يتسارع انهيار الاقتصاد اللبناني، مع استمرار تحليق الدولار عاليا في مقابل تهاوي الليرة اللبنانية رغم محاولات المصرف المركزي لضبط الوضع النقدي وإحداث نوع من التوازن، وفي خضم ذلك لا تبدو الطبقة السياسية الحاكمة مبالية حيث يتركز جل اهتمامها على معركة تقاسم التعيينات المالية والإدارية.
ولا يبدو وضع القوى السياسية المقابلة أفضل بكثير حيث إنها هي الأخرى منشغلة بخلافات حول التركة السابقة، على غرار ما يحدث حاليا من قصف وتراشق على جبهتي تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية.
ويقول متابعون إن الطبقة السياسية في لبنان سواء تلك الموجودة في قلب السلطة أو خارجها لا تظهر وعيا كافيا بخطورة الوضع اللبناني، الذي يرجح أن يتفاقم مع قرب دخول حزمة العقوبات الأميركية ضد النظام السوري حيز التنفيذ هذا الشهر ضمن ما يسمى بقانون قيصر، وهو ما سينعكس بشدة على اقتصاد البلد.
وعقد مجلس الوزراء الأربعاء جلسة برئاسة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا لإقرار التعيينات المالية والإدارية، في غياب وزراء تيار المردة الذين قرروا مقاطعتها، في تسجيل لموقف ضد ما اعتبروه استمرارية بالممارسات القديمة ذاتها في التعيينات القائمة على منطق المحاصصة الطائفية والحزبية.
وكان رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية قد أعلن في وقت سابق ضمن تغريدة على حسابه عبر تويتر مقاطعته لها قائلا:
وبدا موقف المردة التصعيدي موجها أساسا ضد التيار الوطني الحر الذي يريد أن تكون له اليد الطولى في تلك التعيينات. ويستند تيار المردة بالواضح على دعم حركة أمل وزعيمها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يحاول فرملة اندفاع التيار الحر ورئيسه جبران باسيل في ظل سعي الأخير للاستفراد بحصة المسيحيين من التعيينات.
وسبق أن هدد المردة قبل أسابيع بالانسحاب من الحكومة خلال مناقشة ملف التعيينات المالية، ليتراجع عن ذلك بعد تدخل عراب السلطة؛ حزب الله، والاتفاق على الأسماء المقترحة.
وقد جرى تعديل بسيط بشأن تلك التعيينات خلال جلسة الأمس، لتنتهي بتمرير الأسماء التالية، وهم وسيم منصوري وسليم شاهين وبشير يقظان والكسندر موراديان، فيما انحصر السجال حول التعيينات الإدارية في ظل فيتو المردة، وسط اعتقاد بأن الأخير سيمضي نحو المزيد من التصعيد بعد إقرارها.
وتتعلق التعيينات الإدارية بمنصب محافظ كل من مدينة بيروت وكسروان الفتوح وجبيل، ومنصب رئيس مجلس الخدمة المدنية، والمدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة، والمدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه، والمدير العام للحبوب والشمندر السكري.
ويعاب على أقطاب السلطة تسرعهم في مناقشة تلك التعيينات دون الأخذ بعين الاعتبار الآلية التي أقرها البرلمان اللبناني لتنظيم هذه العملية وفق أطر بعيدة عن المحاصصة الطائفية والسياسية، التي يجمع اللبنانيون على أنها أحد الأسباب الرئيسية في ما آلت إليه الأوضاع بلبنان.
وقال رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان الأربعاء “لماذا وضعنا آلية تعيين وصوت عليها المجلس النيابي، أليس لوقف المحاصصة؟ إذا لم نحترم القوانين سنبقى نقول في لبنان هناك مشكلة قوانين، في حين أنها موجودة والمشكلة هي في عدم تنفيذها”.
ويرى محللون أن الأزمة في لبنان في ظاهرها اقتصادي ومالي بيد أن في جوهرها سياسي وطائفي، مبدين تشاؤما حيال إمكانية نهوض هذا البلد واستعادة أنفاسه طالما الطبقة السياسية الحالية هي من تتحكم بالقرارات.
وعجزت الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب، ومنذ بداية تشكلها على فك الارتباط مع تلك النخبة، رغم ادعائها بأنها حكومة تكنوقراط، واليوم تجد هذه الحكومة نفسها حبيسة سجالات بين أقطاب تلك النخبة، الأمر الذي لن يسرع فقط في انهيارها بل وفي انهيار لبنان.
لا يبدو وضع القوى السياسية المقابلة أفضل بكثير حيث إنها هي الأخرى منشغلة بخلافات حول التركة السابقة، على غرار ما يحدث حاليا من قصف وتراشق على جبهتي تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية
ويلفت البعض إلى أنه لا يمكن تجاهل الواقع بأن قوى المعارضة السياسية تتحمل بدورها جزءا أساسيا من المسؤولية في ظل انكفائها على ذاتها وجلد ذاتها على سياساتها خلال الفترة السابقة.
بدا موقف المردة التصعيدي موجها أساسا ضد التيار الوطني الحر الذي يريد أن تكون له اليد الطولى في تلك التعيينات
وسارع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الأربعاء إلى انتقاد ما جاء على لسان رئيس حزب القوات سمير جعجع في حوار إعلامي مع جريدة “الأهرام المصرية” حينما قال الأخير إن رفضه دعم الحريري لرئاسة الحكومة السابقة كان لغياب الظروف المناسبة.
وقال الحريري موجها كلامه لجعجع في تغريدة على حسابه عبر تويتر “ما كنت عارفْ أن حساباتك هالقد (بهذا القدر) دقيقة. كان لازم أشكرك لأنه لولاك كان من الممكن أنو تكون نهايتي. معقول حكيم؟ انت شايف (ترى) مصيري السياسي كان مرهونْ بقرار منك؟ يعني الحقيقة هزلت. يا صاير البخار مغطي معراب أو أنك بعدك ما بتعرف مين سعد الحريري”.
وكان جعجع قد أوضح خلال الحوار الصحافي أنه “لم يتخل عن دعم سعد الحريري” وتابع “لكن الظروف كانت غير مناسبة على الإطلاق لتوليه رئاسة الحكومة وكان من الممكن أن تكون نهاية له، هذا اعتقادنا وحساباتنا”.
العرب