تمديد حظر الأسلحة على إيران واستقرار الشرق الأوسط

تمديد حظر الأسلحة على إيران واستقرار الشرق الأوسط

تربط إيران بين الحفاظ على الاتفاق النووي وقرار رفع حظر الأسلحة عنها من قِبل مجلس الأمن، وفي الوقت نفسه ترى الدول الأوروبية ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي من أجل استمرار إيجابياته التي تتضمّن، على الأقل، إخضاع البرنامج النووي الإيراني للسيطرة.

وهنا، يثور السؤال: هل حقّاً رفع حظر الأسلحة عن طهران في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من شأنه توفير الاستقرار والأمن الإقليمي؟ هل يؤدي استمرار الاتفاق النووي في حال رفع تمديد الحظر عن إيران إلى استقرار المنطقة؟ هل تمديد الحظر ضرورة أم مجرد تعنت أميركي في إطار سياسة الضغط الأقصى؟

في منتصف يونيو (حزيران) الماضي أكد تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، سُلِّم إلى مجلس الأمن الدولي، أن الصواريخ العابرة والطائرات المسيَّرة التي استُخدمت في أربع هجمات على السعودية في 2019 هي من أصل إيراني، ويشير التقرير إلى أنّ بعض هذه المكونات تصنيع محلي إيراني، والبعض الآخر من أسلحة سُلِّمت إلى إيران عامي 2016 – 2018.

ويتزامن توقيت التقرير مع عمل الولايات المتحدة على مسودة قرار لتمديد حظر الأسلحة على إيران، باعتبار أن رفع الحظر سيمنح طهران فرصة للوصول إلى سوق السلاح الدولية، والتوسّع في تطوير قدراتها العسكرية التقليدية، وتوفير الدعم العسكري لشركائها بالمنطقة. وبالطبع، جاء الردّ الإيراني لينكر ما جاء بالتقرير، واتهمته بـ”التسييس”، وأنه معتمدٌ على “مزاعم أميركية”.

لكنّ كثيراً من المواقف السابقة تؤكد الدعم العسكري الإيراني لكثير من الميليشيات، مثل جماعة أنصار الله باليمن، المعروفة إعلاميّاً باسم جماعة الحوثي. والإمدادات العسكرية لم تكن وليدة الحرب في اليمن عام 2011، بل إنها من قبل ذلك بسنوات، ما يوضِّح السياسة الإيرانية التي تستهدف تطويق ومنازعة المصالح السعودية، وجاءت الفوضى في اليمن عام 2011 لتخلق فرصة أمام طهران لدعم الميليشيات، مستغلة انهيار السلطة المركزية.

وكثيراً ما أطلقت حكومة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الاتهامات تجاه إيران، خلال جولات الحرب بين أنصار الله والحكومة اليمنية، وسحبت الأخيرة على إثرها السفير من طهران، ثم تراجع الانتقاد اليمني لطهران منذ 2007 إلى 2008.

ومع اندلاع الجولة العاشرة من المواجهة المسلّحة بين الحكومة وأنصار الله، عادت الاتهامات تجاه إيران بشدة، مع اكتشاف ستة مخازن أسلحة تتبع الحوثيين، وتحتوي على بعض الأسلحة الإيرانية الصنع، بما في ذلك المدافع الرشاشة والصواريخ القصيرة المدى والذخيرة، كما اعترضت قوات خفر السواحل اليمنية سفينة بها إيرانيون، وأسلحة مضادة للدبابات.

لكن طهران أنكرت الأمر، واستمرّت في تقديم الدعم العسكري للحوثيين، سواء عبر إمدادات السلاح أو التدريب والخبرات والاستشارات من خلال فيلق القدس أو مقاتلي حزب الله، فزوّدت أنصار الله بالأسلحة عبر التهريب البحري من الموانئ الإيرانية إلى المياه الإقليمية اليمنية، أو من خلال سواحل القرن الأفريقي. وضبطت السلطات اليمنية مرات عدة سفناً إيرانية محمّلة بالأسلحة لأنصار الله، ومنها السفينتان جيهان 1، وجيهان 2، اللتان تحملان صواريخ ومنصات مضادة للطائرات تحاولان دخول اليمن.

