طهران- يتعين على الإيرانيين الاختيار بين سبعة مرشحين أغلبهم من المحافظين في انتخابات الرئاسة المقررة الجمعة، التي من المرجح أن تعزز نفوذ الزعيم الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي.
ومن المرجح أن ينقسم الشارع بين أن يختار المشاركة والتصويت حتى لو كانت النتائج مخيبة للآمال أو مقاطعة انتخابات رئاسية يخشى الكثيرون أنها ستعري عجزهم في تشكيل مصير البلاد وفشلهم في تحقيق أي تغيير منشود.
ويتسابق المرشحون ليحلوا محل الرئيس حسن روحاني، الذي تلاشت وعوده بمستقبل اقتصادي مشرق مع انهيار الاتفاق النووي الذي أبرمته البلاد في 2015 مع القوى العالمية.
غراف
ويشير محللون إلى أن خيبة الأمل الواسعة في إدارة روحاني المعتدلة نسبيا منحت المتشددين دفعة هذه المرة، حتى في الوقت الذي تتفاوض فيه الولايات المتحدة وإيران الآن على العودة إلى الاتفاق التاريخي.
ولم يسمح مجلس صيانة الدستور الإيراني سوى لسبعة مرشحين لخوض السباق في اقتراع الجمعة، مع عزل الإصلاحيين البارزين وحلفاء روحاني الرئيسيين.
ويعتبر المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، المرشح الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ركيزة أساسية للنظام القضائي في الجمهورية الإسلامية، لكن ناشطين في المنفى يحملونه مسؤولية انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بينها إعدامات جماعية لسجناء معارضين عام 1988.
وفي وقت تواجه فيه إيران الجائحة والعزلة العالمية والعقوبات الأميركية الشاملة والتضخم الجامح، تبدو اللامبالاة سائدة في الشارع. وكانت طهران هادئة بشكل مخيف في الأيام التي سبقت الانتخابات، حيث تناثرت بعض ملصقات حملة رئيسي في جميع أنحاء المدينة ولم تكن هناك أي من التجمعات الضخمة التي اجتذبت حشودا صاخبة إلى الشوارع خلال مواسم الانتخابات الماضية.
ومع اقتراب موعد الاقتراع، تحدثت وكالة أسوشيتيد برس إلى سكان طهران عن آمالهم ومخاوفهم. وقلة هم الذين توقعوا أن يخفف التصويت من إحساسهم بالأزمة. وفيما أشار البعض إلى أنهم سيصوتون لصالح رئيسي، الذي ناور بورقة الفساد لتسليط الضوء على إخفاقات روحاني، يكشف آخرون ترددهم وخططهم لمقاطعة التصويت، قائلين إنهم لا يثقون في قدرة الحكومة على تحسين أوضاعهم المعيشية.
وقالت معصومة افتخاري البالغة من العمر 30 عاما، وهي حامل في شهرها السادس وتتجول في المتاجر المزدحمة في طهران “لقد شاهدت المناظرات الرئاسية ولكنني لم أر أحدا يقدم حلولا حقيقية”، مشيرة إلى الارتفاع الهائل في أسعار ملابس الأطفال. وأردفت “هذا ما يخيب أملي. لذلك، لا يمكنني تحديد مرشحي المفضل”.
من جهتها، تشعر فاطمة ركابي بالخوف من التدهور الاقتصادي في المستقبل. وتعتقد المحاسبة التي تبلغ من العمر 29 سنة أنه لا يوجد مرشح يستحق التصويت.
وتابعت “ليست لدي أي ثقة في المرشحين لأنني لا أعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك. ماذا لو ساء الوضع؟ (..) شعبنا لن يعيش”.
أما ساسان غفوري البالغ من العمر 29 عاما، والذي درس ليصبح فنيّا في مختبر ولكنه الآن يكسب رزقه من بيع الملابس في مركز تجاري بطهران، فقد أعرب عن خيبة أمله من السياسات الانتخابية التي لا تقدم شيئا.
وأضاف “آتي إلى هنا في التاسعة صباحا وأعمل حتى الساعة 9-10 مساء، يوما بعد يوم. ما معنى الحياة عندما لا يتبقّى لي أي وقت للاستمتاع أو الدراسة؟ لا أستطيع التفكير في أحلامي في الوقت الحالي”.
