قبل أيام ، وتحديدًا في الثالث من الشهر الحالي صادفت ذكرى مرور عام على قتل القوات الأميركية قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في محيط مطار بغداد الدولي. ومما لا شك فبه يّشكل قتْل قاسم سليماني، الذي قاد لفترة طويلة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، على الأرجح نقطة تحوّل في علاقات واشنطن مع العراق وإيران وسيؤثر بشكل كبير في موقع الولايات المتحدة الإجمالي في الشرق الأوسط.
فغالبًا ما تعمل طهران من خلال الميليشيات والمجموعات الإرهابية وغيرها من الجهات الوكيلة لتحقيق مصالحها في الخارج. ويقود الحرس الثوري الإيراني الكثير من هذه العمليات. ففي العراق، وفي الدول الأخرى التي تؤدّي فيها إيران دورَين عسكري وسياسي على حدّ سواء، على غرار اليمن ولبنان وسوريا وأفغانستان غالباً ما يكون الحرس الثوري الجهة الفاعلة المسيطرة في السياسة الخارجية الإيرانية، أو صوتاً مهمّاً في أدنى المستويات.
فقد أنشأ سليماني أكثر من 82 مليشيا في العراق وسوريا، حيث قال الجنرال رحيم صفوي؛ كبيرالمستشارين العسكريين للمرشد الإيراني، إن قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» السابق، أنشأ 82 لواءً في سوريا والعراق، تضم مقاتلين من جنسيات متعددة.
ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن صفوي قوله خلال مؤتمر «الخطوة الثانية للثورة ونهج سليماني»، إن مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس» الإيراني، قاسم سليماني، أنشأ 60 لواءً في سوريا، ضمت 70 ألف مقاتل من «قوات التعبئة الشعبية ومن الدول الأخرى»، في إشارة إلى ميليشيات متعددة الجنسيات تقاتل تحت لواء «فيلق القدس».
وأنشأت إيران ميليشيا «فاطميون» التي تضم مقاتلين من الشيعة الأفغان، وأخرى باكستانية تعرف بـ«زينبيون»، إضافة إلى لواء «حيدريون» الذي يضم ميليشيات عراقية، خلال خوضها الحرب الداخلية السورية إلى جانب جيش النظام السوري. ووصف كبير مستشاري المرشد الإيراني خطوة بلاده بإنشاء عشرات الميليشيات المسلحة في المنطقة بـ«تحويل التهديد إلى فرصة، تحت إدارة استراتيجية لمدرسة سليماني»، لافتاً إلى أن وجود هذه الميليشيات إلى جانب جيش تقليدي في العراق وسوريا «عمل مهم وصعب، لكن سليماني كانت لديه المرونة».
وفضلاً عن سرد دور سليماني العسكري في 4 دول عربية هي: العراق وسوريا واليمن ولبنان، وضد استراتيجية الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، أشار صفوي إلى أن سليماني أجرى مباحثات دبلوماسية بمستويات «استراتيجية» مع رؤساء جمهوريات روسيا وتركيا والعراق وأفغانستان.
ولوح صفوي من جديد بتمسك بلاده بالقيام بعمليات ضد حضور القوات الأميركية في المنطقة، وقال إن «أقل تأثير لدماء الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس ومحسن فخري زاده، والمدافعين عن الأضرحة، سيكون طرد القوات الأميركية من غرب آسيا وتحرير القدس».
ولوح صفوي من جديد بتمسك بلاده بالقيام بعمليات ضد حضور القوات الأميركية في المنطقة، وقال إن «أقل تأثير لدماء الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس ومحسن فخري زاده، والمدافعين عن الأضرحة، سيكون طرد القوات الأميركية من غرب آسيا وتحرير القدس».
وفي جزء من خطابه، حدد صفوي منطقة تمتد من شرق البحر المتوسط إلى غرب آسيا وأميركا الجنوبية، تحت اسم «جبهة المقاومة»، داعياً «شباب الجبهة» إلى تبني «نهج سليماني». وقال إن «مدرسة سليماني تسببت في هزيمة سياسية وعسكرية لأميركا في احتلال العراق وأفغانستان، وظهور هيمنة قوة أميركية بعد 11 سبتمبر (أيلول) والشرق الأوسط الجديد».
ومع ذلك، لم يتطرق صفوي إلى الموازنة التي تخصصها بلاده لأنشطة «فيلق القدس» في المنطقة، كما تجنب الإشارة إلى خسائر إيران في الأرواح خلال هذه الفترة.
ونظرًا لخطورة مليشيات قاسم سليماني على استقرار منطقة الشرق الأوسط، قال نائب قائد عمليات دول التحالف في الحرب على “داعش” في سوريا والعراق الجنرال أليكس غرينكويتش إن الميلشيات المسلحة المدعومة من طهران أصبحت تشكل خطرا أكبر من داعش الإرهابي.
وفي هذا السياق، نشر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، الخميس، دراسة حول نفوذ إيران الإقليمي ذكر فيها أن الميليشيات التي أنشأها الحرس الثوري في دول المنطقة تعتبر بالنسبة لإيران أهم من صواريخها الباليستية وبرنامجها النووي.
وقال المعهد، وهو مركز فكري بريطاني في مجال الشؤون الدولية، ومقره في لندن، إنه بالرغم من أن برامج طهران للصواريخ البالستية والبرنامج النووي أهم ملفين يستمر بسببهما التوتر بين إيران والولايات المتحدة والدول الإقليمية، لكن القضية الاستراتيجية الإيرانية الثالثة وهي شبكات الميليشيات الإيرانية تعد في الوقت الحاضر هي الأهم.
