لم تأت نتائج الانتخابات الإيرانية خلافا للتوقعات منذ إعلان إبراهيم رئيسي الشخصية الأكثر قربا من المرشد الأعلى علي خامنئي ترشحه للانتخابات.
وتوجه أكثر من 48 في المئة من الذين يحق لهم التصويت في 18 يونيو/ حزيران الماضي إلى صناديق الاقتراع، لاختيار رئيس جديد بعد انتهاء المدة الدستورية للرئيس حسن روحاني بعد فترتين رئاسيتين (2013 – 2021).
ووصفت الولايات المتحدة الانتخابات الإيرانية بأنها “مصطنعة” وأنها لم تكن “حرة ولم تكن نزيهة”.
وفي أول مؤتمر صحافي للرئيس المنتخب، رحب بمباحثات فيينا والعودة إلى اتفاق 2015 إذا ضمنت المباحثات المصالح الوطنية الإيرانية، ورفع جميع العقوبات الأممية والأمريكية على إيران.
وهي نظرة تنسجم تماما مع رؤية المرشد الأعلى الذي يرى إمكانية امتثال إيران لاتفاق 2015، إذا بادلتها الولايات المتحدة بخطوات عملية لرفع العقوبات.
وأكد الرئيس الإيراني الجديد أن على العالم أدرك أن سياسة الضغوط القصوى على إيران لم تكن مجدية، وأن الوضع تغيّر بعد الانتخابات الرئاسية، موضحا أن برنامج الصواريخ الباليستية غير قابل للتفاوض.
ويحمّل “رئيسي” دول الاتحاد الأوروبي مسؤولية “التقاعس” في الوفاء بالتزاماتها التي تضمنتها صفقة الاتفاق النووي عام 2015.
لكن ليس ثمة ما يدعو للاعتقاد بأن استلام إبراهيم رئيسي الذي يصفه البعض بـ”المتشدد” موقعه الرئاسي سيحد من إمكانية مواصلة المباحثات حول الملف النووي مع الولايات المتحدة أو إعادة تطبيع العلاقات مع السعودية ودول أخرى.
ومما لا خلاف عليه أن السياسات الخارجية يرسمها المرشد الأعلى الذي أعطى قبل وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة الضوء الأخضر لمفاوضات فيينا مع الولايات المتحدة والمجموعة الدولية، والمباحثات مع السعودية في بغداد.
وشهدت العلاقات الإيرانية مع عدد من دول المنطقة بعض الانفراج خلال الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وباتت إيران أكثر انفتاحا على تطبيع العلاقات مع دول الجوار، مثل السعودية بعد نحو ست سنوات من القطيعة.
وخلال الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس “المعتدل” حسن روحاني استضافت بغداد عددا من الاجتماعات الثنائية بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين.
ومتوقع أن يواصل الرئيس الجديد بعد تسلمه مهام منصبه رسميا في 3 أغسطس/ آب المقبل سياسة الانفتاح على السعودية، وتخفيض مستوى التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العراقي، بعد رسائل واضحة وجهها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى المرشد الأعلى والقيادة الإيرانية.
وتجد السعودية ودول عربية حليفة لها، أن الإيحاءات الأمريكية برفع العقوبات تدريجيا عن إيران في مقابل العودة إلى صفقة الملف النووي لعام 2015، تعني السماح لإيران ببيع منتجاتها النفطية، وبالتالي زيادة قدراتها المالية في دعم المجموعات الشيعية المسلحة، مثل جماعة الحوثي في اليمن التي تستهدف البنية التحتية في العمق السعودي، مع انسداد أي أفق لتسوية سياسية للحرب في اليمن، عادة ما تلقي الرياض مسؤوليتها على تبعية الجماعة لإيران وتحكمها بقرارها.
والسعودية هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تبعث برسائل تهنئة إلى الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي.
ويرى “رئيسي” أنه لا يرى أي عائق يحول دون إعادة فتح السفارتين في عاصمتي البلدين”، وأن بلاده “ترغب في إقامة علاقات مع جميع الدول في جميع أنحاء العالم، ولا سيما مع جيراننا، ومع السعودية”، لكن ينبغي على الرياض “وقف هجماتها التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية في اليمن، وترك اليمنيين يشكلون حكومتهم بأنفسهم”.
وحدد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في تصريحات له تعامل بلاده مع إيران بعد انتخاب رئيسي بأنه سيعتمد على الوضع على أرض الواقع.
ويعتقد “بن فرحان” أن السياسة الخارجية في إيران يديرها المرشد الأعلى علي خامنئي، ولذلك فإن بلاده تبني تعاملها تجاه إيران على “حقيقة الوضع على أرض الواقع، وهذا ما سوف نحكم به على الحكومة الجديدة، بصرف النظر عمن يتولى السلطة”.
