إسلام آباد – خطت باكستان خطوة سياسية ودبلوماسية واسعة بتحويل ملف علاقتها الخاصة مع حركة طالبان الأفغانية من مهمة تحت إشراف الاستخبارات الباكستانية إلى قضية دولة مجاورة تتولى حكومة رئيس الوزراء عمران خان المساعدة في خروجها من محنة العزلة الدولية وتجميد الأرصدة.
وجمعت باكستان، برضا سعودي واضح، منظمة التعاون الإسلامي في اجتماع طارئ يرتب علاقة 57 دولة إسلامية مع حركة طالبان من دون الوصول إلى مرحلة الاعتراف بها كحركة حاكمة لأفغانستان بعد أن انهارت الحكومة الأفغانية بالتزامن مع الانسحاب الأميركي. ومنظمة التعاون الإسلامي مقرها جدة وتعد من دوائر النفوذ السياسي للرياض في العالم الإسلامي.
ويجمع خبراء الحركات الجهادية على أن طالبان هي صنيعة جهاز الاستخبارات الباكستاني الذي لم يقطع صلاته أبدا مع الحركة خلال حرب العشرين عاما التي أعقبت هجمات سبتمبر وقادت إلى التدخل الأميركي في أفغانستان.
وفيما تتصدر قطر واجهة الحضور الدبلوماسي وتضطلع بدور الوسيط، تبقى باكستان المحرك الأول للحركة والمتنفذ بشؤونها.
وكانت باكستان قد حذّرت الأحد من “عواقب وخيمة” على المجتمع الدولي إذا استمر الانهيار الاقتصادي في أفغانستان وحضّت قادة العالم على إيجاد سبل للتعامل مع قادة طالبان للمساعدة في منع حدوث كارثة إنسانية.
لم يمنح أيّ من المجتمعين في إطار منظمة التعاون الإسلامي حكومة طالبان الاعتراف الدولي الرسمي الذي تطمح إليه
واجتماع إسلام آباد الطارئ هو أكبر عملية تأهيل سياسية للحركة منذ تأسيسها في تسعينات القرن الماضي. وكانت باكستان والسعودية والإمارات الدول الثلاث الوحيدة التي اعترفت بحكومة طالبان السابقة.
وقال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إن العالم يجب أن يفصل حركة طالبان عن الأفغان العاديين.
وأضاف بحضور وزير خارجية طالبان أمير خان متقي “أتوجّه تحديدا إلى الولايات المتحدة لأقول لها إن عليها فصل الحكومة الأفغانية عن 40 مليون مواطن أفغاني، حتى لو كانت في صراع مع طالبان منذ 20 عاما”.
وتعهّدت منظمة التعاون الإسلامي بالتنسيق مع الأمم المتحدة في إطار الجهود الرامية إلى تحرير أصول أفغانية مجمّدة بمئات الملايين من الدولارات، في محاولة للتصدي للأزمة الإنسانية المتفاقمة في أفغانستان.
ودعت المنظمة إلى “تعزيز دور بعثة المنظمة في كابول ودعمها بالموارد المالية والبشرية واللوجستية حتى تضطلع بمسؤولياتها الكاملة في تنسيق عمليات الدعم الإنساني والتنموي للشعب الأفغاني”، وفق بيان أوردته على موقعها الإلكتروني.
والاجتماع هو أكبر مؤتمر بشأن أفغانستان منذ سقوط الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في أغسطس وعودة طالبان إلى السلطة. ومنذ ذلك جمّد المجتمع الدولي مساعدات وأصولا تقدّر بالمليارات من الدولارات، والبلاد على أبواب شتاء قارس.
وجاء في قرار أصدرته منظمة التعاون الإسلامي عقب الاجتماع أن البنك الإسلامي للتنمية سيقود الجهود الرامية إلى تحرير المساعدات المجمّدة في الربع الأول من العام المقبل.
وحضّت المنظمة حركة طالبان التي تتولى السلطة في أفغانستان على التقيد بـ”الواجبات المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، خصوصا في ما يتعلق بحقوق النساء والأطفال والشباب والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة”.
وقال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي إن الأزمة المتفاقمة قد تؤدي إلى مجاعة شديدة وتدفق جديد للاجئين وتصاعد للتطرف.
وأضاف خلال الاجتماع الذي ضم أيضا وزير خارجية طالبان أمير خان متقي إلى جانب وفود من الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة “لا يمكننا تجاهل خطر الانهيار الاقتصادي التام”.
كذلك تعهّدت منظمة التعاون الإسلامي الأحد بتشكيل هيئة إسلامية دولية للتواصل مع طالبان في قضايا من بينها “التسامح والاعتدال في الإسلام، والمساواة في التعليم وحقوق النساء في الإسلام”.
ولم يعترف أيّ بلد حتى الآن رسميا بحكومة طالبان ويواجه الدبلوماسيون مهمة حساسة تتمثل في توجيه المساعدات إلى الاقتصاد الأفغاني المنكوب دون دعم الإسلاميين المتشددين.
ورغم أن طالبان تعهدت أن يكون حكمها أقل تشددا مما كان عليه في فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001، استبعدت النساء إلى حد كبير من الوظائف الحكومية وبقيت المدارس الثانوية للفتيات مغلقة.
ولدى سؤاله عما إذا حضّت المنظمة طالبان على اتّباع نهج أكثر انفتاحا على صعيد حقوق النساء، قال قريشي “من الواضح أنهم يعتقدون أنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح”. وتابع “هم يقولون: دعونا نقرر في هذا الشأن في التوقيت الذي نريده”.
ولم يمنح أيّ من المجتمعين في إطار منظمة التعاون الإسلامي حكومة طالبان الاعتراف الدولي الرسمي الذي تطمح إليه، علما بأنه تم استبعاد وزير خارجية طالبان أمير خان متقي من الصورة الرسمية التي التقطت للمشاركين في الاجتماع.
وقال متقي إن حكومته “لديها الحق في أن يتم الاعتراف بها رسميا”. ولم يتضمّن القرار الصادر عن المنظمة الأحد تفاصيل وافية ولم يوفر أيّ أرقام بالنسبة إلى المساعدة المالية.
وقال قريشي “الكثيرون يريدون تقديم تبرعات لكنهم لا يريدون التبرع بشكل مباشر، يريدون آلية معينة تريحهم”. وتابع “لقد أنشئت هذه الآلية، والتبرعات ستقدم. من الواضح أنهم يدركون أهمية الوقت”. وعقد الاجتماع في ظل إجراءات أمنية مشددة، مع إغلاق إسلام آباد وإحاطة مكان الاجتماع بأسوار من الأسلاك الشائكة وإقامة حواجز بحراسة جنود وشرطة.
العرب