في تطور جديد للأزمة السياسية المتفاعلة في تونس، أعلنت رئاسة مجلس النواب انطلاق الدورة البرلمانية الجديدة اليوم الجمعة، ودعت النواب إلى استئناف أعمالهم، ووصفت الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد بتجميد اختصاصات المجلس بالباطلة.
ففي بيان أصدرته مساء الجمعة، قالت رئاسة مجلس النواب إن مكتب المجلس في حالة انعقاد دائم، وحثت النواب على استئناف عملهم النيابي والرقابي في كنف الهدوء والاحترام التام لمقتضيات الدستور والقانون، كما دعتهم إلى الصمود والثبات في ما وصفتها بملحمة استعادة الديمقراطية ورمزها المتمثل في البرلمان التونسي.
وأضافت أن الدورة الثالثة للبرلمان تأتي في ظل إجراءات استثنائية ووضعية دستورية غير مسبوقة، وتحديات اقتصادية واجتماعية خانقة تتطلب من جميع التونسيين الرصانة في التعامل والحكمة في المعالجة.
إجراءات باطلة
وحمّل البيان الرئيس سعيد المسؤولية عن إغلاق المجلس وتعطيل المصالح الحيوية، وقال إن تفعيل الرئيس للفصل 80 من الدستور يعد سطوا على صلاحيات مجلس النواب.
كما قالت رئاسة مجلس نواب الشعب إن كل قرارات الرئيس المتعلقة بتجميد ثم تعليق اختصاصات هياكل المجلس، باطلة.
ووصفت المرسوم 117 الذي أصدره سعيّد في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، ويسمح له بتولي السلطتين التنفيذية والتشريعية معا، بأنه تجميع مخيف لكل السلطات بيد فرد واحد، ويتناقض مع ثورة الحرية والكرامة وقيم الديمقراطية.
ودعا البيان الرئيس التونسي إلى التراجع عن المرسوم، ورفع التجميد عن مجلس نواب الشعب، وإطلاق حوار وطني لا يقصي أحدا؛ لبحث سبل الخروج مما سماها أزمة خطيرة تهدد تماسك الدولة ووحدة الشعب.
وفي نفس البيان، عبّرت رئاسة البرلمان التونسي عن مساندتها للنواب الذي يواجهون محاكمات وصفتها بالجائرة، ونددت بما سمتها حملة تحشيد وتحريض تستهدف نواب الشعب المنتخبين، لا في مهامهم فقط بل في أشخاصهم وأعراضهم.
وفي أول رد فعل على هذا البيان، قالت نائبة من حزب حركة النهضة إنه “تم حجب موقع مجلس النواب وإغلاق حسابات الاجتماعات عن بعد الخاصة بالنواب”.
إرجاء وتجييش
وفي وقت سابق الجمعة، قال النائب عياشي زمّال إن النواب المطالِبين باستئناف العمل النيابي، وهم نحو 90 نائبا، قرروا إرجاء توجههم إلى مقر البرلمان بسبب التجييش ضدهم.
ونقلت مواقع تونسية عن زمّال قوله إنه، بعد نقاش مع زملائه الموقعين على عريضة تطالب باستئناف عمل البرلمان، تم الاتفاق على إرجاء العودة إلى الأسبوع المقبل.
وأظهرت مقاطع مصورة وصول عدد من النواب إلى محيط البرلمان سعيا لاستئناف نشاطهم بعد العطلة البرلمانية. وقال النائبان عن حركة النهضة محمد القوماني وعماد الخميري إنه تم تكليف مساعد قانوني (منفذ) بمعاينة منعهم من الدخول إلى مبنى المؤسسة التشريعية.
كما أظهرت المقاطع عددا ممن وصفوا بأنصار الرئيس سعيد وهم يرددون هتافات مناهضة لنواب البرلمان.
إجراءات أمنية
يأتي ذلك في وقت أغلقت قوات الأمن جميع المنافذ المؤدية إلى مقر البرلمان في ساحة “باردو” ومنعت حركة المارة أمام أبوابه، على خلفية دعوة أطلقها نواب في البرلمان لاستئناف أعمال المجلس.
وقد بثت وسائل إعلام محلية مقاطع مصورة تظهر إغلاق قوات الأمن الشارع المؤدي إلى بوابة مجلس النواب (المخصصة لدخول الأعضاء) بحواجز حديدية.
وكان نحو 90 نائبا قد وقعوا على بيان رفضوا فيه الإجراءات الرئاسية، خصوصا ما تعلق منها بوقف عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وقطع رواتبهم، معتبرين أنها إجراءات غير دستورية وغير شرعية.
في السياق، قالت عضوة مجلس النواب يمينة الزغلامي إنه تم إغلاق حسابات جميع النواب على منصة “ميكروسوفت تيمز” (Microsoft Teams) كما تم حجب موقع المجلس، من دون ذكر أسباب الحجب أو الجهة التي تقف وراءه.
وقد أشارت مصادر إعلامية الى أن التنسيق بين النواب، لعقد اجتماع افتراضي، قد يكون السبب وراء الحجب.
وفي 22 سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد نحو شهرين من تعليق أعمال البرلمان وحل الحكومة، أصدر سعيد إجراءات استثنائية جديدة، تضمنت استمرار تعليق أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإيقاف مِنَحِهم المالية.
وقد منحت هذه الإجراءات رئيس الجمهورية كل السلطات التشريعية والتنفيذية، دون أي إمكانية للطعن فيها أمام القضاء.
في السياق، دعا رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي إلى عودة البرلمان للعمل، بعد توافق عدد من النواب على استئناف عملهم التشريعي اليوم.
ورأى المرزوقي أن عودة البرلمان امتحان للمؤمنين بالديمقراطية من النواب الذين عليهم تحمل المسؤولية في مواجهة الانقلاب.
وأضاف أن البرلمان يجب أن يعود بغضّ النظر عن كل العيوب والمآخذ على أدائه والموقف من رئيسه.
وقد اتسعت دائرة رفض القوى السياسية لاستحواذ سعيّد على السلطات التنفيذية والتشريعية، كما تتصاعد الضغوط الغربية عليه للعودة إلى المسار الديمقراطي، بما في ذلك عودة البرلمان إلى سالف عمله.
ومن جانبها حذرت حركة النهضة أمس الرئيس سعيد من أن استمراره في العمل خارج الدستور سيفاقم أزمات البلاد، ويأتي ذلك عقب تعيينه نجلاء بودن لتشكيل حكومة بمقتضى الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سابقا.
من جهته، دعا الرئيس القضاء إلى تحمل مسؤوليته في “محاربة الفساد” وقال أمس، أثناء تسلمه تقريرا بشأن الرقابة على التصرف الإداري والمالي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إن بعض من يدّعون محاربة الفساد متورطون فيه.
وأعلن سعيد، في نفس الوقت، أنه لن يرضخ للابتزاز فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة.
في السياق، أشاد الأمين العام للاتحاد العام للشغل نور الدين الطبوبي بتعيين بودن رئيسة للحكومة، معتبرا الأمر رسالة مهمة للخارج قبل الداخل.
وأشار الطبوبي إلى أنه لا يمكن لهذا التعيين أن يصبح محل مزايدات أو نفاق، لأن الأهم هو الصورة التي ستترسخ حول بودن، وما ستتركه من أثر إيجابي.
ودعا القيادي النقابي إلى ضرورة الوعي بالوضع الراهن الذي يتطلب احترام النظام الجمهوري، وإرساء المحكمة الدستورية، وألا تكون لأيٍّ كان اليد المطلقة، وفق تعبيره.
المصدر : الجزيرة + وكالة سند + وكالات