في زيارة غير معلن عنها، التقى -قبل أيام- ماكنزي قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط في بغداد مع رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الأول الركن عبد الأمير يارالله، وقد اتسم اللقاء بالوضوح الشديد من قبل ماكنزي، إذ أبلغ رئيس أركان الجيش العراقي أنه في حال أي اعتداء من قبل المليشيات الولائية على المصالح الأمريكية في العراق، وفي مقدمتها السفارة الأمريكية في بغداد، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتوانى عن الرد القاسي عليه.
من جانبه بلغ يار الله ماكنزي بأن القوات العراقية لديها ضمانات مفادها عدم الاعتداء على المصالح الأمريكية في العراق.
لكن هذه الضمانات على ما يبدو لم تجد طريقها على أرض الواقع، فبمجرد مغادرة ماكنزي العراق، قامت المليشيات الولائية باعتداء على السفارة الأمريكية، وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، فقد أطلق 18 صاروخا على السفارة الأمريكية، حيث تصدت لهذه الصواريخ منظومة “سيرام” الدفاعية الأمريكية، إذ سقط 7 صواريخ بداخل السفارة الأمريكية ملحقة خسائر مادية دون أن توقع خسائر بالأرواح.
مما لاشك فيه أن هذا الاعتداء ينطوي على رسالة تحدي لهيبة الدولة العراقية وجدية التهديد الأمريكي.
تداولت الإدارة الأميركية، مرة أخرى، «خيارات» ردع إيران، في أعقاب هجوم بصواريخ الكاتيوشا استهدف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، في خضم تصعيد لـ«الحرس الثوري» بالقرب من الذكرى السنوية الأولى لضربة جوية أميركية قضت على العقل المدبر للعمليات الخارجية الإيرانية، قاسم سليماني.
وحذّر ترمب قبل التوجه إلى منتجع مار لارجو بولاية فلوريدا عبر «تويتر»، حذر طهران من شن أية هجمات ضد أميركيين، وقال إنه «سيحمّل إيران المسؤولية» في حال حدوث هجوم يستهدف أميركيين في العراق، وقال في تغريدة عبر «تويتر»: «ضُربت سفارتنا في بغداد بصواريخ عدّة الأحد»، في هجوم خلّف أضراراً مادية، وأضاف: «احزروا من أين جاءت.. من إيران»، واستدرك: «نحن نسمع أحاديث عن هجمات أخرى على الأميركيين في العراق»، موجّهاً نصيحة ودّية لإيران قال فيها: «إذا قُتل أميركي واحد فسأحمّل إيران المسؤولية»، وقال محذراً: “فكّروا في الأمر جيداً”.
جاءت تغريدة ترمب مباشرة بعد اجتماع جمع صقور الإدارة لبحث التصعيد الإيراني، ونقلت «رويترز» عن مسؤول كبير بالإدارة الأميركية أن كبار مسؤولي الأمن القومي، خلال اجتماع عقد بالبيت الأبيض، ناقشوا هجوم الأحد الماضي على السفارة الأميركية في بغداد، واتفقوا على عدة خيارات لتقديمها إلى الرئيس دونالد ترمب، بهدف ردع أي هجوم يستهدف العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين في العراق، وشارك في الاجتماع، القائم بأعمال وزير الدفاع كريس ميلر، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، والسؤال الذي يطرح في هذا السياق.. هل هناك عمل عسكري أمريكي إسرائيلي وشيك ضد إيران؟
قبل أسابيع قليلة من مغادرته البيت الأبيض، سأل الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب كبار مستشاريه، عن إمكانية توجيه ضربة إلى إيران في الدقيقة الـ90، أي قبل تنصيب الديمقراطي جو بايدن رئيساً.
وقالت صحيفة واشنطن بوست الاثنين، إن ترمب سأل كبار المستشارين في اجتماع بالمكتب البيضاوي، عما إذا كانت لديه خيارات لاتخاذ إجراء ضد الموقع النووي الإيراني الرئيس في الأسابيع المقبلة.
وأفاد أربعة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين بأن الاجتماع عُقد بعد يوم من إعلان المفتشين الدوليين عن زيادة كبيرة في مخزون إيران من المواد النووية.
إذ قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن مخزون إيران من اليورانيوم أصبح الآن أكبر بمقدار 12 مرة، مما هو مسموح به بموجب الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترمب في عام 2018، ومن شبه المؤكد حسب الصحيفة أن أية ضربة ستركز على موقع ناتانز، كما أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران لم تسمح لها بالوصول إلى موقع آخر مشتبه به حيث توجد أدلة على نشاط نووي سابق.
