المحافظون يحكمون إيران مجددا.. فماذا ينتظر العلاقات التركية الإيرانية؟

المحافظون يحكمون إيران مجددا.. فماذا ينتظر العلاقات التركية الإيرانية؟

مدّ وجزر.. هو التوصيف الذي يمكن إطلاقه على العلاقات التركية الإيرانية على امتداد السنين، فهذين البلدين تجمعهما المصالح المشتركة من جهة، وتفرقهما الحسابات الخاصة والتحالفات السياسية من جهة أخرى، هذا ما يقوله محللون تحدثوا لـ”وكالة أنباء تركيا”.

ويرى المتابعون للعلاقات التركية الإيرانية أن ما قد يُقرأ تقليديا على أنه تناقض مصالح بين أنقرة وطهران، هو نوع جديد من العلاقات الدولية فتحت بابه أنقرة، يعتمد على تقسيم الملفات والقضايا بشكل منفصل وعدم وضعها كلها في سلة واحدة، إن إيجابا أو سلبا.

فلتركيا اتفاقيات مع روسيا وإيران في عدد من القضايا، وفي الوقت ذاته هي عضو أساسي في حلف شمال الأطلسي “ناتو” الذي يضمّ الولايات المتحدة، وهذه الأخيرة تضعها إيران ضمن ما تسمّيه “محور الشر”.

قبل أيام قليلة، شهدت إيران انتخابات رئاسية، فاز فيها “إبراهيم رئيسي” برئاسة الجمهورية إثر حصوله على 17 مليونا و800 ألف صوت من أصل 28 مليونا و600 ألف، وفق النتائج الأولية الرسمية، وهنا تم طرح السؤال: ما هو مستقبل العلاقات التركية الإيرانية الآن؟ هل تتعقد أكثر أم أن للدبلوماسية والمصالح المشتركة رأيا آخر؟

الباحث والصحافي اللبناني قاسم قصير رأى في حديث مع “وكالة أنباء تركيا” أن “العلاقات التركية الإيرانية مستقرّة وقوية وستقوى في المرحلة المقبلة في ظلّ حاجة البلدين إلى التعاون”.

وذكّر قصير أن “الرئيس الإيراني المنتخب (إبراهيم رئيسي) قد أكد استعداده للتعاون مع دول الجوار”.

وأضاف “بحسب معلوماتي أن هذه العلاقات تحظى باهتمام السيد خامنئي وهو يؤكد على التعاون مع المسؤولين الأتراك لمعالجة كل الملفات في المنطقة”.

من جانبه، عرض الأستاذ في العلاقات الدولية هادي دلول لـ”وكالة أنباء تركيا”، ما رأى أنه “ضرورة التوصّل إلى تفاهم بين أنقرة وطهران، بغرض تحقيق أفضل ما يمكن في تسوية الملف السوري، ولكن ليس من باب التغاضي عن جرائم تركيا في حلف إدلب”، على حد تعبيره.

وتابع أن “ذلك يتم من باب المصلحة العليا المتمثلة بحلّ الأزمة السورية”، مشيرا إلى أن “العلاقات الإيرانية التركية ستكون أقوى، لأن هناك أمرا أكثر أهمية نسعى إليه في (محور المقاومة)، وهو أن يكون الباب مفتوحاً لتركيا مع فشل (محور الشر) بتفتيت سوريا، وهنا فإن الاتفاق مع أنقرة سينعكس إيجاباً بكل تأكيد، خاصةً لجهة التخلص من الإرهابيين والمغيّبين عن الوعي الذين لن يكون من مصلحة أحد تجاهل خطرهم”.

هذه الاتهامات ضد أنقرة، نفاها أستاذ العلاقات الدولية جلال دمير حيث قال لـ”وكالة أنباء تركيا” إنه “يجب علينا قبل الدخول في العلاقات التركية الإيرانية في المرحلة المقبلة، أن نفهم أن سياسة إيران الخارجية هي انتشار الفكرة الفارسية، وهو ما فعلته إيران في السنوات الماضية في العراق وسوريا واليمن، وهذا ما يثير مخاوف الدول الإقليمية.

وقال “في الفترة الأخيرة أخذت إيران موقفها بناءً على الفكر الفارسي، لذلك تتهم تركيا بأنها تدعم الإرهاب، وهذا الشيء لا يمكن أن توافق تركيا عليه ولا أن تتركه بدون رد”.

