قبل نحو عام على انطلاق مونديال كرة القدم، دخلت قطر في موجة تجاذب واسعة شملت رياضيين ورجال دين وحتى سياسيين وجماهير حول مسألة المثلية الجنسية، حيث ينتظر الغرب أن تحترم مضيفة كأس العالم حقوق الميول الجنسية للإنسان فيما يرفض العدد الكبير من المسلمين سواء كانوا مواطنين قطريين أو لاعبي كرة قدم قبول السلطات كسر القوانين والأعراف وقبول مجاهرة المثليين بمشاعرهم على أراضي الدولة المحافظة، وهو ما يجعل الدوحة أمام تحدي إرضاء الطرفين.
واشنطن – أثار لاعبو كرة القدم الذين يتبنون وجهات نظر متعارضة حول المثلية الجنسية واستهلاك الكحول جدلا ساخنا حول العادات الإسلامية وحقوق الإنسان والعمال في المرحلة الأخيرة التي تسبق كأس العالم في قطر العام المقبل.
ويقول المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي إن في هذا الجدل شيئان يتجاوزان الحجج المحددة التي طرحتها الأطراف المتعارضة، أولا، تتخطى بعض خطوط الصدع خطوط المجتمع بدلا من أن تحرض مجتمعا مسلما ضد آخر غير مسلم.
وهذا صحيح بالنسبة إلى الجماهير في الأنظمة التي لا تهتم كثيرا بحقوق العمال وأنصار الأندية الأوروبية التي حصل عليها المشترون الخليجيون الذين لديهم جيوب ممتلئة مع استعداد للإنفاق.
جيمس دورسي: المعتقدات الراسخة قد لا تواكب الإصلاحات من أعلى إلى أسفل
لكن هذا لا يعني إنكار أن البعض في دول الخليج يهتم بالحقوق تماما مثل عدد من المشجعين الغربيين الذين ما زالوا ينتقدون قطر على الرغم من إصلاحات نظام العمل فيها.
وثانيا، تكون خطوط التقسيم أكثر وضوحا ورسوخا عندما يتعلق الأمر بالمعايير الاجتماعية والأخلاقية أكثر مما هي عليه فيما يتعلق، على سبيل المثال، بحقوق العمال.
ويأتي الانقسام حول الحقوق والمزاعم بأن الأحداث الرياضية الضخمة وغيرها تسمح للأنظمة الاستبدادية ذات السجلات المشوهة بغسل سمعتها في الوقت الذي تزيد فيه جماعات حقوق الإنسان من الضغط على قطر.
ويريد النشطاء من الدولة الخليجية إصلاح نظام العمل الذي تتبعه بشكل أكبر، وتطبيق الإصلاحات المعتمدة بشكل صحيح، ورفع جميع القيود المفروضة على حقوق المرأة.
وعلى عكس حقوق مجتمع الميم واستهلاك الكحول، تعتبر حقوق الإنسان والعمال المجال الوحيد الذي تتقاطع فيه خطوط الصدع عبر الخطوط الدينية والعرقية.
ورفض عشاق وسائقو سيارات السباق السعوديون الدعوات لمقاطعة الفورمولا 1 لبطولة هذا الشهر في جدة وكذلك فكرة الغسيل الرياضي واستخدام الرياضة لمواجهة الانتقادات لسجل حقوق الإنسان للمملكة التي كانت مغلقة عن العالم سابقا.
وقالت ريما الجفالي أول سائقة سيارات سباق محترفة في المملكة العربية السعودية “الآن يتغير الوضع، ويجب أن يدعمونا إذا أردنا ذلك”.
وبالمثل، احتفل مشجعو نيوكاسل يونايتد بشراء صندوق الثروة السيادي السعودي لناديهم حتى وإن أعرب البعض عن قلقه بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.
ولم يمنع ذلك الآلاف الذين يرتدون الزي السعودي من الترحيب بالملكية الجديدة وثروة نيوكاسل المكتشفة حديثا بمشاهد جامحة من الغناء والشرب عندما لعب النادي أول مباراة له في أكتوبر بعد الشراء.
وبدأ لاعب كرة القدم الأسترالي المثلي جوش كافالو النقاش حول الأمر عندما أعلن في أوائل نوفمبر أنه سيخشى اللعب في كأس العالم في قطر بسبب حظر الدولة الخليجية للمثلية الجنسية والعقوبات القانونية القاسية التي تتراوح من الجلد إلى فترات سجن طويلة.
