خروج 100 مليار دولار من إيران.. من الرابح ومن الخاسر؟

خروج 100 مليار دولار من إيران.. من الرابح ومن الخاسر؟

ما شهدته إيران في السنوات الأخيرة من مشاكل اقتصادية لا تقتصر على معدل النمو السلبي والتضخم المرتفع والعقوبات الأميركية، بل يتعداه إلى خروج الأموال من البلاد وبذلك يظهر وجه آخر لأزمات إيران الاقتصادية.

وصرح مؤخرا رئيس غرفة تجارة طهران مسعود خوانساري بأن الإحصائيات المعلنة والموثقة تظهر أنه خلال السنوات التسع الماضية، تدفق نحو 100 مليار دولار من رؤوس أموال الإيرانيين إلى خارج البلاد لتوجه نحو الشراء والاستثمار في قطاع الإسكان بالدول المجاورة من قبل الإيرانيين.

وتمكنت بعض الدول المجاورة لإيران مثل تركيا والإمارات وجورجيا، من جذب بعض الاستثمارات الإيرانية، واستطاعت تركيا الاستفادة من الوضع الاقتصادي الإيراني أكثر من أي دولة أخرى، على الصعيد السياحي والاستثمار العقاري.

تركيا أكبر مستفيد
ووفقا للإحصاءات التركية، يعد الإيرانيون من بين السياح الأوائل لتركيا حيث زار أكثر من 2.5 مليون سائح في عام 2017 و2.1 مليون سائح في عام 2019 بمعدل صرف 693 دولارا لكل سائح في تركيا.

ومن ناحية أخرى، يعتبر الإيرانيون من الرواد في شراء العقارات وتأسيس شركات منذ عدة سنوات، وأظهرت بيانات حديثة لهيئة الإحصاء التركية، أن الإيرانيين اشتروا 7198 منزلا خلال عام الماضي، واحتلوا المركز الأول لشراء العقارات في تركيا لعام 2020.

لهذا السبب، اقترح مسؤولون في قطاع السياحة بتركيا في أواسط الشهر الجاري، إلغاء الدخول بجواز السفر بين كل من إيران وتركيا، ويظهر هذا العرض ما تجنيه تركيا من السفر والاستثمار الإيرانيين فيها.

ويعتقد الدكتور علي سعدوندي -محلل وخبير في الاقتصاد الدولي- أنه إذا كان تدفق رأس المال إلى الخارج مرتبطا ببلد المنشأ، يُعرف باسم الاستثمار الأجنبي ويمكن أن يفيد اقتصاد بلد المنشأ، أما إذا انقطع الاتصال بين رأس المال في الخارج وبلد المنشأ، فإنه يُعرف باسم هروب رأس المال وهو ما يضر بالبلد، وخروج رأس المال من إيران كان غالبا على هذا النوع الأخير.

تابع سعدوندي في حديثه للجزيرة نت، أن مشكلة الاقتصاد الإيراني في العقود الأخيرة، هي المرض الهولندي (Dutch Disease)، ويرجع ذلك إلى ضخ موارد النقد الأجنبي الناجمة عن المبيعات النفطية إلى اقتصاد البلاد، بدلا من استثمارها في القطاع الصناعي، ولهذا السبب حاولت الحكومات السابقة بإيران في معظم الحالات إبقاء سعر الصرف أقل من سعر التوازن (أو السعر الحقيقي)، مما يمهد الطريق لتدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد.

ولم يقتصر هروب رأس المال من إيران في السنوات الأخيرة على المال فحسب، بل غادر عدد كبير من رأس المال البشري والعقول بحثا عن بيئة عمل أفضل.

أسباب التدفق
يعتقد الدكتور محمد قلي يوسفي -خبير اقتصادي وعضو هيئة تدريس بكلية الاقتصاد بجامعة العلامة الطباطبائي بطهران- أن الإنتاج في عالمنا اليوم هو نتيجة تعاون عدة دول مع بعضها بعضا، وعندما تكون دولة مثل إيران بعيدة عن التطورات الدولية -وإن لم يستفد المجتمع من رأس المال الذي تراكم عبر الأجيال- فبالتأكيد سيغادر كل من رأس المال والنخب البشرية من البلاد.

وأضاف يوسفي في حديثه للجزيرة نت، “في بعض الدول مثل إيران حيث الحد الأدنى المطلوب غير متوفر للاستثمار، والقطاع الخاص لا يلعب دورا كبيرا في الاقتصاد، والحكومة هي مركز القوة الاقتصادية وتعطّل سير الاقتصاد الحر وتغيّر باستمرار القواعد واللوائح وسعر الصرف وأسعار الفائدة والسياسات النقدية والمصرفية على أساس المتطلبات السياسية، حينها يزداد تدفق رأس المال إلى الخارج”.

الدكتور محمد قلي يوسفي يرى أن رفع العقوبات سيساعد الحكومة في حل مشاكلها وليس مشاكل الشعب (مواقع التواصل الإجتماعي)
رفع العقوبات
يعتقد يوسفي أن رفع العقوبات سيساعد الحكومة في حل مشاكلها وليس مشاكل الشعب، “لأن مشاكل اقتصادنا متجذرة في الداخل، وتحتاج إلى تعديل الدستور وخلق بيئة آمنة للتجارة والسيطرة على الفساد والانفتاح على الناس للانخراط في الأنشطة الإنتاجية”.

ويرى عدد كبير من الخبراء أنه بعد رفع العقوبات على إيران وضخ أموالها المتجمدة في الاقتصاد المحلي، قد ينخفض سعر صرف الدولار مقابل الريال الإيراني بشكل حاد. وأن إبقاء الحكومة سعر الصرف أقل من سعره الحقيقي -مع عدم تغيير في سياسات الاقتصاد الكلي- سيسهم في استمرار تدفق رأس المال من البلاد، وهو ما يضر جميع جوانب اقتصاد البلاد.

المصدر : الجزيرة