28 عاما على توقيعه.. كيف تسبب اتفاق أوسلو في ترسيخ الانقسام الفلسطيني؟

28 عاما على توقيعه.. كيف تسبب اتفاق أوسلو في ترسيخ الانقسام الفلسطيني؟

يرى المحللون أن اتفاق أوسلو كان محطة مفصلية في الانقسام الفلسطيني الذي تجسّد على الأرض واقعا، وأفضى إلى كيانين منفصلين سياسيا وجغرافيا في الضفة الغربية وقطاع غزة.عوض الرجوب
13/9/2021
رام الله- يوم 13 سبتمبر/أيلول 1993 أي قبل 28 عاما، وقّع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين اتفاق تشكيل “سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي” والمعروف بـ “اتفاق أوسلو” والذي مهد لمرحلة جديدة من تاريخ القضية الفلسطينية.

أمَلت منظمة التحرير أن يكون الاتفاق بداية الطريق لإقامة الدولة الفلسطينية، لكنها لم تقم، وما كان تحت سيطرة السلطة من أراضٍ بعد الاتفاق، أعادت إسرائيل احتلاله بعد أقل من 8 سنوات.كما أن مصير الموَقِعيْن على الاتفاق لم يكن طبيعيا أيضا، فقد اغتيل رابين برصاص متطرف يهودي، بعد عامين من توقيع الاتفاق، وتوفي عرفات في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 في ظروف ما زالت غامضة، رغم حديث الفلسطينيين عن “مؤامرة إسرائيلية” لاغتياله.

على الصعيد الفلسطيني الداخلي، ضرب اتفاق أوسلو إسفينا في العلاقة الشائكة بين الفصائل في ظل اختلاف البرامج والرؤى والأيديولوجيات وحتى أدوات المقاومة، وفق محللين تحدثوا للجزيرة نت.

استفحل الانقسام وتحوّل من أفكار وسياسات، لدى المكونات السياسية الفلسطينية، إلى واقع بكيانين في الضفة الغربية الخاضعة فعليا لإدارة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” وقطاع غزة الخاضع لإدارة حركة المقاومة الإسلامية “حماس”. واستفردت إسرائيل بكل كيان على حدة، وفرضت عليه ما تريد من سياسات.

وفي يونيو/حزيران 2007، انتهت اشتباكات مسلحة بين حركتي فتح وحماس، في قطاع غزة، إلى سيطرة حماس التي كانت تقود حكومة الوحدة الوطنية في حينه، وحتى اليوم لم تفلح وساطات ومحاولات عديدة في لم الشمل الفلسطيني.

إنهاء عقود من المواجهة
حملت اتفاقية أوسلو في طياتها بذور الانقسام، فقد نصت على أن “الوقت قد حان لإنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما (الفلسطينيين والإسرائيليين) المشروعة والسياسية المتبادلة”.

وفي الوقت الذي حصلت فيه إسرائيل على الاعتراف، فإن الاعتراف بالحقوق الفلسطينية لم يحدث ولم تقم الدولة الفلسطينية، ولم ينتهِ الصراع.

وفيما عدا حركة فتح، التي تشكّل عصب منظمة التحرير الموقعة على الاتفاق، برزت أطراف فلسطينية أخرى لم تعترف بالاتفاقية، وترفض الاعتراف بإسرائيل، بل وتنتهج الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، وأكبرها حركتا حماس والجهاد الإسلامي.

وبما أن الاتفاق خوّل إسرائيل “مسؤولية الأمن الإجمالي للإسرائيليين بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام” فإن تل أبيب تجد الذرائع لدخول أي منطقة فلسطينية، وهذا ما حدث في اجتياح المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية بالضفة عام 2002.

وهنا لا بد من الإشارة إلى اتفاقية “أوسلو2” المرحلية، أو اتفاقية “طابا” حيث جرت مباحثاتها، التي وُقعت رسميا في واشنطن يوم 28 سبتمبر/أيلول 1995.

وفي هذه الاتفاقية أصبحت السلطة الفلسطينية في مواجهة من يرفض الاتفاقية والحلول الانتقالية، إذ ينص البند “15” على “منع الأعمال العدوانية الموجّهة ضد الطرف الآخر، أو ضد أفراد واقعين تحت سلطة الطرف الآخر وضد ممتلكاتهم”.

مع الاتفاقية الثانية، لم يعد الانقسام بين القوى السياسية فحسب، بل قُسّمت الأراضي الفلسطينية إلى: منطقة “أ” وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية كاملة، وهذا غير مطبّق بعد الاجتياحات الإسرائيلية عام 2002، و”ب” وتخضع لإدارة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية، و”ج” وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، وتشكّل نحو 61% من أراضي الضفة.

المحلل السياسي نعمان عمرو: الانقسام قبل أوسلو كان فكريا وأيديولوجيا وبعده صار واقعا (الجزيرة)
تطبيق ما كان في الرؤوس
قبل أوسلو، لم يكن الفلسطينيون على قلب رجل واحد، بل “الانقسامات كانت حاضرة فكريا وأيديولوجيا وحتى في الوسائل النضالية” وفق نعمان عمرو المحلل السياسي والأكاديمي بجامعة القدس المفتوحة.