ثم أردف دمير أنه “خلال السنوات الماضية كان لإيران على المستوى الاجتماعي علاقة لا بأس بها مع تركيا، رغم بعض المشاكل، ولكن بشكل عام من ناحية اجتماعية وسياسية كانت العلاقة أحيانا تتحسن وأحيانا تتراجع، فتركيا تأخذ حذرها عندما تريد أن تتفق مع إيران في قضايا سياسية أو اقتصادية أو حدودية”.

وأشار دمير إلى “ملاحظات أخرى مثل أن إيران على مسافة من الدول الأوروبية، الأمر الذي يؤثر على السياسة التركية تجاه طهران”. مضيفا “لا يمكننا أن نحدد إن كانت العلاقة ستتحسن أم ستكون سيئة مع الرئيس الإيراني الجديد (رئيسي) لأن تركيا ترغب في تطوير علاقات جديدة معادلة للدول الأوروبية في المنطقة مع الدول الإقليمية، وما نراه اليوم بعض الخطوات السياسية تجاه دول المنطقة، وإيران دولة إقليمية وحدودية مع تركيا، وبطبيعة الحال سياسة تركيا الخارجية هي دائماً تحسين العلاقة مع دول الجوار بشكل عام وليس فقط إيران”.

وأضاف دمير أن “هذه رغبة تركيا، ولكن هناك موانع كثيرة لأجل أن تتحسن العلاقات، إذ لن تكون العلاقات جيدة في الأيام المقبلة مع إيران خصوصاً بسبب حدوث مشاكل واضحة في ملف سوريا، حيث تطغى الفكرة الفارسية على موقف إيران التي وقفت ولا تزال تقف مع النظام السوري، ولا أظن أن سياسة إيران تجاه سوريا ستتغير، وهذا سيؤثر سلباً على العلاقة مع تركيا”، كما قال.

وتحدث دمير عن ملف تنظيم PKK الإرهابي، حيث أشار إلى أن “إيران لا تعطي وثيقة ولا تعطي أماناً لتركيا ولا تلبّيها بخصوص هذا التنظيم، ما يعني أنها لن تكون داعمة لتركيا في هذا الملف، وهذا يعطي إشارة على أن العلاقة بين البلدن في المراحل القادمة لن تكون إيجابية”.

وتطرق دمير إلى العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران، قائلا إن “حجم التبادل بينهما لا بأس به، فتركيا تحاول أن تقوم بالتوازن في مختلف الملفات، حتى إنه يمكن أن نعتبر أن العلاقات الدبلوماسية التركية الجديدة نوعٌ جديدٌ أصلا، يتعامل مع كل ملفّ بمعزلٍ عن الآخر، فأحياناً تكون حليفاً وأحياناً تكون عدواً وأحياناً تكون وسطية بحسب اختلاف القضية”.

وأوضح دمير أن “هذا مفهوم جديد في العلاقات الدولية في العصر الحديث فتحته تركيا، بدل ما كانت عليه في الماضي من معاداة تامّة أو تحالف تام.. فهل نستطيع أن نقول إن تركيا حليفٌ لروسيا؟ بالتأكيد لا.. وكذلك الأمر مع مصر.. هناك إشارات استفهام وهناك مواضيع لم يتمّ الاتفاق عليها، هناك أمور تركيا ضدّها دوماً، وعليه ستكون العلاقة التركية ـ الإيرانية في المستوى نفسه”.

وختم “باختصار، أظن أن العلاقة التركية مع إيران في الفترة المقبلة لن تكون جيدة ولن تكون سلبية تماماً، يمكن أن تكون وسط وأحياناً تكون هناك بعض الاتفاقات التجارية والاقتصادية، ولكن دون الاتفاق في الأمور السياسية”.

بدوره، أكد الباحث اللبناني في العلاقات الدولية والجيوسياسية رياض عيد على هذه النظرية، مشيرا إلى أن “هناك العديد من التقاطعات الإيجابية بين تركيا وإيران وأيضاً نقاط خلاف وتناقض بين الطرفين”.

واعتبر أنه “رغم الخلافات فإن القواسم المشتركة التي تجمع البلدين خاصةً في موضوع أستانا”، مشيرا إلى أنه “لولا التجاذبات ما بين الجانبين في موضوع إدلب لكانت الأمور سارت باتجاهات أفضل”.

