السعودية وهستيريا الكراهية الأميركية غير المضمرة

السعودية وهستيريا الكراهية الأميركية غير المضمرة

“الطعنة في الظهر” التي وجهتها الولايات المتحدة لفرنسا، تقول إن هذا البلد لم يعد يؤتمن من جانب أقرب حلفائه، فكيف يجوز أن يؤتمن من جانب السعودية؟

التحالف الثلاثي المعلن الآن بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا لمواجهة الصين لم يُقصِ فرنسا من معترك نفوذ دولي حساس في بحر الصين الجنوبي وجنوب شرق آسيا، ليقول إنها لم تعد لاعبا دوليا يُعتد به، ولكنه زاد على ذلك بأن دفع أستراليا إلى إلغاء عقد لشراء غواصات تقليدية بقيمة 31 مليار يورو تعاقدت عليها مع فرنسا، بعدما عرضت عليها الولايات المتحدة غواصات نووية، لتقف في الواجهة مع القوة العسكرية الصينية.

باريس لم تتلق خبرا. ولا أحد تشاور معها. ولا أوجد معها تسوية أو عرض عليها ترضية قبل أن يتم الإعلان عن التحالف الجديد.

شيء يشبه تماما الصفقة السرية التي عقدتها إدارة باراك أوباما مع إيران في العام 2015. الرياض تلقت تلك الصفقة بذهول، مثلما تتلقى باريس الآن هذه الصفقة بذهول.

للوهلة الأولى يبدو الأمر مجرد حماقة حيال حليف كبير بوزن فرنسا، يملك كل ما يملك من نفوذ داخل الاتحاد الأوروبي وأرجاء عدة من العالم. ولكنها حماقة قائمة على هوس مرضي يتفشى في البيت الأبيض، ويمتد إلى الكونغرس والكثير من الإدارات الأخرى، حتى لكأنه حالة هستيريا عارمة وسط عالم من الفوضى، لا تعرف فيها مَنْ يريد ماذا أو على ماذا يراهن.

أعراض هذا المرض لا تظهر في مواجهة الصين وحدها. ولكنها تظهر بجلاء شديد على السعودية ودول الخليج الأخرى وكل قضايا المنطقة، لتقول إن إدارة الرئيس جو بايدن تتخبط مثل المجنون في غرفة مزدحمة، ولكنها تفعل ذلك وهي تحمل السكين.

وهناك حالة من العداء المضمر للسعودية في الولايات المتحدة تجري من تحت كل مظهر من مظاهر “التحالف” المزعوم. دافع هذه الحالة الرئيسي، حقدٌ يقوم على أن السعودية أحد أكبر مصدري النفط في العالم، وأحد أغنى الدول، وتمتلك موقعا استراتيجيا يطل على كل خطوط التجارة العالمية، وفي الوقت نفسه تعاني من عقدة الشعور بالضعف، أو تحاول أن تجعلها تبدو كذلك. وترضى أن تدفع أتاوات من أجل المحافظة على صداقة هي ليست صداقة أبدا، وتوحي بالرضى بها حتى ولو كانت قائمة على استضعاف واستهانة واستغلال شرس.

ولا بد من الاعتراف بأن قادة المملكة يدركون حجم التعقيدات التي تنطوي عليها علاقة “تحالف استراتيجي” كاذب، حتى ليمكن اعتبار إدارتها واحدة من أصعب المعادلات.

المجنون الذي يتخبط وهو يحمل السكين ليطعن كل من حوله، سوف يطعن نفسه في النهاية. فالصين خصم هادئ، يتمتع بقدر هائل من الاتزان، ولكنه قوي. ويعرف أن المجانين في البيت الأبيض لا بد لهم من عاصم.

هذا هو السبيل الأمثل بالنسبة إلى المملكة، ولكل جوارها الخليجي: أن تكون هادئة، وتتصرف مع هستيريا العداء لها باتزان، وأن تبني قوتها الخاصة.

يوفر المجنون، بانسحابه من المنطقة، فرصة لا تعوض لتحرير القرار الدفاعي. وفي الواقع يجب تشجيع الولايات المتحدة ليس على سحب بطاريات باتريوت وثاد وغيرها، بل على سحب سفنها من المنطقة أيضا، لكي تنقلها إلى بحر الصين الجنوبي. يجب إقناعها بأن الخطر الجسيم موجود هناك. وأنه يا ويل للولايات المتحدة لو أنها خسرت السباق مع الصين.

