لا تزال منطقة شرقي نهر الفرات السورية مسرح تحركات عسكرية وميدانية للأطراف المتنافسة هناك، ما يشي بأنّ الاستقرار في هذه المنطقة الأهم في سورية بعيد المنال، حيث تحاول أطراف النزاع كلها تثبيت أقدامها في هذه المنطقة التي تعادل ثلث مساحة البلاد، وتسيطر على قسم منها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي أنشأت أخيراً مطاراً في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
وفي خطوة تبدو لافتة، عززت قوات النظام السوري من وجودها في شرقي الفرات، حيث استقدمت أول من أمس الأربعاء، تعزيزات كبيرة إلى قواعد لها في منطقة عين عيسى الواقعة إلى الشمال من مدينة الرقة بنحو 50 كيلومتراً، ولا سيما لمناطق التماس مع فصائل “الجيش الوطني” التابع للمعارضة والجيش التركي. وذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، أنّ تعزيزات من قوات الأخير وصلت إلى ريف الرقة الشمالي مؤلفة من 25 عربة عسكرية تحمل عناصر ومواد لوجستية، مشيرةً إلى أنّ قوات روسية رافقت هذه التعزيزات التي تمركز بعضها في ناحية أبو راسين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، والبعض الآخر بمناطق غرب مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي. وأوضحت أنّ هناك راجمات صواريخ بعيدة المدى ومدفعية ميدانية من بين التعزيزات.
استقدمت قوات النظام تعزيزات كبيرة إلى قواعد لها في منطقة عين عيسى
من جهته، قصف الجيش التركي، ليل الأربعاء، قريتي قزعلي والعايد بريف الرقة، بالقنابل الضوئية، لكشف محاور الجبهات مع عمليات تسلل لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، بالترافق مع قصف مدفعي متبادل في القرى الشمالية لمدينة عين عيسى. وكان الجيشان التركي و”الوطني السوري” سيطرا أخيراً على قرية النايف غرب مدينة تل أبيض، مع ورود أنباء عن تجهيزات من قبل الجيش التركي لعمل عسكري باتجاه مدينة عين عيسى.
في السياق، رأت مصادر محلية في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ قوات النظام تقوم بإعادة انتشار ترقباً للنتائج العملية للقمة الثلاثية التي عقدت الأربعاء عبر الفيديو بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني. ولم تستبعد المصادر احتمال أن تعمد تركيا والفصائل إلى فتح جبهات عين عيسى وتل تمر وريف عين العرب، بهدف محاصرة الأخيرة، من دون الدخول إليها بسبب رمزيتها في مقاومة تنظيم “داعش”.
وكانت قوات “قسد” منحت النظام السوري والروس جانباً من مطار الطبقة العسكري لتجميع القوات، ليتم نقلها إلى قاعدة عين عيسى عبر مدينة الطبقة (50 كيلومتراً غربي الرقة) على أن ترافقها قوات “قسد” كي لا تتمركز في أماكن غير متفق عليها. وكانت “قسد” أبرمت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي اتفاقاً عسكرياً مع النظام والروس، لدخول قوات من هذين الطرفين إلى منطقة شرقي نهر الفرات، لوضع حدّ لتوسع الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به، في المنطقة الغنية بالثروات. وشهدت المنطقة مذ ذاك الحين تطورات عسكرية وميدانية كبيرة، في ظلّ توجس تركي من فرض إقليم ذي صبغة كردية في المنطقة التي تشهد بين وقت وآخر توتراً ما بين الأميركيين والروس.
وفي هذا الصدد، ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أنّ القوات الأميركية المتمركزة في ريف الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سورية، اعترضت الأربعاء دورية لـ”الشرطة الروسية” في محيط مدينة المالكية شمال شرق الحسكة، كانت متوجهة نحو معبر “سيمالكا” الحدودي مع الجانب العراقي، مشيراً إلى أنّ مدرعات أميركية عدة تمركزت على طريق المعبر لقطع الطريق أمام الدورية الروسية.
القوات الأميركية المتمركزة في ريف الحسكة اعترضت الأربعاء دورية لـ”الشرطة الروسية”
وفي السياق، ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أنّ دورية عسكرية تابعة للقوات الأميركية، تمركزت أمس الخميس عند قرية وانك الواقعة على مدخل مدينة المالكية في ريف الحسكة، لاعتراض أي دورية روسية تحاول دخول هذه المدينة أو التوجه نحو معبر سيمالكا الحدودي الذي تسيطر عليه “قسد”. وكانت القوات الروسية كثفت مساء الأربعاء دورياتها ضمن ريف المالكية، وجابت قرى واقعة عند الحدود السورية – التركية وصولاً إلى قريتي كاسان وقسر ديب، قبل أن تتجه صباح أمس إلى قريتي سويديك وشكر خاج جنوبي المالكية.
