اعترفت ميليشيات الحشد الشعبي العراقية بأن عدداً من عناصرها قتلوا نتيجة الضربات الجوية التي شنتها طائرات أمريكية ضد منشآت للحشد على الحدود العراقية السورية، ولكن تقارير صحافية أكدت ما جاء في بيان وزارة الدفاع الأمريكية حول وجود اثنتين من تلك المنشآت داخل الأراضي السورية. وقال الناطق باسم البنتاغون إن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعطى الإذن بتنفيذ هذه الضربات نتيجة الهجمات المستمرة على المصالح الأمريكية.
جدير بالملاحظة أولاً أن بيان البنتاغون أوضح أن الولايات المتحدة تصرفت من «منظور القانون الدولي» وطبقاً لحقها في الدفاع عن النفس، وثمة هنا تناقض صارخ بين المنظور والحق. فبصرف النظر عن الرأي في أجندات الحشد الشعبي وتابعيته لتوجيهات طهران و«الحرس الثوري» الإيراني، فإن الوجود العسكري الأمريكي في العراق هو قوة احتلال في نهاية المطاف، تستدعي هذا الشكل أو ذاك من المقاومة المحلية أياً كانت الأهداف المحلية أو الارتباطات الإقليمية. كذلك فإنّ بقاء الجيش الأمريكي على الأرض العراقية هو جزء لا يتجزأ من إرث الاجتياح الأمريكي للبلد قبل 18 سنة، ولا يغير من هذه الحقيقة أن واشنطن تعاقدت في وجودها العسكري هذا مع حكومات عراقية نشأت في ظل الاحتلال وبمصادقته ورعايته.
ليس أقل جدارة بالملاحظة مقدار التناقض الصارخ في موقف مصطفى الكاظمي من موقع القائد العام للقوات المسلحة العراقية أولاً، إذ غرد الناطق باسمه أن الهجوم «انتهاك سافر ومرفوض للسيادة العراقية وللأمن الوطني العراقي وفق جميع المواثيق الدولية» ولكن الكاظمي هو نفسه الذي من موقعه كرئيس للحكومة خاض ويواصل خوض معارك الشد والجذب مع الحشد والفصائل الأخرى الموالية لطهران من أجل تثبيت سلطة الدولة وفرض القانون. وهو نفسه ثالثاً، ولكن ضمن جمع الموقعين معاً، كان قبل أيام قليلة قد حضر الاستعراض العسكري الضخم وغير المسبوق الذي أقامه الحشد في ديالى، وشارك فيه أكثر من 20 ألف مقاتل واستُعرضت خلاله أسلحة ثقيلة ومدفعية ودبابات، بينها الطائرات المسيرة ذاتها التي استهدفت معسكرات تابعة للجيش الأمريكي داخل العراق.
واشنطن، في إدارة بايدن الحالية وقبلها إدارة دونالد ترامب، تعمدت تجاهل الحقائق العديدة ذات الصلة بأصل وجود الحشد وسلسلة عواقبه اللاحقة في ميادين السياسة والاقتصاد والأمن والجيش والحريات العامة. وبالتالي فإن الضربات الأخيرة تتجاهل حقيقة أن الحشد لم يعد مجرد فصائل عسكرية نشأت بفتوى من آية الله السيستاني، أو فصائل مذهبية تتبع توجيهات الولي الفقيه في طهران، بل بات جزءاً مكوناً من الجيش العراقي، يتلقى التسليح والتدريب والتمويل من الخزينة العامة أسوة بكل وأي فيلق رسمي.
غير خاف بالتالي أن الحشد ورقة تلعبها إيران على أصعدة عراقية وإقليمية ودولية، ومسيّرات الفصائل التي استهدفت منطقة قريبة من القنصلية الأمريكية في أربيل مؤخراً، مثل الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت هذه الفصائل داخل العراق وسوريا، ليست بعيدة عن استئناف صيغة مختلفة من المفاوضات المتوقفة بصدد البرنامج النووي الإيراني، ليس من جنيف بل من البوكمال السورية.
القدس العربي