وأضاف “أقول إن هناك علاقة تحالفية للاتفاق على منطقة غربي آسيا بين القوى: تركيا إيران روسيا، إلا أن العلاقة التركية الإيرانية استراتيجية ولا أعتقد أن تغيير القيادة في إيران قد يغيّرها، مثل الموقف من القضية الكردية، وإقامة دولة كردية في المنطقة، فهذا يؤثّر كثيرا على إيران والعراق وسوريا وتركيا، وأكثر المتضرّرين منه تركيا وإيران.. لذلك أعتبر أن هذا الموقف مشترك من الـ(لا) للدولة الكردية وللتحالف الأميركي مع الكرد شمالي سوريا والعراق”.

وتحدّث عيد عن مجلس التعاون التركي الإيراني المرتبط بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث قال “أنا أعتقد أن هناك مصلحة تركية في إبقاء هذا المجلس لأن تركيا تأخذ الغاز من إيران، وهناك مصلحة لإيران أيضاً بتمرير الغاز عبر تركيا، بالإضافة إلى أن تركيا لعبت دوراً كبيراً خلال العقوبات الأميركية على إيران، ذلك أن كل التحويلات التي تنتج من بيع البترول الإيراني في السوق السوداء كانت تأتي إلى تركيا ويجري تحويلها مباشرةً إلى الذهب ومن ثم تُرسل إلى إيران.. كذلك كانت البنوك التركية تعمل لتمرير هذه القنوات بالنسبة لإيران، وهذه العلاقة تعتبر مهمّة ويحتاجها الطرفان”.

وأكد أنه من “المهم جدا أن تبقى العلاقات التركية الإيرانية بالنسبة إلى نفوذ البلدين في مناطق وسط آسيا والتقاطعات بخصوصها، لأن أي خلاف قد ينعكس على أذربيجان وأرمينيا والدول المحيطة ببحر قزوين التي يرتبط قسم من أبنائها بعلاقة خاصة مع تركيا، كونهم من أصول تركية ويتكلّمون اللغة التركية.. لذلك أنا أعتبر أن هذه العلاقة التحالفية أو (علاقة الضرورة) يجب أن تبقى إن تغيّر الحكم في إيران أم لم يتغيّر، فهذه العلاقات مرتبطة بمصالح استراتيجية للدولتين”.

وأضاف عيد “لفتني بعد انتخاب الرئيس (إبراهيم رئيسي)، أن الرئيس أردوغان هنّأه وأشاد بالعلاقة التركية الإيرانية التي قال إنه يريد أن يطوّرها في المستقبل وأعرب عن نيّه زيارة إيران بعد انتهاء جائحة (كورونا) لتطوير هذه العلاقة وترسيخها أكثر”.

ولفت عيد إلى “نقطة تقارب مهمة بين البلدين تتمثل في تداعيات اتفاقات (أبراهامز) التي قامت بين الكيان الإسرائيلي الغاصب والإمارات العربية، فقد باتت (إسرائيل) بموجبها موجودة في الإمارات وهذا يؤثر على إيران، وفي ظل الخلاف الإيراني السعودي وفي ظل التحالف بين إيران وقطر، هذا الموضوع يقوّي العلاقات التركية الإيرانية، لأن التوجّه الإسرائيلي الإماراتي السعودي يحاول الضغط لتخفيف الوجود الإيراني والوجود التركي في العراق وسوريا”.

واعتبر أن “تغيير الرئيس الإيراني لا يؤثر على العلاقة الاستراتيجية بين تركيا وإيران، بسبب وجود تلاق تركي إيراني رغم أن تركيا في حلف الـ(ناتو)، إلا أن العلاقة بين تركيا والحلف متوترة نتيجة رفض دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”.

وأضاف عيد “طبعا هناك تنافس بين الدولتين في سوريا والعراق، لكن هذا التنافس مضبوطٌ تحت عناوين التفاهمات، وبالتالي أنا أعتقد بعد انتخاب (رئيسي) لن تذهب العلاقات التركية الإيرانية نحو التشنّج، بل ستبقى علاقة مصالح متبادلة”.

ياقوت دندشي

وكالة أنباء تركيا