ولذلك، تشير التقديرات إلى أن إسرائيل تحاول حمل ترمب على تنفيذ فكرة كانت قد طرحتها أثناء إدارة جورج بوش الابن في 2008 ورفضها، حيث سعت تل أبيب التي كانت قلقة من إدارة باراك أوباما وقتها، إلى دفع واشنطن نحو ضرب إيران.
يقول كوري شاك الذي خدم في مجلس الأمن القومي للرئيس جورج بوش وأيضًا في مناصب رفيعة في البنتاغون ووزارة الخارجية: “السيناريو الذي يقلق معظم رجال الأمن القومي هو توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، لأن حملة الضغط الأقصى لم تحقق سوى القليل من النتائج الإيجابية”.
وخلال الأشهر الأخيرة، كرر ترمب تصريحه “لا أريد حرباً مع إيران”، فبعد تدمير طائرة أمريكية بدون طيار فوق مضيق هرمز على أيدي إيرانيين منتصف 2019، ألغى الرئيس الأمريكي رداً عسكرياً في اللحظة الأخيرة مرجعاً ذلك إلى منع وفاة 150 شخصاً.
ولكن مع عودة الديمقراطيين، تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن جو بايدن قد يسعى لاتباع سياسة قريبة من سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وقد يتجه أيضاً إلى تجديد بنود الاتفاق النووي، وتكمن الخشية الأكبر في رفض الإيرانيين أي تعديل على الاتفاق، والثمن هو أن تزول العقوبات عن إيران بلا مقابل، بحسب ما تقول صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
إن ضربة عسكرية امريكية اسرائيلية ضد منشآت إيران النووية وضد غيرها من المواقع الاستراتيجية المهمة في عمق الاراضي الايرانية باتت وشيكة للغاية، وسوف يكون هدفها هو التدمير النهائي والشامل للبرنامج النووي الايراني حتي لا تقوم له قائمة، وإحباط مساع النظام الإيراني الحاكم لامتلاك رادع نووي في المدى المنظور، وقد يتسع إطار هذه الضربة ليشمل أيضا مواقع إنتاج وتخزين صواريخ إيران الباليستية وغيرها من الأهداف الداعمة لبرامجها التسليحية بنوعياتها وقدراتها التدميرية المختلفة، فضلا عن مقار الحرس الثوري الإيراني الذي يمثل أحد أهم أعمدة نظام الحكم في إيران وأخطر مراكز قوته التي يدافع بها عن نفسه وذراعه الطويلة التي يضرب بها في بعض دول الجوار وينفذ من خلالها مخططاته فيها.
وبهذه الضربة الاستراتيجية القاتلة لبرامج إيران التسليحية ولطموحاتها النووية ولمساعيها للهيمنة الاقليمية، سيحاول الرئيس ترمب ان يقطع الطريق علي الرئيس القادم بايدن وادارته في العودة الي الاتفاق النووي الايراني الذي انسحب منه في مايو 2018 من منطلق الانتقادات العنيفة التي وجهها إليه وقتها، وبمعني آخر، سوف يحاول الرئيس ترمب المنتهية ولايته وضع إدارة بايدن القادمة أمام أمر واقع جديد يجعل من الصعب تماما بالنسبة لها الدخول من جديد في علاقة تفاوضية مع ايران بعد ان يكون قد تم محو معالم برنامجها النووي، ولم يعد ثمة ما يمكن التفاوض عليه معها، وبعد ان تكون المشاعر والعلاقات العدائية بين الدولتين قد وصلت ذروتها من التوتر والعداء وانعدام الثقة المتبادلة.
الاحتمال الأرجح هو انه لن تستخدم أسلحة نووية في الضربة العسكرية الامريكية الاسرائيلية القادمة ضد ايران، لمخاطرها البيئية الرهيبة التي قد لا تسلم منها دولة واحدة في العالم، ولتجنب الإدانات السياسية الدولية العنيفة لهما لانتفاء المبرر الداعي لاستخدام مثل هذه النوعية من اسلحة الدمار الشامل في مثل هذا النزاع الدولي المحدود الاهمية والنطاق والاهداف، ولكن سوف تستخدم الدولتان بدلا منها ما يعرف بالاسلحة فوق التقليدية التي تتمتع بقدرات تدميرية جبارة وان كانت تظل دون مستوي الإبادة الشاملة للبشر والحجر كما هو الحال مع الاسلحة النووية بفظاعتها وأهوالها التدميرية المعروفة عنها.
وقد سبق لإسرائيل تجربة هذا النوع من الاسلحة فوق التقليدية الامريكية الصنع بقدرتها الخارقة علي تدمير حوائط المفاعلات النووية مهما كانت درجة سمكها او صلابتها حتي لو بلغت عدة امتار، في تدمير المفاعل النووي العراقي تموز في يونيو عام 1981، ومحو معالمه تماما من الوجود في غارة جوية اسرائيلية لم تستغرق سوي بضع ساعات تحول هذا المفاعل النووي بعدها الي مجموعة انقاض واطلال ولينتهي المشروع النووي العراقي الي الابد.
