لبنان بعد “جهنم” عون إلى “عتمة” شاملة

لبنان بعد “جهنم” عون إلى “عتمة” شاملة

لم يتوان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن توجيه اتهامات مباشرة للمسؤولين اللبنانيين دون استثناء، محملا إياهم مسؤولية جعل بلدهم يواجه مخاطر الانهيار دون تحريك ساكن لإنهاء أسوأ أزمة سياسية واقتصادية يعيشها لبنان منذ عقود.

بيروت – وجه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الخميس، اتهامات مباشرة إلى المسؤولين اللبنانيين لعدم تقديم المساعدة لبلدهم الذي يواجه مخاطر “الانهيار”، في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.

وجاءت تصريحات الوزير الفرنسي في أعقاب أجواء مشحونة في لبنان زادها تعقيدا إعلان وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر عن ذهاب البلد إلى “عتمة شاملة” نهاية الشهر الجاري، وهي تصريحات بدت تهدف إلى تهيئة اللبنانيين لانقطاع دائم للكهرباء.

ويتولى التيار الوطني الحر، الذي يقوده جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني، مسؤولية وزارة الطاقة منذ اثني عشر عاما، وهو قطاع تسبب في زيادة الدين العام بنحو 40 مليار دولار.

وقال الوزير لودريان في مؤتمر صحافي في باريس “قد أميل للقول إن المسؤولين السياسيين اللبنانيين لا يساعدون بلدا يواجه مخاطر، جميعهم أيا كانوا”، مستنكرا تقاعس الطبقة السياسية عن التصدي لخطر انهيار البلاد.

ويعاني لبنان من أزمة سياسية حادة تمثلت في انسداد آفاق الوصول إلى حلول لتشكيل حكومة جديدة يرأسها سعد الحريري في أعقاب استقالة الحكومة بعيد انفجار مرفأ بيروت الدامي، والذي هز الطبقة السياسية وزاد تعقيدات صعبة على الوضع الداخلي في البلاد.

ومازال الحريري على خلاف مع الرئيس ميشال عون ولم يتمكن من تشكيل حكومة جديدة منذ أكتوبر الماضي.

وتقوم مجموعات من المحتجين بإحراق الإطارات يوميا لإغلاق الطرق، منذ أن هوت العملة اللبنانية إلى مستوى جديد الأسبوع الماضي مما أدى إلى تفاقم الغضب الشعبي من الانهيار المالي.

وحذر الوزير الفرنسي من أن مسألة التصدي لخطر الانهيار “تعود إلى السلطات اللبنانية للإمساك بمصير البلاد، علما أن المجموعة الدولية تراقب بقلق” الوضع المتدهور، في تعبير جديد عن الضغوط التي تحاول فرنسا ممارستها منذ أشهر على القادة السياسيين اللبنانيين لكي يشكلوا حكومة لكن دون نجاح حتى الآن.

وقال لودريان إنه “إذا انهار لبنان فستكون كارثة على اللبنانيين… على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والمنطقة بأسرها. لا يزال هناك وقت للتحرك لأنه في الغد سيكون قد فات الأوان”.

وحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي زار لبنان مرتين منذ الانفجار في بيروت، دون جدوى حتى الآن الدفع في اتجاه تشكيل حكومة مستعدة للقيام بإصلاحات هيكلية لإخراج لبنان من أزمته السياسية والاجتماعية، فيما أعدت المجموعة الدولية خطة مساعدة مرفقة ببعض الشروط بينها تشكيل حكومة.

ويشهد لبنان منذ صيف 2019 أسوأ أزماته الاقتصادية التي أدت إلى خسارة العملة أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها، تزامنا مع قيود مصرفية مشددة وشح في الدولار.

وزاد التصريح الذي أدلى به وزير الطاقة اللبناني من تأزيم الأمور في البلاد، وهو بمثابة إنذار واضح للطبقة السياسية للتحرك بصورة عاجلة لإنهاء تلك الأزمات التي تتفاقم يوما بعد آخر. ويقول سياسيون إن هناك ضرورة عاجلة للتحرك بدلا من تحقيق ما ذهب إلى توصيفه الرئيس عون قبل أشهر بأن لبنان “ذاهب إلى جهنم”.

ووفق تصريحات نقلتها الوكالة الوطنية للإعلام، قال الوزير ريمون غجر بعد لقائه عون “لبنان قد يذهب إلى العتمة الشاملة في نهاية الشهر الجاري في حال عدم منح مؤسسة كهرباء لبنان مساهمة مالية لشراء الفيول”.

وأضاف “المشكلة اليوم تتلخص بعدم توافر الأموال اللازمة لشراء الفيول”، بعدما كان يتم الاعتماد حتى الآن على الأموال المرصودة في موازنة العام 2020. ولم يقر لبنان بعد موازنة العام 2021 على وقع الانهيار المتمادي وشح السيولة وتضاءل احتياطي مصرف لبنان بالدولار.

وطلبت وزارة الطاقة منحها سلفة بقيمة 200 مليار ليرة من احتياطي الموازنة لتوفير الحاجة الملحة لمؤسسة كهرباء لبنان من إجمالي 1500 مليار تحتاجها لتأمين الكهرباء. وتتعطل قطاعات حيوية في لبنان على خلفية التجاذبات والحسابات السياسية للطبقة الحاكمة في البلد.

ودعا رئيس البرلمان نبيه بري اللجان النيابية المعنية إلى جلسة برلمانية الثلاثاء لدرس بندين، أحدهما اقتراح قانون معجل مكرر لمنح كهرباء لبنان هذه السلفة.

ويؤمن لبنان منذ مطلع العام الفيول الضروري لتشغل معامل إنتاج الكهرباء عبر بواخر، بعد انتهاء عقد مع شركة سوناطراك من دون تجديده، إثر نزاع قانوني على خلفية ما عرف بقضية “الفيول المغشوش”.

وحذّر غجر من “عواقب كارثية” على كافة القطاعات. وقال “تخيّل حياتك بلا كهرباء بلا إنترنت بلا تلفون بلا مستشفى بلا لقاح.. أنا شخصيا أشعر أن ذلك سورياليا ليس طبيعيا أن تعيش في القرن الـ21 بلا كهرباء”.

ويُعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة أساسا. وقد كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990).

ويشكل إصلاح هذا القطاع شرطا رئيسيا يطالب به المجتمع الدولي منذ سنوات، إذ شكل أبرز مقررات مؤتمر سيدر لدعم لبنان العام 2018، ومن أبرز طلبات صندوق النقد الدولي العام الماضي.

العرب