لماذا فشلت محاولات إيران في وقف انهيار اقتصادها؟

لماذا فشلت محاولات إيران في وقف انهيار اقتصادها؟

ما بين العقوبات التي تتوسع الإدارة الأميركية في فرضها، والتداعيات الخطيرة التي خلفتها جائحة كورونا في البلد الذي ترتفع فيه حدة الإصابات، يبقى الاقتصاد الإيراني في دائرة من الأزمات، التي لم ولن تنتهي في ظل المؤشرات التي تؤكد انهيار عائدات الناتج المحلي الإجمالي، واتساع دائرة الفقر والبطالة مع التوسع في فرض مزيد من العقوبات الأميركية.

وعلى الرغم من اعتماد الموازنة العامة لإيران على عائدات بيع النفط، لكن إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب على تصفير هذه الصادرات، تسبب في خسارة كبيرة للموازنة العامة لإيران. وللشهر السادس على التوالي، يقل إجمالي إنتاج إيران النفطي عن مليوني برميل يومياً، مقارنة مع متوسط 3.85 مليون برميل يومياً، قبل العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2018.وتشير بيانات حديثة لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، إلى أن إنتاج إيران النفطي بلغ في سبتمبر (أيلول) الماضي، نحو 1.96 مليون برميل يومياً، مقارنة مع 1.942 مليون برميل يومياً في أغسطس (آب) الماضي.

وتوضح بيانات رسمية أن الاقتصاد الإيراني حقق نمواً سلبياً خلال السنوات الثلاث الماضية، بنسبة وصلت إلى سالب 9.8 في المئة. ووفق بيانات حديثة صادرة عن مركز الإحصاء الإيراني، فإن اقتصاد البلاد انكمش بنسبة سالب 3.5 في المئة خلال فصل الربيع الماضي.

وكشف المركز الإحصائي أن المقارنة بين فصلي الربيع خلال العامين الحالي والماضي، تظهر أن مجموعة الخدمات التي تمثل نصف الناتج المحلي الإجمالي نمت بنسبة سالب 3.5 في المئة.

انهيارات جديدة للريال الإيراني

قبل أيام، ومع قيام الإدارة الأميركية بفرض عقوبات جديدة على قطاع المصارف والبنوك الإيرانية، سجل الريال انهيارات جديدة.

وأعلنت واشنطن فرض عقوبات على نحو 18 مصرفاً إيرانياً، في إطار خطة تهدف إلى عزل القطاع المالي عن العالم. وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن “هذه البنوك دعمت العمليات الشريرة للحكومة الإيرانية”، إضافة إلى ذلك، تستهدف عقوبات واشنطن أيضاً الشركات الأجنبية التي تتعامل مع هذه البنوك.

وقبل فرض العقوبات الأميركية الأخيرة، كان الدولار الأميركي يُتداول عند مستوى 295 ألف ريال، ليصعد خلال ساعات متجاوزاً مستوى 300 ألف ريال.

ومنذ محاولة السلطات الإيرانية توحيد أسعار الصرف الرسمية والمتوازية في أبريل (نيسان) من عام 2018، حين كان الاقتصاد يعمل في ظل نظام سعر صرف متعدد، انخفضت قيمة الريال بشكل قوي في السوق الموازية مقابل الدولار في منتصف ذلك العام، بسبب زيادة المضاربة على العملات الأجنبية.

كما بدأ التضخم في الارتفاع ليبلغ ذروة وصلت إلى 52 في المئة في منتصف العام الماضي. واستمر تراجع قيمة الريال إلى أن سجل مستويات قياسية لم يبلغها من قبل. ففي منتصف عام 2018، كان الدولار يباع بنحو 102 ألف ريال، لكنه بلغ في الوقت الحالي أكثر من 300 ألف ريال، ما يعني أن الورقة الأميركية قفزت بنسبة 194 في المئة خلال فترة لا تتجاوز عاماً ونصف العام.