وحتى أولئك الذين يعلقون آمالهم على رئيسي فإنهم يائسون من أي تغيير يفضي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية بعد مشاهدة مدخراتهم تتبخر مع انهيار العملة الوطنية في عهد روحاني.
حتى أولئك الذين يعلقون آمالهم على رئيسي فإنهم يائسون من أي تغيير يفضي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية
واشتهرت إدارة روحاني بخيبات الأمل وعدم الكفاءة. ووجد روحاني نفسه محط انتقادات من السياسيين المحافظين الذين اتهموه بـ”عدم الفعالية” في مواجهة الأزمات.
وفي حال صحّت التوقعات بفوز المحافظ المتشدد رئيسي، سيرسّخ ذلك تعثّر عهد روحاني الذي طبعت أعوامه الأخيرة أزمة اقتصادية واجتماعية تعود بشكل أساسي إلى العقوبات الأميركية التي أعيد فرضها على الجمهورية الإسلامية منذ عام 2018.
ولفت علي مؤمني وهو محاسب يبلغ من العمر 37 عاما في مركز تجاري راق في غرب طهران “إنني أتعامل مع الشؤون المالية بسبب وظيفتي وشهدت المحن التي يواجهها المواطنون كل يوم”. وأكّد أنه سيصوت لرئيسي، الذي يأمل أن “يوظف فريقا قويا من المستشارين الاقتصاديين… لتحسين وضع البلاد”.
بدوره، أكد لقمان كريمي وهو حمّال يبلغ من العمر 50 عاما يدفع بعربات محملة عبر الأزقة الضيقة في طهران، أنه سيدعم رئيسي، “ليس لوعوده الجيدة ولكن لأشياء ملموسة قام بها بالفعل كرئيس للسلطة القضائية”.
وتابع “أعاد رئيسي فتح العديد من المصانع المفلسة… أي من رؤساء القضاء السابقين فعل مثل هذا الشيء؟ لم يفعل أي منهم مثل هذا العمل الجيد. لماذا يجب أن يقع الشعب الإيراني ضحية ارتفاع الأسعار؟ لماذا يقف الكثرون في طوابير لشراء البيض ولحم الدجاج؟”.
وعلى الرغم من أن الإيرانيين قد يختلفون حول ما إذا كانوا سيصوتون وكيف سيصوتون ولمن سيصوتون، إلا أنهم يشتركون في خيبة أمل عميقة من الوضع الراهن وفي التطلعات الواسعة لمستقبل أفضل.
وبالنسبة للبعض، يعني هذا التوق إلى العودة إلى الاتفاق النووي وسنوات التفاؤل عندما كانت إيران خيارا للمستثمرين الأجانب قبل أن يسحب الرئيس السابق دونالد ترامب واشنطن من الاتفاقية ويعيد فرض عقوبات شاملة.
وقالت نسرين حساني وهي خياطة تبلغ من العمر 34 عاما في مجمع تجاري طهراني “لقد وصلنا الآن إلى نقطة نتمنى فيها أن نتمكن من العودة إلى حيث كنا قبل خمس سنوات أوست… حتى لو لم نتمكن من تحسين الأمور”.
وأعرب آخرون عن أسفهم لاستبعاد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، في خطوة تعكس حنينهم إلى الماضي، رغم العقوبات والاضطرابات العنيفة والتدهور الاقتصادي.
وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات، يرى الكثيرون أن حلمهم يكمن في أن تصبح إيران “دولة طبيعية”، لا تواجه عقوبات، وخوفا من الحرب وشعورا بالحصار. وقد مهدت الانتخابات السابقة في إيران الأرضية لمفاوضات دبلوماسية وانفتاحات ثقافية، لكن السياسيين المعتدلين يقولون إن هذا غير مرجح في حال فاز رئيسي.
وتوضح فاطمة ركابي “أريد فقط ألا يعبث الرئيس القادم مع الدول الأخرى والعكس صحيح. لقد سئمنا حقا… ولا نستحق أن نعيش هذه الحياة الصعبة والمروعة”.
وقد دفع مثل هذا التقييم القاتم مئات الآلاف من الأشخاص إلى مغادرة البلد المضطرب وتجربة حظهم في الخارج.
العرب