أبوظبي – حمل الهجوم الحوثي على مواقع إماراتية رسائل إيرانية موجهة إلى دول الخليج وكذلك إلى الولايات المتحدة مفادها أن إيران تتجه إلى التصعيد وتستمر في تحدي رغبة مختلف الأطراف في التوصل إلى تهدئة في المنطقة سواء من خلال حل سلمي لأزمة اليمن أو بتحقيق تفاهمات عبر التفاوض بشأن الملف النووي.
كما أكد هذا الهجوم لأنصار الحوار مع إيران من دول الخليج أن حديث الدبلوماسية والابتسامات شيء ورسائل الحرس الثوري شيء آخر.
وقال مراقبون إن إيران تريد عبر استهداف مواقع نفط في أبوظبي أن تترك انطباعا يشبه الانطباع الذي ساد بعد الهجوم على منشآت أبقيق السعودية قبل أكثر من عامين، والمتمثل في أنها الطرف الوحيد الذي بيده ضمان الاستقرار الإقليمي أو زيادة منسوب الفوضى، مشيرين إلى أن الرسالة موجهة بالأساس إلى الولايات المتحدة التي يتسم موقفها بالتذبذب.
عبدالخالق عبدالله: من المحتمل أن تفسد ضربة الحوثيين الحوار الخليجي مع إيران
ويرى المراقبون أن طهران تقول لواشنطن من خلال هذا التصعيد إنها قادرة على ضرب الاستقرار الإقليمي واستهداف النفط في مواقع إنتاجه وليس فقط خلال نقله عبر المضائق الإقليمية، وهو ما يفرض على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تراجع أداءها المتعلق بالملف النووي الإيراني ومسعاها لفصله عن مطالبة دول المنطقة باستتباب الأمن.
وفي أول رد أميركي على استهداف مواقع إماراتية توعدت واشنطن بـ”محاسبة” الحوثيين، وقالت على لسان مستشار الأمن القومي جيك ساليفان “سنعمل مع الإمارات وشركائنا الدوليين على محاسبتهم”. ولا يُعرف كيف ستتولى إدارة بايدن محاسبة المتمردين المدعومين بشكل معلن من إيران؟ وهل أنها ستتراجع عن قرار رفعهم من قائمة العقوبات أم أن الأمر سيبقى مجرد تهويش؟
وكشفت وسائل إعلام أميركية فجر الثلاثاء عن تحرك إماراتي جاد من أجل إعادة إدراج جماعة الحوثي اليمنية ضمن قائمة الحكومة الأميركية للتنظيمات الإرهابية، بعد هجوم الاثنين وكذلك الاستيلاء على سفينة إماراتية قبالة الساحل اليمني. ولا يُعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستجيب لمطلب الإمارات أم ستكتفي بإدانات غامضة دون أن تتبعها أفعال؟ وما إذا كانت ستستمر في التفاوض مع إيران دون أي خطوات للضغط عليها من أجل وقف استهدافها لحلفاء واشنطن في الإقليم.
وإلى حد الآن تعتقد إدارة بايدن أنه يمكن جلب إيران إلى مربع التفاوض على الملف النووي دون أي ضغوط حقيقية عليها، خاصة بعد أن رفعت واشنطن جزءا مهما من العقوبات عن طهران، ما يحررها من الضغوط ويمنحها فرصا للمزيد من تقوية نفوذها الإقليمي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الثلاثاء إن توفير أموال لإيران قد يؤدي إلى “إرهاب على نطاق أوسع”، في تحذير واضح من تخفيف الدول الكبرى العقوبات عن طهران بالتزامن مع سعيها للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.
وأضاف بينيت في كلمة عبر الفيديو للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس “آخر شيء يمكنكم القيام به… هو ضخ عشرات المليارات من الدولارات إلى هذا النظام. لأن ما الذي ستحصلون عليه؟ إرهاب على نطاق أوسع”.
وتقاطعت مصالح طهران مع مصالح الحوثيين كما يقول مراقبون في الهجوم الأخير على أبوظبي، حيث عبرت الجماعة عن قلقها من الدور الإماراتي في معارك شبوة ومأرب الأخيرة التي تكبد فيها الحوثيون خسائر فادحة، كما ترافق ذلك مع رغبة النظام الإيراني في إضعاف دور الإمارات الإقليمي والدولي المتصاعد، والدور الذي يمكن أن تلعبه أبوظبي في أي توجهات دولية قادمة لخنق ومعاقبة طهران على خلفية تشبثها بالبرنامج النووي.
ويعتقد محللون سياسيون أن إيران ترسل رسائل متناقضة؛ فهي من ناحية تظهر رغبتها في الحوار مع دول الخليج وكذلك مع الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى تستمر في تحريك أذرعها لتنفيذ عمليات تهدد الأمن الإقليمي. كما يعتقدون أيضا أن هجوم الاثنين كان محاولة للضغط على واشنطن لتسريع الاتفاق بشأن الملف النووي من جهة، واختبار ردة فعلها ومدى قدرتها على حماية النفط من جهة ثانية.
وتزامن الهجوم على مواقع في الإمارات مع عودة دبلوماسيين إيرانيين إلى العمل ضمن البعثة الإيرانية لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة بالمملكة العربية السعودية، وذلك بعد ست سنوات من الغياب.
وقال المحللون إن إيران تريد من خلال تزامن هذين الحديثين اختبار صلابة العلاقة بين الإمارات والسعودية، لافتين كذلك إلى أنها تريد فتح قنوات حوار مع الخليجيين دون أي التزام منها تجاه الأمن الإقليمي، وهذا ما لن تقبل به الرياض وأبوظبي.
وقال المحلل السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله “من المحتمل أن تفسد ضربة الحوثيين الحوار الإماراتي والخليجي الأوسع مع إيران”.
وبعد الهجمات تحدث ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بحسب ما نقلته وكالة أنباء الإمارات. وقالت الوكالة إنهما أكدا أن هذه الأعمال “ستزيد من عزم البلدين على الاستمرار في التصدي لتلك الأعمال العدوانية”.
وأعلنت جماعة الحوثي اليمنية الثلاثاء مقتل أحد قادتها العسكريين العميد عبدالله قاسم الجنيد، مدير كلية الطيران والدفاع الجوي، في غارة جوية شنها التحالف العربي في العاصمة صنعاء. كما أعلن التحالف أنه قام “بشن ضربات جوية لمعاقل ومعسكرات ميليشيا الحوثي بالعاصمة صنعاء”، وأنه تولى تدمير مخازن ومنظومة اتصالات للطائرات المسيرة فيها تابعة للمتمردين.
وعرفت العمليات العسكرية توسّعا على جبهة مأرب، وأعلن التحالف العربي الثلاثاء مقتل 80 حوثيا في عمليات مختلفة نفذها خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
ومع بروز مؤشرات على استئناف عمليات استهداف وتتبع القيادات العسكرية والسياسية الحوثية المسؤولة عن الهجمات التي يشنها الحوثيون، لا تستبعد مصادر عسكرية يمنية أن تشهد الفترة القادمة تجددا لعمليات التحالف في مناطق ومحافظات جديدة مثل مأرب والبيضاء والجوف وكذلك الحديدة وموانئها التي يرجح أن تكون جزءا من سياسة العقاب الشديد الذي سيتعرض له الحوثيون خلال المرحلة المقبلة من الحرب اليمنية.
العرب