في الأثناء، لم تنجح القوات الروسية في إنشاء نقطة تمركز لها في ريف بلدة القحطانية غير بعيد عن الحدود السورية التركية، حيث منع مجدداً أهالي قرية ديرنا آغي قوات روسية كانت قادمة من مطار القامشلي من دخول قريتهم. وأشارت مصادر محلية إلى أنّ هذه القوات أنشأت نقطة عسكرية ضمن خيمة على أطراف القرية، بعد انتهائها من تسيير دورية عسكرية على الشريط الحدودي مع تركيا.
في موازاة ذلك، لا تزال القوات الأميركية تعزز وجودها في أقصى الشمال الشرقي من سورية، حيث أنشأت مطاراً جديداً في منطقة اليعربية بريف الحسكة الشرقي. وأوضحت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أنّ القوات الأميركية أنشأت المطار في المنطقة الواقعة بين قرية أم كهيف وصوامع حبوب تل علو على بعد 8 كيلومترات عن مدينة اليعربية. وأشارت المصادر إلى أنّ القوات الأميركية استقدمت معدات عسكرية ولوجستية إلى المطار، كما رفعت سواتر ترابية وبنت ثكنات عسكرية، إضافة إلى تعبيد الطريق المؤدي للمطار.
أنشأت القوات الأميركية مطاراً جديداً في منطقة اليعربية بريف الحسكة الشرقي
كذلك أكّدت المصادر أنّ القوات الأميركية استقدمت تعزيزات عسكرية لقاعدة التحالف الدولي في تل بيدر بريف الحسكة، ضمت 10 شاحنات وآليات حملت معدات عسكرية ولوجستية.
وكانت وصلت قافلة من عشرات الشاحنات المحملة بمعدات عسكرية ولوجستية، أول من أمس الأربعاء، إلى قاعدة “قسرك” شرق تل تمر بريف الحسكة التابعة للتحالف الدولي. وقدمت القافلة المؤلفة من 17 شاحنة كبيرة، من قاعدة للتحالف الدولي في الشدادي، شرقي سورية، برفقة 6 عربات عسكرية أميركية.
وتسيطر الولايات المتحدة الأميركية على منطقة رميلان في ريف الحسكة الجنوبي الشرقي الغنية بالبترول، إضافة إلى منطقة الشدادي الغنية بالغاز في الريف الجنوبي. وتحاول روسيا مزاحمة الولايات المتحدة في محافظة الحسكة التي تتميز عن باقي المحافظات السورية بالتنوع السكاني، إذ تضم عرباً وأكراداً وسرياناً وأرمناً ومسلمين وأيزيديين.
ويحتفظ النظام السوري بمربعين أمنيين داخل مدينتي الحسكة والقامشلي وبضع قرى، فيما حوّل الروس المطار المدني في المحافظة الكائن في مدينة القامشلي إلى قاعدة عسكرية تنطلق منها دوريات إلى مناطق عدة داخل هذه المحافظة التي تأتي في المرتبة الثالثة بين المحافظات السورية لجهة المساحة، وإذ تبلغ مساحتها أكثر من 23 ألف كيلومتر مربع. وتتصل الحسكة جغرافياً بالعراق شرقاً، وبتركيا شمالاً وهو ما يكسبها أهمية خاصة في الصراع المحتدم على سورية بين قوى إقليمية ودولية.
وكانت فصائل المعارضة السورية عادت كلاعب في محافظة الحسكة أواخر العام الفائت، بعد أن شاركت الجيش التركي في العملية العسكرية التي سيطر على إثرها على مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وعلى عدد كبير من قراها. وبدّلت العملية العسكرية التركية أغلب معادلات الصراع في منطقة شرقي الفرات والتي تعدّ الحسكة أبرز محافظاتها، حيث فتحت الباب أمام تنافس لا يكاد ينتهي بين الأتراك والأميركيين والروس والنظام، و”قسد” التي فقدت جانباً من نفوذها العسكري منذ أواخر العام الفائت.
أمين العاصي
العربي الجديد