حدوث جائحة أخرى بسبب فايروس جديد أمر مؤكد. لكننا لا نعرف متى سيحدث ذلك، وما هي سلالة الفايروس، ومدى الخطورة التي سيكون عليها المرض.
تحذير أطلقته الدكتورة وينكنغ زهانغ، مديرة برنامج الإنفلونزا العالمي التابع لمنظمة الصحة العالمية، قبل عامين من جائحة كورونا بالتحديد عام 2018 الذي لم يكن عاما عاديا بالنسبة إلى العاملين في المنظمة الدولية لسببين: الأول، أنه صادف الذكرى المئوية لأسوأ الأزمات الصحية التي شهدتها البشرية في التاريخ الحديث، وهي جائحة الإنفلونزا المعروفة بـ”الإنفلونزا الإسبانية”.
والسبب الثاني، مخاوف أثارتها إصابة عدد من ركاب رحلة جوية بين دبي ونيويورك في سبتمبر 2018 بأعراض أشارت إلى احتمال إصابتهم بفايروس الإنفلونزا المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
عدم التيقُّن الذي أشارت إليه زهانغ هو ما يجعل الإنفلونزا مختلفة للغاية عن العديد من العوامل الأخرى المسبِّبة للأمراض. وبعد أقل من عامين، تحققت المخاوف. واجه العالم جائحة أصابت مئات الملايين من البشر ولم تتم بعد السيطرة عليها.
لم يكن الناس قبل جائحة كوفيد – 19 يعتبرون الإنفلونزا مرضًا خطيرًا. ومع ذلك، فإن الإنفلونزا تودي بحياة ما يصل إلى 650 ألف شخص سنويا.
خطورة فايروسات الإنفلونزا أنها تتحوّر بشكل مستمر لتفادي الأنظمة المناعية. وعندما يظهر متحور جديد يصيب الناس وينتشر بينهم بسهولة، لا تقف بوجهه حدود ولا تعيقه مسافات. ولأن الناس لا يملكون مناعة ضده، قد يتحول إلى جائحة.
السرعة التي ضربت بها جائحة الإنفلونزا العالم عام 1918 فاقت كل التوقعات؛ الفايروس أصاب ثلث سكان الأرض (حوالي 500 مليون شخص حينها). وعندما هدأت بعد عامين، تركت وراءها أكثر من خمسين مليون ضحية.
في الدول الغنية كانت الأقليات العرقية الأكثر تأثرا بالوباء وبالإجراءات المتبعة، بما في ذلك الجالية الآسيوية في بريطانيا والمواطنون السود في الولايات المتحدة
ولكن، أليس العالم اليوم مختلفا عما كان عليه قبل مئة عام؟
اليوم لدينا مضادات للفايروسات، ولقاحات، واختبارات لاكتشاف الإصابات وتقنيات حديثة. ولدينا إضافة إلى ذلك كله الذكاء الاصطناعي. وعلاوة على ذلك، كنا نعتقد أننا تعلّمنا من جائحات حدثت في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
بين عامي 1918 و2020 واجهت البشرية وباء الإنفلونزا في أربع مناسبات، راح ضحيتها الملايين من البشر. رغم هذا لم نتعلم..
الدليل ما خلصت إليه لجنة دعتها منظمة الصحة إلى الانعقاد لاستعراض الاستجابة لجائحة عام 2009، أكدت حينها أن “العالم غير مستعدّ للتصدي لجائحة إنفلونزا وخيمة، أو لأي حالة طوارئ عالمية مستدامة قد تهدِّد الصحة العمومية بشكل مماثل”.
عندما ظهر فايروس كوفيد – 19 في ووهان لم نكن مستعدين لمواجهته. وبدأ الناس يتحدثون عن نظرية مؤامرة، وأن الفايروس اختراع صيني أريد منه ضرب الاقتصاد الغربي، أو هو اختراع غربي استهدف الاقتصاد الصيني.
في حقيقة الأمر، إن كان هناك من مؤامرة فإن البشر هم من تآمروا على أنفسهم.
اليوم، وبعد عامين من بداية الجائحة، هناك حديث عن نهاية وشيكة. إن لم يكن هذا انتصارا فماذا يكون؟
مقارنة مع ما حدث عام 1918، بالتأكيد هذا ليس انتصارا، بل هو فشل بكل المقاييس.
الجائحة الإسبانية هدأت بعد عامين من بدايتها. ونحن اليوم على بعد عامين من بداية جائحة 2020. وهذا يثبت أننا فشلنا في التصدي للجائحة، وإن نجحنا في خفض عدد الضحايا. وعلينا الآن أن نحصي حجم الخسائر.
على المستوى الصحي خسر العالم أكثر من 5.8 مليون إنسان، وتجاوز عدد الإصابات حتى هذا اليوم 400 مليون إصابة.
الإجراءات المتبعة في مواجهة الوباء لم تكن فعالة، باعتراف منظمة الصحة العالمية التي أوصت برفع الحظر عن السفر الدولي.
لقد فشلنا في مواجهة الوباء مرتين؛ فشل في منع انتشاره، وفشلنا أكثر في كبح آثاره الاجتماعية والاقتصادية السلبية.
لقد تحولت فحوص إثبات الخلو من الإصابة إلى تجارة رابحة تتجاوز غالبا ثمن تذكرة السفر جوا.
ما نجحت فيه الإجراءات حتى الآن هو وضع أعباء وضغوط اقتصادية واجتماعية على البشر.
لقد فشلنا في مواجهة الوباء مرتين؛ فشل في منع انتشاره، وفشلنا أكثر في كبح آثاره الاجتماعية والاقتصادية السلبية.
قبل الجائحة الأخيرة تحدثت دراسة منشورة في مجلة “لانسيت” عن التأثيرات المحتملة لجائحة شبيهة بجائحة 1918 على العالم الحديث، وخلصت إلى أن “البلدان والمناطق الأقل قدرةً على التأهُّب لمواجهة الجائحات ستتأثر أكثر من غيرها”.
الفقراء بكل مكان تأثروا بالجائحة، إلا أن فقراء دول العالم الثالث، التي يشار إليها على استحياء بالدول النامية، هم من دفعوا الثمن الأكبر، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وفي الوقت الذي ساهم فيه الوباء في صناعة ملياردير جديد يوميا أصبح معظم سكان العالم أسوأ حالا بسبب الإغلاق وانخفاض نسب التجارة الدولية وتراجع أرقام السياحة.
في الدول الغنية كانت الأقليات العرقية الأكثر تأثرا بالوباء وبالإجراءات المتبعة، بما في ذلك الجالية الآسيوية في بريطانيا والمواطنون السود في الولايات المتحدة.
أما على المستوى العالمي فيبدو التفاوت أكبر. والتوقعات الخاصة بالدول الأضعف ما زالت تتراجع أكثر فأكثر، وستتسبب بالمزيد من الضرر.
في غفلة من الناس، سمحت الجائحة للتكنولوجيا الحديثة بالتسلل إلى حياتنا، دون مراعاة للأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تلحقها بالبشر، رغم أن المعركة مع الفايروس لم تحسم بعد.
ولم يحمل عام 2022 للدول النامية سوى المزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وزاد الوضع تعقيداً بسبب الجائحة وانعكاساتها السلبية على مؤشرات التنمية. وبينما حققت الأنظمة الاقتصادية في الدول الغنية مكاسب خيالية لكبار الأثرياء، فشلت في حماية الفقراء.
العرب