كثيرة هي الأحلام التي تداعب عقل الإنسان العراقي وتستأثر بقلبه، على أملٍ بتحقيقها في العام الجديد، نترقب بشغف موعد تحقيقها، كما هي كثيرة أيضا الكوابيس والهواجس والخوف من المستقبل، التي نخشى وقوعه من استمرار للطائفية والإرهاب الساعي إلى تدمير هويتنا الوطنية.
وكثيرة هي تلك الأمنيات التي تراود عقول العراقيين في بداية هذا العام الجديد، منها ما قد تُسر البعض، ومنها ما قد تغيظ البعض الآخر.
الخوف من المستقبل، هو الهاجس الذي يشغل بال غالبية العراقيين اليوم، ويدفع أفكارهم وعقولهم إلى تصديق قارئي الفنجان، حيث بات الكثير منا، يخشى أن يمضي بنا قطار الأحداث مسرعاً، من دون العثور على فرصة أو أمنية قابلة للتحقيق، تعيد لنا بهجة الانتماء للوطن والافتخار بتاريخه وقدسيته السماوية، التي أقرت بها جميع الأديان.
كالعادة استقبل العراقيون العام الجديد، بحالة من التشاؤم والخيبة، نتيجة لاستمرار أزمة بلدهم التي دخلت عامها التاسع عشر، والتي جعلت من العراق البلد الطائفي الجديد في منطقة الشرق الأوسط، يُشار إليه المجتمع الدولي من خلال تعامله مع نظامه السياسي الذي قسم العراقيين وغيب دولتهم، لصالح من يمثل ثقافة الدين السياسي الذي فرضته الدول المارقة المهيمنة على مقدرات هذا البلد، الذي أزيل عنه درع الهوية الوطنية نتيجة الغزو الأمريكي، الذي سمح لإيران في إملاء أجندتها التاريخية الطامعة بهذا البلد، الذي شهد عليه التاريخ، تمسكه بالقيمة الحضارية التي يملكها، وإصرار مناضليه بعدم التخلي عنها بالرغم من قساوة الظروف.
وكالعادة أيضا استقبل العراق الغارق في أزمته عامه الجديد، حاله حال العديد من الدول الأخرى الآمنة بشعور بروتوكولي من البهجة والسرور من خلال إقامة الاحتفالات في بغــداد ومختلف مدن البلاد الأخرى، حيث تم تزيين شوارع بغـداد ومدن العراق الأخرى، بأشجار أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، في الوقت الذي عمدت الدولة على إطفاء الشعور بالبهجة المصطنعة، التي غيبتها الأحداث المؤلمة التي يمر بها هذا البلد، لتجعل من عملية إطلاق الألعاب النارية والاحتفالات في الشوارع التي تراعي عملها الدول الآمنة، المؤشر المُعبر الذي يجب أن يراه العالم عن نجاح العملية السياسية، ودورها في طمأنة المواطن العراقي، بالمستقبل وإشارة لفرحه باستقبال العام 2022.
استقبل العراقيون العام الجديد، بحالة من التشاؤم والخيبة، نتيجة لاستمرار أزمة بلدهم التي دخلت عامها التاسع عشر، والتي جعلت من العراق البلد الطائفي الجديد في منطقة الشرق الأوسط
ثمة أمان وتنبؤات عالم الفنجان، قد تجد طريقها بكل ما يسر إلى قلوبنا وتستأثر بعبراتها، قلوب العراقيين الباحثين عن فسحة من التفاؤل وسط عتمة الواقع الـُمر، هدفها إعادة حالة من التفاؤل ونشر الابتسامة على وجوه العراقيين، بعودة العراق سالما معافى مع بداية عام 2022، انطلاقا من الواقع الجديد الذي يرسمه المشهد العراقي الحالي في النجاح لقراءة مفرحة للمستقبل من طمأنة القلوب وإبعاد الخوف وعودة الأمل لإحلال الاستقرار والسلام، على الرغم من معرفة الجميع استحالة الوصول إلى تحقيق هذه التنبؤات لوقوعها في إطار المستقبل.
لا شك أن محاولة تكثيف جهود القوى الفاعلة في المجتمع الدولي للوصول إلى إعادة هيبة الدولة العراقية، من خلال استضافة القمة العربية، ومؤتمر بغداد الدولي، قد يساعد في إعطاء الشرعية للنظام السياسي وأحزابه الفاشلة الذي دفع الكثير من العراقيين إلى القاء اللائمة على الفساد وانهيار قطاع الصحة وغياب الدولة. حيث تعدّ عبارة «غياب الدولة» بين أكثر العبارات التي تتكرر في العراق.
وكما أن محاولات المجتمع الدولي إرجاع المكانة الإقليمية والروحية لبلاد الرافدين، التي تأثرت بشوائب التدخلات الخارجية عن طريق زيارة بابا الفاتيكان إلى مدينة «أور» لن تساهما في تحقيق أماني العراقيين باستمرار نفس العملية السياسية الفاشلة التي تحكمها الأحزاب المتناحرة على نتائج الانتخابات التي ستنهي لا محالة، كل آمال وأمنيات العراقيين في استرداد الأمن والاستقرار والازدهار لبلدهم المغلوب على أمره ولتعيد ما كنا نتمناه ونخشاه في كل بداية عام جديد.
أسدل عام 2021 ستاره، بتمنيات وأمنيات قد لا نستطيع تحقيقها، لكن تبقى التمنيات المرتبطة بمستقبل زاهر للوطن غير قابلة للتخلي عنها، لكونها تمثِّل ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، بعد أعوام حافلة بالأحداث والتطورات، أثرت ولا زالت تؤثر على العراقيين باختلاف معتقداتهم. في الوقت الذي لا يزال العراقيون تائهين هائمين وغارقين في مياه البحار والمحيطات، باحثين عن ملجأ ووطن بديل.
عراق الشموخ والعزة لا وجود له في عيون الآخرين. وبلاد الرافدين، مهد الحضارات، تعبث بها يد الطائفية وتعيدها للعصور الظلامية.
العراقيون يختلفون في الرأي والإرادة، العراقيون ينقسمون في الإيمان والعبادة، العراقيون يتخاصمون ويتصــــارعون فيما بينهم لاختيار دول الجوار في حكم البلاد وضياع السيادة.
رحل عام 2021 كما رحلت الأعوام السابقة في العراق، مثقلا بيأس وهموم العراقيين. ففي الوقت الذي تحتفل معظم أنحاء المعمورة برأس السنة الميلادية في أجواء من البهجة والسرور، يودع العراق المغلوب على أمره عاما لا يختلف عن الأعوام الماضية، دون معرفة ما يُحيك ويخطط أعداؤه لدولته وشعبه في المستقبل.
القدس العربي