تقارير إعلامية ودراسات حقوقية وبحوث أكاديمية كثيرة أثارت وحللت وضعية المرأة الإيرانية وما تعيشه تحت حكم الملالي وأجمعت كلها -في ما عدا ما يصدر عن السلطات الإيرانية وأتباعها- على أن ما يميزها عن بقية نساء العالم وعن نظيراتها في الدول الإسلامية وفي الدول المجاورة لإيران هو الدرجة العالية، ليس من التقدم، بل من الاضطهاد والظلم وهضم الحقوق.
رغم الصور التي تحاول السلطات الإيرانية تقديمها للعالم عن أن الإيرانيات يتمتعن بحقوقهن في التعليم وفي العمل، وبلغن درجات متقدمة في التمكين الاقتصادي والسياسي، وتقلدت بعضهن مناصب حكومية عليا خاصة في عهد روحاني الرئيس الحالي، إلا أن الإحصائيات وتقارير الجمعيات الحقوقية والمنظمات الدولية تكشف أن واقع المرأة الإيرانية بعيد كل البعد عن هذه الصورة التسويقية.
الوضع اليوم بالنسبة إلى المواطن الإيراني ليس أفضل من الماضي بل لعله أكثر سوءا خاصة بعد آخر تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، حيث كشف زيادة غير مسبوقة في تنفيذ أحكام الإعدام في إيران، وقالت المنظمة إنها تعتقد بأن 694 شخصا نفذت بحقهم أحكام الإعدام في الفترة المحصورة بين الأول من يناير والـ15 من يوليو من العام الحالي، وهو رقم يمثل ثلاثة أضعاف ما تعترف به السلطات الإيرانية.
وأضافت المنظمة أن تقارير موثّقة تلمح إلى أن السلطات الإيرانية أعدمت 743 شخصا على الأقل العام الماضي.
ولا تستثنى النساء ولا الأطفال من تنفيذ هذه الأحكام، وهو ما يبين بشكل واضح وحشية تعامل هذه الدولة مع مواطنيها لا سيما المنتمون منهم إلى الأقليات الدينية والعرب والمعارضون السياسيون والناشطون الحقوقيون، ولعل هذه العقوبة تكون مرفقة بظروف اعتقال وسجن لا تمت إلى الحياة الإنسانية بأي صلة خاصة إذا ما كان السجين امرأة، إذ تكون مستهدفة أكثر من الرجال بالعنف والتعذيب والاغتصاب والحبس الانفرادي وشتى أنواع التنكيل من قبل رجال الشرطة والسجون الذين يصرون على إذلالها وممارسة رجولتهم عليها، فلا يتوانى أحدهم عن اغتصاب امرأة أو تعنيفها والتنكيل بها وهي مقيدة أمامه.
وحسب تقارير عن السجون الإيرانية انتشرت في السنوات الأخيرة فإن النساء يستهدفن بشتى صنوف التعذيب في السجون الإيرانية أكثر من غيرهن، وهو ما يبرهن معاداة الدولة للمرأة بشكل عام وخاصة للناشطات في المجالين الحقوقي والسياسي.
وتقول الرسالة “أمامي سرير ساجدة أرابسرخي التي لم تر ابنها ذا التسع سنوات لمدة سنة، وبجانبي أم أخرى حرمت من رؤية ابنها ذي الست سنوات ثلاثة أعوام كاملة، وفي السرير الآخر مريم أكبري التي لم تر ابنتها لمدة ست سنوات… إنني محاطة بـ20 امرأة منهن عشر أمهات أربع منهن لديهن أبناء في عمر أقل من عشر سنوات”. هذه الرسالة المؤثرة قدمت صورة عن معاناة فئة من السجينات اللاتي تعذبن بغريزة الأمومة ومشاعرها، وتتعمد السلطات في السجون حرمانهن من ملاقاة فلذات أكبادهن.
وتعد الإيرانيات من أكثر النساء في العالم اضطهادا وامتهانا لحقوقهن، ويبدو الحديث عن مساواتهن بالرجل في البيئة الإيرانية بقمعها البوليسي والحكومي وبدستورها الذي يعتمد قوانين التمييز ضد المرأة من قبيل الهذيان أو طمس الواقع، فالتشريع الإيراني يحظر على النساء الترشح لمنصب الرئيس وللقضاء ولأغلب المناصب المرموقة في العديد من القطاعات مثل التعليم، فضلا عن القوانين التي تتعلق بحقوقهن الأسرية منها قوانين الزواج والطلاق والحضانة والميراث، ويكرس الدستور الإيراني النظرة الدونية للمرأة، إذ أن وصاية الرجل على المرأة في أغلب نواحي الحياة مثل السفر تعد واحدة من الثوابت في دولة الملالي.
هذه الجوانب القانونية وغيرها أشار إليها تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2014-2015، وفي خانة حقوق المرأة يقول التقرير “استمرت معاناة النساء من التمييز واسع النطاق والمنهجي في القانون والواقع الفعلي، وظلت قوانين الأحوال الشخصية التي تمنح المرأة وضع التبعية للرجل في مسائل مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث سارية المفعول”.
وتحرم المرأة الإيرانية من حريتها في عيش الحياة التي تريد، فتجرّد من حقها في الاختيار في المجال الاقتصادي وفي العمل مثل حرمانها من الاختيار في الحياة الاجتماعية وهو ما عبرت عنه المنظمة في تقريرها: “واجهت النساء قيودا على فرصهن في العمل.ومؤخرا صرح رئيس مكتب المباني العامة للشرطة بأنه لا ينبغي تعيين أي امرأة في المقاهي أو المطاعم الإيرانية التقليدية إلا في المطابخ التابعة لها، بعيدا عن أعين الناس. وفي يوليو حظرت بلدية طهران على مديريها توظيف النساء في أعمال السكرتارية والوظائف الإدارية الأخرى. وكثفت الجهود الرسمية لخلق أماكن عمل قائمة على التمييز بين الجنسين”.
القوانين الإيرانية وممارسات السلطات المضطهدة للمرأة تفتح الباب على مصراعيه أمام تعنيف المرأة واضطهاد حقوقها، وتجد الإيرانيات اليوم أنفسهن مستباحات للعنف من قبل القانون -الذي يفترض أن يحميها ويحفظ كرامتها- ومن العائلة ومن الزوج ومن أي رجل لديه علاقة بها تخول له ممارسة وصايته وتسلطه عليها، كما تجد نفسها معنفة من الدولة وأجهزتها ومن المجتمع.
هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه الإيرانيات رفع نسب الانتحار في صفوفهن إلى أكثر من ثمانين بالمئة من إجمالي محاولات الانتحار في إيران التي غالبا ما تكون ناجحة وتحدث في متوسط عمر 25 عاما.