التفوق العسكري لوحده لا يكفي إسرائيل لمواجهة إيران

التفوق العسكري لوحده لا يكفي إسرائيل لمواجهة إيران

مع تصاعد التهديدات العسكرية الإسرائيلية بتوجيه ضربة إلى إيران يشكك خبراء في قدرة تل أبيب على فعل ذلك، لافتين إلى أن التفوق العسكري لوحده لا يكفي لتحقيق ذلك.

لندن – تروج إسرائيل منذ فترة لإمكانية شن هجوم واضح على إيران وهو الأمر الذي ينظر إليه خبراء على أنه تصعيد كلامي يعرف المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أنه من الصعب تحقيقه رغم تفوقهم العسكري على إيران.

بالإضافة إلى توقعات محتملة بشأن رفض الولايات المتحدة لهذه الخطوة تماما كما رفضت الإدارات الأميركية السابقة ذلك.

وسبق أن تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس مرتين عن استعداد إسرائيل لضرب إيران عسكريا لمنعها من التقدم في برنامجها النووي. وقال في إيجاز لسفراء ومبعوثين أجانب “لا أستبعد إمكانية أن تتخذ إسرائيل إجراءات في المستقبل لمنع نووية إيران”.

وزعم رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي أن “التقدم في البرنامج النووي الإيراني دفع الجيش الإسرائيلي إلى تسريع خططه العملياتية” لشن هجوم على الدولة وأن “ميزانية الدفاع التي تمت الموافقة عليها مؤخرا تهدف إلى معالجة هذا الأمر”.

إسرائيل ببساطة لا يمكنها تجاهل رغبات راعيها الرئيسي، خاصة عندما تكون أولويات السياسة الخارجية الأميركية الأساسية على المحك

وتفاخر كوخافي بتجميع فريق متخصص لتعزيز الاستعداد لضربة على المنشآت النووية الإيرانية إذا أمرت القيادة السياسية الإسرائيلية بمثل هذه الضربة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن بلاده مستعدة “للعمل بمفردها” ضد إيران إذا شعرت بالحاجة إلى ذلك عقب هجوم على ناقلة تستغلها إسرائيل قبالة سواحل عمان اتهمت تل أبيب وحلفاؤها إيران بالوقوف وراءه.

ويقول سجاد صفائي الزميل في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية بألمانيا في مقال لـ”فوريين بوليسي” إنه من المؤكد أن إسرائيل قادرة على توجيه ضربات سريعة ومدمرة للقوات المسلحة الإيرانية، في السماء والبحار، حتى دون رؤوسها النووية الجاهزة للإطلاق. ويمكن لأسطولها من الطائرات المقاتلة والقاذفات الأميركية وحده أن يهزم الدفاعات الجوية الإيرانية وقواتها الجوية المتداعية بشكل لا يمكن إصلاحه. ولا تغير حتى أنظمة الصواريخ والطائرات دون طيار التي تتمتع بقوة متزايدة ودقة وبعيدة المدى بشكل جذري ميزان القوى في السماء. باختصار، لا جدال في تفوق الجيش الإسرائيلي على القوات المسلحة الإيرانية في ما يتعلق بالمعدات العسكرية.

ويضيف “لكن هذا التفوق الهائل سيصبح أقل أهمية بكثير في حالة اندلاع حرب شاملة تجذب قوات الجيش الإسرائيلي البرية إلى ساحة المعركة. لماذا؟ منذ هزيمة الجيش الإسرائيلي المحرجة خلال حرب 2006 مع حزب الله، أصبح كبار الضباط العسكريين في إسرائيل مدركين تماما أن القوات البرية في البلاد ليست مستعدة لخوض حرب شاملة مع قوة قتالية قادرة حتى بشكل معتدل على حشد الضربة”.

كما يتضح من تحقيق إسرائيل القاسي في حرب 2006، بالإضافة إلى تقارير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والجيش الأميركي، أظهرت الحرب التي استمرت 33 يوما مع حزب الله أن القوات البرية الإسرائيلية كانت غير مستعدة لخوض حرب حقيقية مع عدو هائل.