وأعرب كافالو، وهو أحد اللاعبين القلائل الذين ناقشوا ميولهم الجنسية علنا، عن قلقه بعد شهر من إعلان كونه مثليا. وقال إن لاعبي كرة قدم آخرين عبروا بشكل خاص عن مخاوف مماثلة.
وأطلق الدوري الإنجليزي الممتاز، بدعم من الأندية الأعضاء، حملته لمجتمع الميم بعد وقت قصير من حديث كافالو. وتضمنت الحملة علامات قوس قزح وأربطة وشارات عُرضت في المباريات التي أقيمت بين السابع والعشرين من نوفمبر الماضي والثاني من ديسمبر الجاري.
وأصر المسؤولون القطريون في السنوات الأخيرة على أن مجتمع الميم مرحّب بهم خلال كأس العالم، لكن من المتوقع أن يحترموا المعايير التي تستهجن التعبير العلني عن الحب بغض النظر عن التوجه الجنسي.
والتقى بول أمان، مؤسس نادي كوب أوتس لمشجعي نادي ليفربول المثليين، في 2019 بمنظمي كأس العالم القطريين قبل أن يسافر إلى الدوحة مع زوجه لتقييم الوضع بنفسه.
وقال بعدها “أنا مرتاح جدا لأن نهجهم يتمثل في توفير روح ‘نرحب بالجميع’ والتي تتضمن الاحترام، وإن كان ذلك من خلال التكتم. لكنني لست متأكدا مما إذا كان سيتم قبول أعلام قوس قزح بشكل عام داخل البلد، ولكن ربما في الملاعب”.
وردا على الحملة المؤيدة للمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية بما قد يعزز مخاوف كافالو أصر أسطورة كرة القدم المصرية المتقاعد محمد أبوتريكة على أن المثلية الجنسية “لا تتوافق مع الإسلام”.
ويُعدّ أبوتريكة أحد أفضل اللاعبين المصريين في التاريخ، وهو في قطر حيث يعمل معلقا في شبكة بي إن سبورتس الرياضية التابعة للدوحة. واتهمته السلطات بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين المثيرة للجدل، وضمته إلى قائمة الإرهاب المصرية بعد رحيله إلى منفاه.
ونفى أبوتريكة مزاعم تقول إن له ميولا إخوانية. ويُذكر أن الجماعة حُظرت بعد الانقلاب العسكري في 2013 الذي أطاح بمحمد مرسي.
ولطالما اشتهر أبوتريكة بتعاطفه مع الإسلاميين، وتعاطفه مع ألتراس أهلاوي، إحدى مجموعات مشجعي كرة القدم المتشددة التي لعبت دورا حاسما في الاحتجاجات الجماهيرية في 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، ودعمه للفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر.
وقال أبوتريكة “دورنا هو الوقوف في وجه ظاهرة الشذوذ الجنسي، لأنها أيديولوجية خطيرة وأصبحت سيئة والناس لا يخجلون منها بعد الآن، سيقولون لك إن المثلية الجنسية من حقوق الإنسان، لا، لأنها ليست حقوق إنسان بل في الحقيقة ضد الإنسانية”.
واجتمع البرلمان القطري ووسائل الإعلام الموالية للدولة وأئمة المساجد في السعودية والدبلوماسيون السعوديون والأزهر، قلعة التعليم الإسلامي في القاهرة، لتجديد إدانة أبوتريكة.
منظمو كأس العالم سعوا لتهدئة المخاوف الغربية لكن المسؤولين امتنعوا عن محاولة إدارة المشاعر في الداخل
ومع ذلك، لا يزال أبوتريكة يُثير جدلا في وطنه مصر على الرغم من دعوته للأعراف الإسلامية. وجرى استبعاد لاعبين من فريقه السابق، الأهلي، من تشكيلة النادي لمصافحة لاعب كرة القدم السابق خلال كأس العالم للأندية للفيفا في قطر في فبراير الماضي.
وفي نفس الوقت، لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين أنصار النادي. واحتفل المشجعون المصريون في الملاعب القطرية بأبوتريكة خلال كأس العرب التي اختتمت نهاية هذا الأسبوع وهم يهتفون “يا تريكة”.