تداعيات خطيرة لتهاوي عائدات بيع النفط

تحت عنوان “لماذا لم تنجح سياسات التنمية الإيرانية”؟ أشارت الدراسة التي أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لإيران بلغ نحو 463 مليار دولار خلال عام 2019. ويحتل القطاع النفطي مكان الصدارة بين القطاعات الاقتصادية في إيران، إذ تأتي في المركز الثاني على مستوى العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي والمركز الرابع في احتياطيات النفط الخام المؤكدة.

وأوردت الدراسة أن النشاط الاقتصادي وإيرادات الحكومة، تعتمد إلى حد كبير على العائدات النفطية، ومن ثم فإنها تظل متقلبة مع تقلب القطاع النفطي العالمي، كما أن أية أزمات يتعرض إليها القطاع العالمي تأخذ طريقها إلى الاقتصاد الإيراني أيضاً، إلى جانب أن تعرض طهران لعقوبات خارجية، كما هي الحال الآن في ظل العقوبات الأميركية المفروضة عليها، يضع مصير الاقتصاد الكلي على المحك.

ولتقليص انكشاف الاقتصاد على القطاع النفطي، تبنت الحكومة إستراتيجية شاملة، تسعى إلى تطبيق إصلاحات تقوم على قوى السوق، وتهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيداً من النفط. وتمتد الإستراتيجية لمدة 20 عاماً، بداية من عام 2016، وتعتمد على 3 ركائز، ينطوي ما يخص الاقتصاد منها، على تطوير اقتصاد قادر على التكيف، من خلال تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي بنسبة 8 في المئة، وإصلاح المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة، وتطوير القطاعين المالي والمصرفي، كما أنها تعمل على تخصيص وإدارة عائدات النفط بما يعزز التنويع الاقتصادي.

لكن بعد مرور فترة تزيد على أربعة أعوام منذ إطلاق الإستراتيجية الإيرانية، ومع اقتراب نهاية خطة السنوات الخمس الأولى، فإن الاقتصاد الإيراني يعيش أحد أسوأ عصوره، فقد انكمش بمعدل 4.7 في المئة خلال عام 2019، كما أن انكماشه ازداد عمقاً بسبب التبعات الاقتصادية لأزمة كورونا، مسجلاً انكماشاً بنحو 7.6 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، فيما انكماش القطاع النفطي بمعدل يزيد على 14 في المئة هو العامل المحوري في الضغط على الاقتصاد الإيراني.

البطالة ترتفع

على صعيد البطالة، فقد تحولت إلى أزمة كبيرة على الرغم من محاولات الإصلاح التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، وسط نقص فرص العمل وتدني مستوى المعيشة، وهو ما أثبت فشل السياسات الحكومية.

فيما مثلت أزمة كورونا سبباً جديداً لتفاقم الأزمة، وقد أظهرت بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإيراني، أن عدد العاطلين من العمل في البلاد، ازداد إلى مليونين خلال الربع الثاني من عام 2020، وبنسبة تقارب 10 في المئة، بينما تشير تقديرات دولية صادرة عن معهد التمويل الدولي إلى بطالة تدور حول 20 في المئة من إجمالي القوة العاملة في إيران.

وفي ما يتعلق بالفقر، فقد أظهرت بيانات رسمية، صادرة عن لجنة الخميني الإغاثية لشؤون التوظيف والاكتفاء الذاتي، زيادة أعداد الأسر الفقيرة في إيران لنحو 600 ألف أسرة خلال الفترة بين مارس (آذار) 2018 وحتى مارس 2019، من إجمالي 2.1 مليون أسرة.

وفيما يرى برلمانيون إيرانيون أن نحو 57 مليون شخص على الأقل مهددون بالوقوع تحت خط الفقر في البلاد، تشير تقديرات غير رسمية إلى أن نحو 55 في المئة من الأسر الإيرانية تعيش تحت خط الفقر.

خالد المنشاوي

اندبندت عربي