وتدعو الرياض إلى اتفاق أكثر شمولا بين المجموعة الدولية وإيران في فيينا ليشمل إلى جانب برنامجها النووي، تطوير إيران قدراتها الصاروخية ودعمها للمجموعات المسلحة في العراق وسوريا واليمن.
لكن الرئيس الإيراني المنتخب أوضح في مؤتمره الصحافي الوحيد بعد إعلان فوزه، أن برنامج الصواريخ الباليستية غير قابل للتفاوض”، وأن “الوضع تغيّر بعد الانتخابات الرئاسية”، وأن على المجتمع الدولي أن يدرك أن سياسة “الضغط الأقصى على إيران لم تكن مجدية”.
ويؤكد الرئيس المنتخب على علاقات بلاده الوثيقة مع ما يسمى “محور المقاومة” الذي يرعاه الحرس الثوري الإيراني المرتبط بالمرشد الأعلى.
وتتهم إسرائيل إبراهيم رئيسي بدعم حزب الله اللبناني منذ سنوات وتمويله إنفاق الحزب الذي ترى إسرائيل أنه يشكل تهديدا لأمن مناطقها الشمالية على الحدود مع لبنان.
وتعتقد إسرائيل أن انتخاب إبراهيم رئيسي “يجب أن يتبعه إصرار من المجتمع الدولي على الوقف الفوري لبرنامج إيران النووي وإنهاء طموحات إيران المدمرة في المنطقة”.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في 20 يونيو/ حزيران أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الإسرائيلية، أفيف كوخافي، ناقش في واشنطن مع مسؤولين أمريكيين التحديات الأمنية المشتركة، بما في ذلك تهديد البرنامج النووي الإيراني، وجهود طهران لتوسيع وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وإعادة تجهيز حزب الله اللبناني بالسلاح، وخطر الصواريخ الإيرانية عالية الدقة.
وتواجه إيران في العراق تحديات مرحلة ما بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني وضعف أداء خلفه إسماعيل قاآني، الذي على ما يبدو يفتقد إلى الكثير من التزام المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران بتعليماته، التي ذكرت وسائل إعلام محلية أنه في أكثر من زيارة للعراق حث قادة تلك المجموعات بالتهدئة مع الولايات المتحدة في العراق.
كما أن انتهاج مصطفى الكاظمي نهجا يختلف عن أسلافه من رؤساء الحكومات العراقية بتعزيز سلطة الدولة وكبح جماح نفوذ المجموعات الحليفة لإيران، يمثل تحديا آخر لرؤية “إبراهيم رئيسي” بدعم “محور المقاومة” التي تعد هذه المجموعات جزءا منه.
لذلك سيكون على الرئيس المنتخب إعادة صياغة علاقات بلاده مع العراق في ضوء علاقاته الوثيقة مع المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني بما ينسجم مع تلك المتغيرات التي شهدها العراق بعد اغتيال سليماني.
وكان رئيسي الذي زار العراق في فبراير/ شباط الماضي بصفته رئيسا للسلطة القضائية في إيران، قد تعهد في رسالة بعثها بعد انتهاء زيارته، بأن الشعبين العراقي والإيراني سيحملان معا راية قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس “وسينتقمون من قتلتهم، ولن يسمحوا ببقاء الاحتلال الأمريكي في منطقتنا”.
وسيكون على رئيسي مواجهة المزيد من التحديات على صعيد استمرار العقوبات الأمريكية ومفاوضات الملف النووي والأزمات الاقتصادية والسياسية في الداخل الإيراني، ومواجهة الهجمات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا أو في العمق الإيراني بوسائل شتى، منها الطائرات المسيرة والهجمات الإلكترونية وغيرهما.
وكانت نتائج الانتخابات منسجمة تماما مع إرادة المرشد الأعلى علي خامنئي في دفع التيار “المتشدد” باتجاه السيطرة على الجزء الأكبر من مراكز القرار في مرحلة حرجة تمر بها مفاوضات الملف النووي، والتوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة ثانية.
لكن ذلك لا يعني أن ثمة متغيرات جوهرية ستطرأ على السياسات الإيرانية في التعاطي مع الملفات الإقليمية، أو على العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث إن السياسات العامة يرسمها المرشد الأعلى علي خامنئي، وعلى الرئيس الإصلاحي أو المحافظ الالتزام بها، وهي سياسات تستجيب لرغبات الحرس الثوري في إنفاذ مشروع فرض النفوذ الإيراني في دول الجوار وفي عموم الشرق الأوسط.
(الأناضول)