تحتاج المملكة بين 5 إلى 10 سنوات لكي تبني قوة دفاعية مستقلة تجمع بين الإنتاج المحلي وبين الاستعانة بمزيج من التكنولوجيات المستوردة. ويمكن الصبر على كل تهديد خلال هذه المدة.

العشرات من المليارات التي تنفقها المملكة كل عام يُمكن أن تستثمر على نحو أفضل، وأن تتحول إلى قاعدة صناعية وإنتاجية متعددة الأغراض. ففي العام 2020 أنفقت المملكة 57.7 مليار دولار على التسلح، وأنفقت نحو 65 مليار دولار في العام الذي سبقه، ومن المرجح أن تنفق هذا العام مبلغا قريبا من المعدل.

صناعة الصواريخ ليست معضلة تكنولوجية. إيران على فقرها وعجزها تحولت خلال السنوات العشر الماضية إلى قوة صاروخية تهدد بها دول المنطقة، كما تهدد الولايات المتحدة وإسرائيل. وعشرة مليارات سنويا سوف تكفل للسعودية أن تحقق التوازن الاستراتيجي المطلوب مع إيران، بل وأن تتفوق عليها بدرجة عالية.

ولو أنها ألقت كل ما لديها من قنابل وصواريخ على الحوثي، في يوم نحس مستمر، فإن إيران سوف تفهم، في ذلك الحين، أن اللعبة لم تعد سهلة.

تحتاج المملكة مقدارا أعلى من الثقة بالنفس. وأن تتعامل مع الذين يستغلونها ويضمرون لها الكراهية، بمقدار من الصراحة يكفي لكي يفهموا أنها لا تتوقع منهم إلا طعنا في الظهر.

يتفق بايدن مع إيران أو لا يتفق، هذا شغله. السعودية عندما تبني قوتها الخاصة، وتنشئ روابط دفاعية متنوعة لخدمة مشروعها الدفاعي المستقل، لن يعود مهما بالنسبة إليها أن يقوم المجنون بمنح إيران الأموال لكي تعزز أعمالها العدوانية في المنطقة.

وفي الواقع، فأن تحمي المملكة ظهرها من هذا الحليف الكاذب، أهم بكثير من أن تحمي نفسها من إيران. على الأقل لأن إيران عدو مكشوف. بينما المجانين المصابون بهستيريا الكراهية للسعودية “أصدقاء” ولكن يملكون من الرعونة ما يكفي لكي يلحقوا بأمنها ضررا أكبر.

فهل لا تريد الولايات المتحدة أن تزود المملكة بالمعدات العسكرية التي تحتاجها؟ “طز”. لا توجد كلمة أنسب من ذلك على الإطلاق.

وهل تريد واشنطن أن تتحالف مع إيران بسبب عجزها عن كبح أعمالها العدوانية؟ “طزين” أو ثلاثة، ولتذهب إدارة الرئيس بايدن إلى الجحيم بما تختار. فإيران قتلت من الأميركيين، وأضرت بمصالحهم أكثر مما قتلت من السعوديين أو أضرت بمصالحهم.

وهل يجرؤ الرئيس بايدن، بحماقته التي فاقت حماقات سلفه، بأن يطعن فرنسا والسعودية والإمارات في الظهر؟ يجب تشجيعه على المزيد. وهو منهج على أي حال. ذلك أن البعبع الذي يخشاه، موجود في الصين.

ولكن السعودية تحتاج أن تضع فاصلا ختاميا بين عهدين. الأول، الذي يقوم على قبول الجمع بين التحالف والكراهية المضمرة (وهي غير مضمرة الآن). والثاني الذي يقوم على استقلال القرار الاستراتيجي ببناء قوة دفاعية خاصة.

ولدى السعودية حليف يمكن أن تتكئ عليه بثقة مطلقة، لبناء قوة مشتركة، أو قوة تتكامل مع ما تبنيه. الإمارات هي هذا الحليف، الذي ما بعده حليف تجدر الثقة به.

الهدوء وتوازن العلاقات الاستراتيجية وبناء القوة الذاتية، هو السبيل.

العرب