وسبق أن أشار مجلس الأمن إلى دور إيران في تدريب قوات أنصار الله على جزيرة قبالة السواحل الإريترية، كما زوّدتهم بصواريخ باليستية طويلة المدى وصواريخ موجّهة مضادة لمدرعات وطائرات من دون طيار إيرانية الصنع، التي تُستخدم في مهاجمة أنظمة الدفاع الجوي التابعة لقوات التحالف العربي، وهو نمط أسلحة لم يكن موجوداً في مخزون الأسلحة اليمنية قبل الحرب الأهلية في 2011.
وسبق أيضاً أن صرّح أحد المسؤولين الإيرانيين بأن “قوة القدس” لديه نحو مئات من الأفراد في اليمن، لتدريب مقاتلي أنصار الله، ورفع جاهزيتهم القتالية، بالتعاون مع عناصر حزب الله، وأفاد فريق من خبراء الأمم المتحدة المكلفين مراقبة مدى امتثال إيران إلى قيود الأمم المتحدة على مبيعاتها للأسلحة في الخارج بتزويد طهران حركة أنصار الله بكميات من الأسلحة.

وجرى حظر شحنات الأسلحة الإيرانية إلى أنصار الله بموجب القرار رقم 2231 بشأن إيران، الذي نصّ على منْع مجلس الأمن عمليات نقل إيرانية لأي أسلحة خارج البلاد، وكذلك بموجب القرار 2216 بشأن اليمن الذي يحظر نقل الأسلحة إلى مناطق النزاعات.

وضبطت قوات التحالف العربي والبحرية الأميركية مرات عدة شحنات من الأسلحة الموجّهة إلى الحوثيين، في أعوام 2015، 2016، 2017، 2019، وآخر عمليات الضبط ما أعلنته قوات التحالف منذ عدة أيام أنها أحبطت عمليتين خلال أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) 2020.

وترتب على تطوير قدرات حركة أنصار الله وعملياتهم العسكرية تطوير قدرتهم على مواصلة القتال، وتوسيع نقاط استهدافهم، فاستُهدفت الأراضي السعودية مرات عدة، وضُرِبت المنشآت الحيوية، مثل المطارات ومنشآت النفط، ومن ثمّ استمرار الفوضى وعدم الاستقرار في اليمن من دون حسمٍ للحرب، وهو ما أكده التقرير الأممي الأخير.

ما نودُّ تأكيده ويدعمه ما ذُكِر من دلائل أن رفع الحظر المفروض على إيران بشأن عمليات بيع وشراء ونقل الأسلحة سيضيف مزيداً من الفوضى الحاصلة بالمنطقة، وستكون بشكل قانوني وقتها، وستنبع تلك الفوضى من مزيد من الثقة التي ستتوافر لدى إيران وشركائها من الميليشيات الممتدة في كثيرٍ من الدول العربية، فضلاً عن تحفيز سعي إيران الدائم لتغيير توازن القوى العسكري بالمنطقة لصالحها وحلفائها.

ربما لم تتمكّن الولايات المتحدة من استصدار القرار بشأن تمديد الحظر من مجلس الأمن، وقد تلجأ إلى التحرّك المنفرد بأن تفرض مزيداً من العقوبات على إيران، ودفع عددٍ من الدول إلى منع تصدير السلاح إليها، وإن كانت إيران تعتمد بشكل أساسي على دول تناوئ الولايات المتحدة، مثل كوريا الشمالية وروسيا والصين. ربما أيضاً تُشدد المراقبة والتحكّم، لضبط عمليات نقل الأسلحة إلى الميليشيات المرتبطة بها، لا سيما في اليمن.

هدى رؤوف

اندبندت عربي