ويضيف “كنا منقسمين من ناحية فكرية ومن ناحية نضالية قبل أوسلو، لكن من تجليات الاتفاقية أنها عملت على تطبيق ما كان في رؤوسنا”.

ويعود بنا عمرو إلى اللحظات الأولى لتوقيع الاتفاقية “فريق كان مع الذهاب لتجربة أوسلو، وفريق آخر كان من البداية رافضا لخوض هذه التجربة”.

ويضيف أن الاتفاقية أوجدت حقائق على الأرض “فهناك مؤسسات خدماتية وسياسية أقيمت تحت سقف أوسلو المتدني”. لكن “بدل أن نتحول من الثورة إلى السلطة ومن ثم الدولة، تحولنا من ثورة إلى سلطة”. غير أن هذه السلطة “جُمّدت، وكان التعاطي معها بالحد الأدنى الذي يوفر ظروفا خدماتية، ولا يوفر ظرفا سياسيا واستقلالا وسيادة وطنية”.

وبعد أكثر من ربع قرن على توقيع الاتفاقية، يُحمّل عمرو الاحتلال مسؤولية موت “المرحلة الانتقالية” والمحددة بمدة 5 سنوات في الاتفاقية، بل والوصول إلى أسوأ منها بعد أن بات الفلسطينيون في كيانين منقسمين.

استفراد واستيطان
من جهته يعتقد سليمان بشارات مدير مركز يبوس للدراسات أن أبرز أهداف إسرائيل من اتفاقية أوسلو كان “الحصول على سند قانوني سياسي لوجودها على الأرض، وهذا تحقّق باعتراف منظمة التحرير بإسرائيل”.

وكان هذا “مدخلا لاعتراف العديد من الكيانات العربية والإقليمية والدولية وإقامة العلاقات معها، دون أن يتحقق للفلسطينيين شيء على الأرض، بل لم يعد الانقسام فلسطينيا فحسب، وإنما أصبح عربيا أيضا”.

وبحسب بشارات، فقد استفرد الاحتلال بكل من الضفة وغزة، من جهة عزز وجوده الديموغرافي في الضفة بزيادة عدد المستوطنين من حوالي 250 ألفا إلى ما يزيد على 650 ألف مستوطن، ومن جهة ثانية فصل غزة عن الضفة وفرض عليها حصارا مشددا.

وفي الوقت الذي استطاعت فيه إسرائيل تنفيذ ما تريد، لم يستطع الفلسطينيون تنفيذ أي شيء “بل العكس، أصبحت المناطق المصنفة ضمن السيطرة الأمنية والإدارية الفلسطينية مسرحا لاقتحامات قوات الاحتلال وعملياتها العسكرية في أي وقت تريد” حسب بشارات.

وبالتالي، يقول مدير مركز يبوس: تحولت السلطة الفلسطينية فعليا من كيان فلسطيني يمكن أن يكون صاحب سيادة على الأرض، إلى إدارة لشؤون الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني ومنعه من إظهار سيادته السياسية على الأرض.

وهنا يشير إلى تدخّل إسرائيل في انتخابات العام 2006 التي فازت بها حركة حماس، عندما اعتقلت العشرات من أعضاء المجلس التشريعي ووزراء الحكومة التابعين لكتلة حماس البرلمانية في ذلك الوقت.

ويضيف أن الحصار المالي والسياسي الذي فُرض على الحركة الفائزة بالانتخابات ساهم وعزز الدخول بحالة انقسام سياسي فلسطيني داخلي، أدى إلى فصل الضفة عن قطاع غزة.

ويقول بشارت إن الانقسام المستمر “لم تسمح إسرائيل بإنهائه كونه يشكل أرضية مريحة لها في فرض سياساتها على الأرض”.

اتفاق أوسلو قسم الأرض وحصر الفلسطينيين في كانتونات معزولة ومنفصلة بالضفة وغزة (الجزيرة)
محطة مفصلية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، أيضا، أن اتفاق أوسلو كان “محطة مفصلية في الانقسام” فالفلسطينيون باعتقاده “كانوا أحيانا يختلفون، لكن على أمور لا تتجسد على أرض الواقع، أما اتفاق أوسلو فجسّد انقساما عميقا واقعا”.

يقول إن فصل الضفة عن غزة، والتعامل معهما ككيانين منفصلين، كان أحد “الكوارث الناتجة عن اتفاق أوسلو” قبل أن يأتي الانقسام ليعزز ذلك.

وفي الوقت الذي استفرد فيه الاحتلال بالضفة وعزز الاستيطان وأطلق يده في مصادرة الأراضي، حاصر غزة وقفز عن “الممر الآمن” الذي كان يفترض أن يربط غزة بالضفة وفق الاتفاقية، كما قال عساف.

وخلاصة ما وصل إليه الفلسطينيون بعد 28 عاما على توقيع الاتفاقية، يقول المحلل الفلسطيني “إن أصحاب مشروع أوسلو قدّموا مصالحهم على مصالح الشعب وقضاياه الجوهرية، بما فيها حدود دولتهم وسيادتهم عليها بما فيها القدس”.

المصدر : الجزيرة