالم، وأنها لم تكشف في بادئ لأمر عن حقيقة ما جرى في ووهان.
وفي الوقت نفسه، يعكف مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية على تحديد خيارات مختلفة للرد الانتقامي ضد الصين، بما في ذلك تجريد بكين من الحصانة السيادية بما يسمح بمقاضاتها للحصول على تعويضات مالية، وكذلك إلغاء الولايات المتحدة جزءاً من الالتزامات الأميركية المتعلقة بديونها تجاه الصين.
وبالرغم من تحذيرات البعض داخل الإدارة الأميركية، من أن الوقت غير مناسب لمعاقبة الصين في وقت ترسل فيه بكين مساعدات إلى الولايات المتحدة، فإن الفكرة بدت الأكثر قبولاً من ترمب لأنها ستساعده سياسياً في معركته الانتخابية، حسب تقديرات مستشاريه في البيت الأبيض.
وبعكس ما أكد كبار رجال الاستخبارات الأميركية، قال ترمب إن لديه درجة عالية من الثقة في أن انتشار فيروس كورونا خرج في الأصل من أحد المعامل البحثية في ووهان بالصين. وهو ما يتسق مع تصريحات أخرى اتهم فيها الصين باستخدام فيروس كورونا كسلاح كي يخسر الانتخابات الرئاسية.
وفي كل الأحوال، من المتوقع أن تتسارع المعركة الانتخابية خلال الأيام والأسابيع المقبلة كلما تراجع خطر وباء كورونا في الولايات المتحدة، وسيظل كل طرف ممسكاً بأوراقه في مواجهة الآخر على مدى ستة أشهر في حرب طويلة تشهد فيها البلاد تحدياً غير مسبوق من أزمة صحية وانكماش اقتصادي لم يتصوره أحد قبل أسابيع قليلة.
طارق الشامي
اندبندت عربي