ومنذ ذلك الحين، ظهرت بعض المؤشرات على الإجراءات العلاجية التي اتخذها جيش الدفاع الإسرائيلي لمعالجة نواقصه. ومع ذلك، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن قواته البرية قد خضعت لتحسينات جذرية منذ حرب 2006. وعندما بدأ غادي إيزنكوت فترة ولايته رئيسا للأركان العامة للجيش الإسرائيلي بعد بضعة أشهر من حرب غزة 2014، ورد أنه “وجد القوات البرية في حالة سيئة نوعا ما”. وبدت الصورة متشابهة إلى حد ما في أواخر سنة 2018 عندما حذر اللواء في الاحتياط إسحاق بريك المشرعين في اجتماع “مثير للجدل” من أن القوات البرية في البلاد غير مستعدة لحرب مستقبلية.

وإدراكا للفجوة الهائلة في درع الجيش الإسرائيلي، من غير المرجح أن تأمر أعلى المستويات العسكرية والسياسية في تل أبيب بعملية عسكرية علنية داخل الأراضي الإيرانية، مع العلم جيدا أن مثل هذا الهجوم من المرجح أن يوقع إسرائيل وإيران في دوامة تصعيد لا رجعة فيها تعد لتحريض القوات البرية للجيش الإسرائيلي سيئة الإعداد ضد القوات الإيرانية وحلفائها الإقليميين مثل حزب الله.

وبحسب صفائي “يعني الحديث عن ضربة وشيكة وغير مخفية للجيش الإسرائيلي في عمق الأراضي الإيرانية التغاضي عن قاعدة راسخة منذ عقود تحكم العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل: لا يمكن لإسرائيل ببساطة تجاهل رغبات راعيها الرئيسي ومخاوفه، خاصة عندما تكون أولويات السياسة الخارجية الأميركية الأساسية على المحك”.

ويتابع “جاء التعبير عن هذا المعيار بعبارات واضحة من شخصية لا تقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ووزير الدفاع إيهود باراك في سيرته الذاتية ‘بلادي، حياتي’”.

التفوق الهائل سيصبح أقل أهمية بكثير في حالة اندلاع حرب شاملة تجذب قوات الجيش الإسرائيلي البرية إلى ساحة المعركة

وأوضح باراك النموذج الذي شكل ومن المرجح أن يستمر في تشكيل سمات العمل الإسرائيلي ضد إيران بالقول “كانت هناك طريقتان فقط”، حيث يمكن لإسرائيل منع الإيرانيين من الحصول على سلاح نووي. وتمثلت إحدى الطرق في أن “يتصرف الأميركيون”. وكان الخيار الآخر الوحيد هو “ألا تعيق الولايات المتحدة إسرائيل عن القيام بذلك”.

لكن وفقا لباراك، فإن “العرقلة” هو بالضبط ما فعلته الإدارات الأميركية المتعاقبة ومن المرجح أن تفعله في المستقبل.

ويتساءل صفائي “لكن إذا كان ضوء واشنطن الأحمر والحسابات العسكرية الخاصة بتل أبيب قد جعلت انتهاك الجيش الإسرائيلي الصارخ للسيادة الإيرانية أمرا غير مرجح، فما الذي يمكن أن يفسر قعقعة سيوف رجال الدولة الإسرائيليين؟ إن هذه التهديدات مصممة جزئيا للاستهلاك المحلي. وفي سياق اجتماعي شديد العسكرة انجرف في العقود الأخيرة بشكل مطرد نحو اليمين المتطرف، قد يكون الحديث عن قصف إيران محاولة لعدم الظهور بمظهر الضعيف أمام الخصوم السياسيين”.

ويمكن قراءته أيضا على أنه مساومة لتعزيز موقف إسرائيل في مواجهة إدارة بايدن بشأن قضايا أقرب إلى الوطن من البرنامج النووي الإيراني. ومن خلال بث الحياة باستمرار في شبح ضرب إيران وهو مصدر قلق كبير في العواصم الغربية بسبب تداعياته الكارثية، يمكن للقادة الإسرائيليين أن يعرضوا التخلي عن خططهم غير الموجودة للدخول في حرب شاملة مع إيران مقابل مكاسب أخرى.

وقد تكون تلك المكاسب تخلي بايدن عن معارضته للتوسع الاستيطاني غير القانوني في الأراضي المحتلة والتي تشكل قضية ثانوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المزيد من المساعدات العسكرية والمالية.

العرب