ويعتبر دورسي أن ما هو واضح في الجدل حول الميول الجنسية هو أن القليل من الناس، إن وجدوا، سيقتنعون بالحجج التي يطرحها الجانب المعارض. ويؤيد كلا الجانبين مواقفهما بعمق. وأفضل ما يمكن للمرء أن يأمل فيه هو أرضية وسطية يعيش فيها المرء كما يريد ويدع غيره يعيش كما يريد، وهذا ما يقترحه منظمو كأس العالم قطر 2022 على ما يبدو.
ويكمن السؤال فيما إذا كان الجدل قد سمح للجنيّ بالخروج من القمقم. وكانت وسائل الإعلام ورجال الدين الذين تسيطر عليهم الدولة إلى حد كبير، وغيرهم في قطر وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، قد أشعلوا النار. وسعت تصريحات منظمي كأس العالم القطريين إلى تهدئة المخاوف الغربية، لكن المسؤولين الحكوميين امتنعوا عن محاولة إدارة المشاعر في الداخل.
ويضيف المحلل السياسي أنه لا يوجد فائزون في هذا الجدل. ولا يربح مجتمع الميم ولا قطر إذا أسفر الجدل عن موقف تصبح فيه البيئة سامة في الفترة التي تسبق البطولة وخلال كأس العالم.
وفي حديثه إلى موقع ميدل إيست آي، لخّص مواطن مصري مقيم في الدوحة المعضلة قائلا “تواجه بي إن سبورتس موقفا صعبا. وستنتقدها منظمات حقوق الإنسان لعدم إقالة أبوتريكة. لكن القطريين سينتقدونها إذا أطردته”.
وظل لاعب ليفربول المولود في مصر، محمد صلاح، بعيدا عن المعركة حتى الآن. ومع ذلك، لم يسلم من إعادة تأكيد الأعراف الإسلامية.
وانتقدت دار الإفتاء، وهي هيئة استشارية وعدلية وحكومية مصرية إسلامية، اللاعب الشهر الماضي لعدم إدانته صراحة لاستهلاك الكحول في مقابلة على التلفزيون المصري.
وبدلا من ذلك، قال صلاح إنه لا يفكر في الكحول ولا يهتم بتجربته. وردّت دار الإفتاء “عدم التفكير في فعل الممنوعات عبادة في حد ذاتها”.
اقرأ أيضا: كأس العرب بروفة صعبة لقطر قبل المونديال
ويُعلن النقاش الأوسع حول دور الدين في التعليم والمجتمع بشكل عام تأكيد الأعراف الإسلامية. واتخذت دول الخليج خطوات مهمة في السنوات الأخيرة لتحرير الأعراف الاجتماعية. حيث رفعت المملكة العربية السعودية الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، وخففت الفصل بين الجنسين، وعززت حقوق المرأة، وقدمت الترفيه على النمط الغربي. ولكنها، مثل قطر، لم تلغ ولاية الرجل تماما. وحررت الإمارات استهلاك الكحول وسمحت بالعيش المشترك لغير المتزوجين.
واحتفلت قطر في نهاية هذا الأسبوع بعيدها الوطني باستعراض عسكري. وأكدت الدوحة إلى جانب السعودية والإمارات بشكل متزايد على الهوية الوطنية التي تحددها القومية والانتماء القومي بقدر يُحددها الدين.
واشتبك ممثلو الأزهر والبرلمانيون والناشطون والمحللون المصريون هذا الأسبوع حول الحاجة إلى حفظ القرآن واستخدام النصوص القرآنية بدلا من الشعر والأدب في دروس اللغة العربية.
وقال الصحافي إسحاق حنا، رئيس الجمعية المصرية للتنوير، إن فصل الطلاب في فئة الدين هو شكل من أشكال التمييز الذي يقسّم المجتمع. واقترح شطب الدين من المناهج الدراسية واستبداله بدورة في الأخلاق والمواطنة.
ويرى دورسي أنه في عالم يمر بمرحلة تحول اجتماعي واقتصادي، إن لم يكن سياسيا، يشير الجدل حول الأعراف النابعة من دور الخليج المتزايد في الرياضات الدولية إلى أن المعتقدات والمواقف الراسخة قد لا تواكب الإصلاحات من أعلى إلى أسفل.
العرب