ووفقا للدراسة، يأتي النفوذ الإقليمي من خلال الأحزاب والميليشيات المسلحة الموالية لطهران والخارجة عن كيانات الدول التي تنشط فيها حيث حققت إيران أقصى قدر من التوسع والنفوذ الإقليمي في مقابل الحد الأدنى من الخسائر من خلال تلك المجاميع في كل من العراق ولبنان وسوريا، وتحاول فعل نفس الشيء في اليمن.
وأشار المعهد إلى مصطلح “وكلاء” إيران التي تعتبر جماعات مسلحة إرهابية خارجة عن سيادة الدولة الوطنية وتتبع في ولائها للولي الفقيه، مثل “حزب الله” في لبنان” و”الحوثيين” في اليمن” و”المليشيات الولائية” في العراق، والتي يتم تمويلها وتدريبها وتسليحها وتوجيهها من قبل “الراعي” الرسمي للإرهاب والوكلاء، أي النظام الإيراني.
وتقول الدراسة إن طهران لم تبذل أي محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على حالة أي من هذه العلاقات مع شبكة الوكلاء حيث لا توجد مواثيق ومعاهدات ولا اتفاقات رسمية بشأن وضع هذه الجماعات التي تخاطبها بلغة دينية أو عاطفية ومصطلحات فضفاضة كـ “المقاومة”، و”الممانعة” الإيديولوجية والعسكرية والثقافية ضد الهيمنة الغربية المتصورة و وجود إسرائيل، وفق أدبيات النظام الايراني.
ومع الغزو الأميركي للعراق، قامت إيران بتنظيم الوكلاء العراقيين من أطياف المعارضة الذين كانوا مقيمين في إيران وطوّرت أول ميليشيات أجنبية منذ إنشاء “حزب الله” اللبناني.
وتمكنت إيران من خلال هذه الميليشيات من ملء الفراغ عقب الانهيار السياسي في العراق في ظل عدم وجود استراتيجية أميركية وغربية لمنع التدخل الإيراني ما سمح لطهران بالتلاعب بالتطور السياسي لدولة عربية انهارت لأول مرة منذ تجربة لبنان في الثمانينات.
ثم جاء الوضع السوري في عام 2011 حيث قامت إيران بالوقوف بقوة مع حليفها الوحيد، بشار الأسد، واعتمدت أيضا على ميليشيات حزب الله اللبناني، للحفاظ عليه. وأيضا في غياب أي جهد غربي لمنع تدخل إيران في سوريا خلال فترة الانخراط الدبلوماسي في المفاوضات النووية، استطاعت طهران تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتكريس خطابها العقائدي ومد نفوذها داخل الأراضي السورية.
أما في اليمن، فتشير دراسة المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن السقوط غير المتوقع للعاصمة صنعاء بيد جماعة الحوثيين في سبتمبر 2014 أتاح لإيران فرصة لإلحاق الضرر بالسعودية والإمارات لأول مرة منذ الثورة عام 1979.
وبما أن إيران اعتادت غياب ردة الفعل الغربية على تدخلاتها، فقد اعتبرت النزاع اليمني فرصة لتوسيع نفوذ إيران إلى جنوب البحر الأحمر، وقامت بإرسال المستشارين والأموال وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية المتقدمة والطائرات المسيرة والقوارب المتفجرة التي يتم التحكم فيها عن بُعد، وفقا للدراسة.
ويقول المعهد البريطاني إن أي دولة لم تكن نشطة مثل إيران في النزاعات الإقليمية في العصر الحديث نظرا لقائمة الإجراءات التي اتخذتها إيران ضد الأهداف الإقليمية الكثيرة منها الهجمات السيبرانية واستهداف الملاحة في في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية وبطائرات بدون طيار على منشآت أرامكو النفطية في المملكة العربية السعودية واستهداف ميليشيات الحوثيين للسكان المدنيين.
وبالرغم من تعرض قوات الحرس الثوري وميليشياتها لمئات الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا، لا تزال إيران تحافظ على قوات برية صغيرة هناك.
دوليا، لعب دور موسكو المساند لإيران في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك بعض الدول الغربية، مقابل ابتعاد الولايات المتحدة عن المنطقة، دورًا مؤثرًا في تمدد النفوذ الإيراني.
وكلفت التدخلات الإقليمية إيران مئات الأرواح في قواتها المسلحة وميليشياتها ومليارات الدولارات في الوقت الذي تواجه فيه أيضًا ضغوطًا دولية غير مسبوقة وتزايد السخط الداخلي بسبب تدهور الاقتصاد والوضع المعيشي للمواطنين الذين يواصلون احتجاجاتهم ضد النظام بطرق مختلفة.
ويشير التقرير المكون من 217 صفحة الذي جاء بعد دراسة استغرقت 18 شهرا وتضمنت مقالات وتقارير وتحقيقات ميدانية، إلى أن إيران أنفقت 16 مليار دولار على تدخلاتها حيث ذهبت 700 مليون دولار منها سنويا إلى ميليشيات “حزب الله” لكنها تقلصت مؤخرا تحت ضغط العقوبات الأميركية.
واستنتجت الدراسة الى أن الضغوط الأميركية والعقوبات والاحتجاجات الأخيرة في العراق ولبنان المناهضة للتدخل الإيراني، لن تدفع النظام في طهران نحو تقليص نفوذه الإقليمي بل سيحاول الحفاظ على مكتسباته بكل الطرق.
لكن الدراسة أشارت أيضا إلى أن نفوذ إيران في العراق ولبنان يواجه تحديا كبيرا بسبب اعتماده على جماعات لا تريد أن تحكم بشكل مباشر (مثل حزب الله في لبنان) أو غير كفؤة في إدارة الدولة مثل الأحزاب الحاكمة في العراق.
وحدة الدراسات الإيرانية