في الأسبوع الأخير من أبريل (نيسان) وقعت حادثة استوقفت مسؤولين سابقين في الشرق الأوسط، ونقلت عنهم “نيويورك تايمز” أن إسرائيل التزمت نهج تحذير عملاء “حزب الله” في سوريا قبل قصف مواكبهم لتفادي قتلهم والمغامرة باندلاع حرب شعواء في لبنان. والحادثة المشار إليها حدثت حين انفجر صاروخ على مقربة من جيب شيروكي أسود على مقربة من الحدود اللبنانية – السورية، فخرج منه ثلاثة عملاء في “حزب الله” وبحثوا عن ملجأ. وبعد دقائق، عادوا وأخذوا حقائبهم وغادروا قبل تدمير هجوم صاروخي ثان مركبتهم.
ويشير الهجوم إلى قواعد الاشتباك المضمرة بين إسرائيل و”حزب الله” أثناء إعداد الطرفين لحرب كبيرة والامتناع عن إشعال فتيلها، على قول بن هوبرد ورونين بيرغمن في الصحيفة الأميركية. فسياسة إطلاق طلقات تحذيرية إسرائيلية قبل توجيه ضربة في سوريا، هي مرآة خشية إسرائيل من الدخول في مواجهة مع “حزب الله”، وهو صاحب ترسانة صاروخية ضخمة، على الرغم من سعي الدولة العبرية إلى الحؤول دون حيازة “الحزب” وتطويره صواريخ “موجهة دقيقة”.
وسبق أن انتهجت إسرائيل التكتيك التحذيري هذا في غزة حيث عُرف بـ”الدق (مثلما يقال دق الباب) على السطح”. وحين ترغب القوات الإسرائيلية في تدمير مخزن سلاح في مبنى مدني، ترمي متفجرة بالغة الصغر على سطح المبنى لتحذير السكان وحثهم على الرحيل قبل قصفه. وليس هذا التكتيك موضع إجماع في إسرائيل، وهو وراء شرخ بين القيادة العسكرية وجهاز الاستخبارات، الموساد. فالمؤسسة العسكرية ترى أن تدمير معدات “حزب الله” هي في مثابة ردع وازن من دون الانزلاق إلى حرب. ولكن مدير الموساد، يوسي كوهين، يرى أن الأمر لن يطول قبل أن يهدد “حزب الله” وإيران وحلفاؤهما إسرائيل عسكرياً، وأن الردع لا تقوم له قائمة مع ميليشيا تعتبرها إسرائيل كما الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً. ويدعو كوهين إلى اللجوء إلى القتل حين تدعو الحاجة العملانية عوض الإحجام عن هذه الخطوة مخافة الرد المرتقب عليها. ويبدو أن هذا الخلاف بين الاستخبارات والقيادات العسكرية الإسرائيلية وثيق الصلة بتحديات نزاع غير متكافئ يتعذر على الجيوش التقليدية حسمه. فـ”محو العدو” في مثل هذا النزاع على ما يطالب كوهين ليس في المطال ويترتب عليه خسائر بشرية كبيرة من دون مكاسب طويلة الأمد تذكر. فالقضاء على قوة غير تقليدية لا يضمن “الإمساك” بالأرض، على قول الجنرال الأميركي السابق، ديفيد بترايوس. وخير مثال على ذلك استئناف “داعش” في البادية السورية هجماتها، على الرغم من الحملة العسكرية الجوية المدمرة على الرقة والموصل.
ولكن الباحثة في “معهد الشرق الأوسط” بواشنطن، رندة سليم في مقالة نيويورك تايمز الآنفة الذكر ترى أن نهج الطلقات والاتصالات التحذيرية لن يدوم طويلاً إذا ما واصل “حزب الله” تطوير صواريخ موجهة دقيقة. فمثل هذه الصواريخ قادر على إصابة منشآت إسرائيلية أساسية مثل القواعد العسكرية والمقرات الحكومية ومنشآت الطاقة. فترسانة حزب الله من الصواريخ التقليدية تفتقر اليوم إلى الدقة.
وعلى الرغم من أن القوات الإسرائيلية تتجنب استهداف “حزب الله” في سوريا في وقت لا تتوانى عن استهداف الإيرانيين في ضربات قتلت المئات منهم ومن السوريين وميليشيات إيرانية الولاء من العراق وغيرهم في الأعوام الأخيرة، لم يتجاوز قتلى “حزب الله” منذ 2013 في ضربات إسرائيلية 16 قتيلاً بمن فيهم قتيلان سقطا في آب (أغسطس) في هجوم أعلن رئيس الوزراء الإسرئيلي نتانياهو أنه حال دون عملية إطلاق وشيكة لطائرات درون فتاكة من سوريا نحو إسرائيل.
ولكن تدخّل الحزب العسكري في سوريا لم يحوله إلى مصاف ندّ سياسي مؤثّر، على ما يحسب مناصروه في لبنان. فهو لم يكن ممثلاً في المفاوضات حول الملفّ السوري، بل كانت إيران هي المفاوض الرئيسي باسم المحور الذي يقاتل تحت رايته في مفاوضات سوتشي والأستانة وغيرها، على ما لاحظ الباحث السوري مازن عزّي في ورقة بحث بعنوان “التجربة السورية لحزب الله” نشرها برنامج مسارات الشرق الأوسط بمركز روبرت شومان للدراسات العليا التابع للجامعة الأوروبية في فلورنسا. ويرى عزّي أن “الأعوام السبعة التي انقضت على إعلان “حزب الله” التدخّل العسكري في سوريا، كانت كفيلةً بتحويله من لاعب محلي لبناني، إلى قوة إقليمية قادرة على إرسال وحدات قتالية أشبه بجيش نظامي للقتال على أرض غريبة، خدمةً لأهداف لم تَعُد تتعلّق بالضرورة بـ”مقاومة” إسرائيل، أو مواجهة أحلاف إقليمية. فتطور انخراط حزب الله في الحرب السورية، ترافق مع استكشافه الآفاق الاقتصادية لنفوذه السياسي-العسكري، وتوليه “رعاية أنشطة اقتصادية كالتهريب وتجارة المخدرات، لتمويل تجربته السورية. فاستفاد من سيطرته على الحدود السورية-اللبنانية لاحتكار تهريب البضائع، ورعى مع شريكه المحلي، الفرقة الرابعة في الجيش السوري، افتتاح سوق الديماس لإمداد مناطق النظام بمختلف أنواع السلع التي تفتقدها السوق السورية”.
منال النحاس
اندبدنت عربي