وإذا كان هذا هو ما حدث منذ اربعين عاما، فما بالنا بما طرأ علي هذه النوعية الخطيرة من الاسلحة الامريكية فوق التقليدية من تطوير وتحديث تقني هائل الآن؟ وعلي اي حال فنحن امام تحدٍ هائل لآلتي الحرب في الدولتين الامريكية والاسرائيلية لان المقارنة بين ايران اليوم والعراق في الماضي قد لا تعكس الواقع علي حقيقته، كما ان العراق لم يكن يملك سوي مفاعل نووي واحد صغير لم يكن قد دخل مرحلة التشغيل بعد، بخلاف شبكة المفاعلات النووية الايرانية العملاقة التي تتوزع في نطاق جغرافي اوسع مدى بكثير وتتمتع بحماية صاروخية قوية لها، فضلا عن انها مفاعلات ساخنة وليست مفاعلات باردة كمفاعل تموز العراقي.
ليس هذا وحسب، فالقطع البحرية الامريكية والاسرائيلية المجهزة بصواريخ نووية والتي عبرت قناة السويس منذ ايام في طريقها الي الخليج في تحدٍ مكشوف وسافر لايران، سوف تكون مهمتها الاساسية هي ردع ايران عن التهور في انتقامها من الضربة التي ستدمر لها خططها النووية التي تحملت من اجلها كل هذه المخاطر والاعباء والتكاليف التي ارهقت الايرانيين ودمرت لهم حياتهم، وليس لاطلاق هذه الصواريخ النووية الامريكية والاسرائيلية علي المواقع الاستراتيجية المستهدفة في اراضيها، ولا يخفى ان لدي الامريكيين والاسرائيليين منظومة كبيرة ودقيقة هي الاحدث عالميا من اقمار التجسس الفضائية التي تحلق ليل نهار فوق ايران وفوق منطقة الشرق الاوسط برمتها مما سيوفر لتنفيذ الضربة العسكرية المرتقبة الدرجة القصوي الممكنة من الدقة والفاعلية والسرعة، ولا أشك في ان الايام القادمة ستكون حاسمة وقد تاخذ هذه المنطقة وراءها في اتجاه يصعب التكهن بمضاعفاته او بمدى ما يمكن ان توثر به من عواقب وتداعيات وخيمة علي الجميع.
بدورها، قالت شيرا إيفرون، الزميلة في منتدى السياسة الإسرائيلي : “من الواضح جدًا أن ترمب وإسرائيل سيفعلان كل ما في وسعهما لجعل العودة إلى الاتفاق مع إيران أمرًا مستحيلًا، سوف يفعلون أشياء سيكون من الصعب على بايدن حلها”، وفق ما نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، وحتى لو لم تحدث الضربة، قد يرث بايدن وضعًا أكثر فوضوية، ففي رمية النرد الأخيرة، تخطط إدارة ترمب لفرض عقوبات جديدة على إيران ربما كل أسبوع حتى يوم التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني 2021، وذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي أن إدارة ترمب تُعد خطة لفرض سيل من العقوبات الإضافية على إيران، بالتنسيق مع إسرائيل، مبيناً أن الطرفين أعدا “بنك أهداف” لمؤسسات إيرانية ستطولها العقوبات الجديدة المرتقبة.
قد تكون حسابات طهران خاطئة جدا إذا ظنت بأن مجرد قدوم بايدن فهذا يعني رفع العقوبات عليها، فرفع العقوبات يتطلب أن تدخل طهران مجددًا بمفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخي وتدخلها السافر التخريبي في شؤون بعض الدول العربية، وهذه المفاوضات قد تحتاج إلى سنوات بين الدولتين للوصول إلى حل يرضيهما وقد لا تصلان إليه، فالاقتصاد الإيراني ليس بوسعه تحمل المزيد من العقوبات أو بقائها.
هذه المعطيات مؤشر على أن حرب قادمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لكن المؤشر الأهم في وقوعها من عدمه، بعد عدة أيام ستحل الذكرى المئوية على مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، فإذا أقدمت طهران أو مليشياتها الولائية بأي عمل انتقامي يجرح كبرياء الدولة العظمي في عالم، فإنها سترد على ذلك الانتقام، لكن قبل الرد الأمريكي لابد من خروج السفير الأمريكي من بغداد، ولكن هذا السفير ولغاية كتابة هذا المقال لا يزال يمارس عمله في السفارة الأمريكية في بغداد.. وما علينا إلا أن نراقب وننتظر.
وحدة الدراسات العراقية