أنقرة – لا تخفي تركيا حماسها لمهمة البقاء في أفغانستان وحماية مطار كابول في خطوة تظهر رغبة أنقرة في استثمار خروج القوات الأميركية والغربية لتحقيق طموحها الاستراتيجي في التمركز وسط آسيا وتوسيع نفوذها من خلال الوجود العسكري والاقتصادي والثقافي الذي يعمل على إحياء التاريخ المشترك مع شعوب المنطقة.
ويقول مراقبون إن أنقرة تفكّر في لعب دور مّا بعد رحيل القوات الغربية أكثر من تفكيرها في نتائج هذه الخطوة على الأرض خاصة أن مهمتها في مطار كابول ستكون دفاعية وقتالية، مرجّحين أن يكون الهدف الأول من هذه الخطوة هو التحرك كدولة محورية في الملف الأفغاني خاصة أنها قريبة من المنطقة وقادرة على تحقيق ما عجزت عنه القوات الغربية.
وقالت وزارة الدفاع التركية إن وزيري الدفاع التركي خلوصي أكار والأميركي لويد أوستن عقدا الأربعاء “اجتماعا بناء وإيجابيا” لبحث خطة وضعتها تركيا لإدارة مطار كابول وحراسته بعد انسحاب حلف شمال الأطلسي من أفغانستان.
وعرضت أنقرة إدارة المطار وحراسته بعد انسحاب قوات الناتو، وتجري محادثات مع الولايات المتحدة بشأن الدعم المالي والسياسي واللوجستي. وتأمين المطار أمر ضروري لعمل البعثات الدبلوماسية في أفغانستان بعد الانسحاب.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في بيان إن أوستن وأكار ناقشا انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان و”جددا التأكيد على أهمية توفير الأمن الملائم” في المطار. وأضافت أنهما اتفقا على التحدث مرة أخرى في المستقبل القريب.
ويرى مراقبون أن أنقرة تعرف جيدا أنها لن تكون أقدر عسكريا من الولايات المتحدة أو من الاتحاد السوفييتي اللذين اضطرا بعد سنوات من المعارك إلى الانسحاب من أفغانستان، وهو ما يظهر أنها تمتلك استراتيجية بديلة غير الرهان على القوة العسكرية المباشرة.
ويشير المراقبون إلى أن لتركيا بدائل عن الخيار العسكري لتثبيت وجودها في مطار كابول، وذلك من خلال علاقاتها داخل أفغانستان أو مع الدول المتدخلة في الملف مثل باكستان أو قطر لربط قنوات حوار متينة مع طالبان وجرّها إلى مربع التحالف الذي يجري إنشاؤه بين البلدان الثلاثة في المنطقة.
ورجّح أندريه إيسيف المحلل المتخصص في الشؤون التركية في تقرير له في موقع مودرن دبلوماسي ألاّ يقتصر طموح الرئيس التركي على تأمين أمن المطار، فهو يريد المزيد.
وتضع تركيا منطقة وسط آسيا ضمن دائرة اهتمامها، ونوعت أنشطتها ولقاءاتها في المنطقة، وكان آخر أبرز خطواتها “إعلان إسلام أباد” الذي وقعه وزراء خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، وباكستان شاه محمود قريشي، وأذربيجان جيهون بيرموف في يناير الماضي بإسلام أباد.
وتضمن الإعلان الثلاثي تعميق التعاون في مجال الدفاع والأمن، والتدريبات المشتركة وبناء القدرات وتبادل التقنيات الجديدة.
وتمهد الثقة بين أردوغان ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الطريق للتعاون العسكري والسياسي في أفغانستان. مع ملاحظة أن أنقرة تطالب بأن تلعب إسلام أباد دورا إلى جانبها في مهمة حراسة مطار كابول.
وإلحاق طالبان بهذا التحالف في ظل علاقتها المتينة مع باكستان أمر ممكن، وقد يساعد في رعاية مفاوضات بينها وبين الرئيس الحالي أشرف غني ينتج حكومة تسيطر عليها الحركة على أن تقنع الغرب ولو صوريا بإحلال السلام في البلد الغارق في الحرب منذ عقود.
ويمكن أن تلعب قطر دورا ضاغطا على حركة طالبان للقبول بهذه الصيغة من الحكم، مستفيدة من العلاقات التاريخية بين الطرفين، وخاصة من خلال توظيف ورقة التمويل التي ستكون الحركة في حاجة إليها في مرحلة سيطرتها على أفغانستان.
كما تمتلك تركيا ورقة مهمة في أفغانستان وهي القبائل من أصول تركية (المناطق الشمالية والوسطى) والتي ما تزال تتحدث اللغة التركية ولها وزن قوي مثل الأوزبك والتركمان، الذين غالبا ما يُشار إليهم باسم “الأتراك الخارجيين”، بينما تُعرف المنطقة التي يعيشون فيها باسم “تركستان الجنوبية”.
وتلعب تركيا على وتر البعد العرقي مستفيدة من توسع دائرة تنقلات القبائل من أصول تركية عبر التاريخ إلى فضاء جغرافي أوسع، وهي تعمل على إحياء هذا المشترك التاريخي عبر إظهاره في صورة براقة من خلال إنتاج المسلسلات التاريخية.
وإذا نجح الأتراك في تأمين حضورهم أمنيا وسياسيا في ملف المطار فإن ذلك سيفتح لهم الطريق للعب دور أكبر في أفغانستان والمنطقة. كما يفتح منافذ أخرى أمام التغلغل التركي الاقتصادي والأمني أيضا.
لكنّ الأمر لن يكون سهلا خاصة مع النفوذ الإيراني في البلاد واستعداد طهران للمنافسة على ملء الفراغ الذي سيتركه الغربيون بانسحابهم والاستفادة منه مثلما استفادت منه في العراق.
العرب