بدأت في تركيا تحضيرات لصياغة دستور جديد، حيث صرّح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر صحافي يوم الاثنين الماضي، أن «الوقت حان مجددا لمناقشة دستور جديد لتركيا» مؤكدًا على أن «مصدر المشاكل كافة التي تعاني منها تركيا منذ عام 1960، نابع من الدساتير التي صيغت من قبل الانقلابيين». وزاد: «أعمال صياغة الدستور ينبغي أن تتم بطريقة شفافة أمام أعين الشعب وبمشاركة جميع ممثليه، ويتعيّن عرض النص الناتج لتقدير الشعب. يمكننا التحرك من أجل إعداد دستور جديد في المرحلة المقبلة، حال توصلنا لتفاهم مع شريكنا في تحالف الشعب».
يتطلب إجراء التعديلات الدستورية في مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) الحصول على ثلثي الأصوات. ويتكون البرلمان التركي رسمياً من 600 نائب، ويضم في الوقت الراهن 584 نائباً. وبالتالي فإن إجراء التعديلات الدستورية يحتاج إلى أصوات 400 نائب في الأحوال الطبيعية، بناء على شرط الأغلبية المطلقة الممثلة بـ»ثلثي العدد الإجمالي للأعضاء». لكن المشهد الحالي لا يتيح إجراء التعديلات الدستورية في البرلمان، بالنظر إلى عدد مقاعد تحالف الشعب البالغ 336، منها 289 لحزب العدالة والتنمية و48 لحزب الحركة القومية. ويمكن لرئيس الجمهورية أن يطرح مقترح التعديلات للاستفتاء الشعبي، حتى إن لم تتم الموافقة عليه، خلال أي تصويت محتمل في الجمعية العامة للبرلمان إذا كان عدد الأصوات لصالحها دون 400 ولكن فوق 367 صوتاً.
تجمع الأطراف السياسية كافة على أن الدستور المصاغ عقب انقلابي 1960 و1980 لا يقدم حلولاً لمشاكل تركيا
في الواقع، تشهد تركيا نقاشات حول الدستور الجديد منذ أعوام طويلة، وتجمع الأطراف السياسية كافة على أن الدستور المصاغ عقب انقلابي 1960 و1980 لا يقدم حلولاً لمشاكل تركيا. وبدأت هذه النقاشات في عهد الرئيس الأسبق تورغوت أوزال، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وقد اقتصر الأمر في الحكومات التي تولت السلطة خلال السنوات الـ30 الماضية، على إجراء بعض التعديلات في مواد الدستور فقط، وقام حزب العدالة والتنمية في هذا الصدد بإجراء تعديلات في مواد الدستور عبر استفتاءينِ شعبيين، الأول في 2010 والثاني في 2017. لكن على الرغم من إجراء هذه التعديلات، ظل الدستور عائقاً أمام الأحزاب الحاكمة، وحصر تركيا الصاعدة ضمن نطاق ضيق للغاية. وشهدت الأعوام الـ10 الأخيرة إعداد مشاريع كثيرة حول الدستور، من قبل جميع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني تقريباً، وتم طرحها بالفعل أمام رئاسة البرلمان التركية. لا شك بأن الدستور الذي أعد في ظل شروط القرن الماضي، لا يلبي تطلعات جميع شرائح الشعب في تركيا، ولا تزال بعض المواد المضحكة في ظروف اليوم مدرجة ضمن الدستور، منها على سبيل المثال، إلزامية ارتداء أفراد الشعب التركي قبعة فيدورا. والسبب هو أن قانون القبعة تحول إلى قانون إلزامي بعد اعتباره من «القوانين الإصلاحية» إبان عشرينيات القرن الماضي، ومع دستور انقلاب عام 1982 تم اعتماده على أنه قانون غير قابل للتغير. ووفقاً لمواد هذا القانون، فإن أي مواطن تركي لا يرتدي قبعة فيدورا، إما يعاقب أو يسجن، ولكن القانون المذكور في الحقيقة، لا يدافع عنه أحد حتى أولئك الذين يؤيدون الدستور الانقلابي.
انطلق أول نظام دستوري في عهد الدولة العثمانية مع دخول القانون الأساسي حيز التنفيذ عام 1876. ويقول الكاتب التركي طارهان أردم، في كتابِه «الدساتير والوثائق/ 1876-2012» – الذي جمع فيه الدساتير كافة منذ الدولة العثمانية ولغاية اليوم – إن الإجراءات المتعلقة بالدستور بدأت بالفعل مع فرمان التنظيمات عام 1839. وبعد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية، أجريت لغاية اليوم 4 تعديلات دستورية في تركيا، التي اعتمدت عام 1921 الدستور (التشكيلات الأساسية) واحدة منها فقط تمت بقرار المجلس المؤسس عام 1924 فيما قام الانقلابيون بتفعيل دستور 1961 و1982. ومن المؤكد أن الأزمات والانقلابات أدت دوراً حاسماً في صياغة الدساتير، أو تعديلها، على الرغم من التاريخ الدستوري الطويل لدى تركيا.
خلاصة الكلام، يبدو أن نقاش الدستور الذي أطلقه الرئيس رجب طيب أردوغان، سيشكل الأجندة الرئيسية في تركيا قبل الانتخابات المزمعة عام 2023. وبات الجميع يتناول بالفعل طبيعة الدستور الجديد، الذي يمكن أن يحل محل الدستور القائم الذي تشتكي منه جميع الكيانات السياسية في البلاد. والسؤال هنا: هل ستخوض تركيا انتخابات 2023 وفقاً للدستور الجديد؟ أم أن إجراءات الدستور قد تبدأ بعد انتخابات مبكرة محتملة. أعتقد أننا سنتمكن من رؤية هذا الأمر بشكل أوضح في الأيام المقبلة.
توران قشلاقجي
القدس العربي