واشنطن – وصف مراقبون استعداد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لرفع اسم الحرس الثوري من قائمة الإرهاب -بالتوازي مع السماح لإيران بتخصيب قريب من السلاح النووي- بأنه فوضى أميركية ستكون لها نتائج سلبية على الولايات المتحدة نفسها وعلى مصالحها في الشرق الأوسط.
وتضع إدارة بايدن كل بيضها في سلة الاتفاق النووي، وهو رهان شخصي للرئيس الأميركي الذي يهدف إلى تحدي سلفه دونالد ترامب والتراجع عن خياراته في ملفات داخلية وأخرى خارجية، لكن هذه الإدارة تتجاهل النتائج الكارثية التي ستحدث فيما لو تمت الموافقة على الاتفاق وترك الوضع كما هو عليه.
واعتبر المراقبون أن بايدن واقع تحت ضغوط إيران وشروطها التي لا تتوقف، وأنها تريد أن تقايض الاتفاق بالحفاظ على دورها الأمني الإقليمي، ولهذا فهي تضغط من أجل رفع اسم الحرس الثوري من قائمة العقوبات الأميركية، وما تحمله هذه الخطوة من إطلاق يده لتنفيذ عمليات تطال أوّلا وأساسا الوجود الأميركي في العراق كما حصل في هجمات أربيل.
وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن رفْع الحرس الثوري من قائمة العقوبات سيمنحه حرية الحركة في تدريب الميليشيات الحليفة وتسليحها في العراق، وهي التي تحاول في كل مرة استهداف المصالح الأميركية لإجبار واشنطن على الانسحاب التام من العراق وتركه ساحة خاصة بإيران، محذرين من أن هذه الخطوة ستقود إلى توسيع الهوة بين إدارة بايدن ودول الخليج.
رفْع الحرس الثوري من قائمة العقوبات سيمنحه الوقت لتدريب الميليشيات وتسليحها وسيعرّض المصالح الأميركية للخطر
وكانت هجمات تم تنفيذها من العراق ضد مواقع في الإمارات قد تزامنت مع سلسلة من الهجمات بالصواريخ استهدفت أميركيين في العراق وسوريا خلال إحياء ذكرى وفاة قائد الحرس الثوري السابق قاسم سليماني، مثلما أشارت إلى ذلك مايا كارلين المحللة في مركز السياسة الأمنية بواشنطن، وهو ما يعني أن واشنطن لن تكون بمنأى عن الاستهداف، وربما يشمل الأمر مواقع أخرى، وخاصة في البحر الأحمر انطلاقا من المضايق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وكان مصدر مطلع قال الأربعاء لوكالة رويترز إن الولايات المتحدة تبحث شطب الحرس الثوري الإيراني من القائمة السوداء للتنظيمات الإرهابية الأجنبية مقابل تأكيدات من طهران بشأن كبح جماح تلك القوة النافذة.
وقال المصدر، الذي تحدث مشترطا عدم نشر هويته، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدرس إلغاء التصنيف الإرهابي “في مقابل نوع من الالتزام و/أو خطوات من جانب إيران تتعلق بالأنشطة الإقليمية أو أنشطة الحرس الثوري الإيراني الأخرى”.
ويعتقد محللون أن إدارة بايدن تضع نفسها في تناقض صارخ؛ فالحرس الثوري الذي صنفته ضمن قائمتها السوداء مازال ينفذ الهجمات التي تهدد مصالح الأميركيين وتزيد من المخاطر على حرية الملاحة وتصدير النفط من الخليج، ويدرب ميليشيات متطرفة، فكيف سيصبح الحال إذا رفعته من القائمة وأطلقت يده؟ متسائلين عما إذا كانت التعهدات الإيرانية بكبح جماح الحرس الثوري ستعني شيئا على أرض الواقع في بلد يبني سياسته على التدخلات الخارجية، ويعتقد أن الفوضى الأمنية ضرورة ملحة لتصدير الثورة؟
وقال هؤلاء المحللون إن هجوم الحرس الثوري على أربيل هو رسالة واضحة إلى واشنطن للتطبيع مع معادلة التوقيع على الاتفاق النووي والقبول بحرية استهداف المنطقة بالصواريخ الإيرانية، سواء أكان ذلك عن طريق الحرس الثوري أم من خلال الميليشيات الحليفة الموجودة في عدة دول بالمنطقة.
وإثر سؤاله عن اعتبار إيران أنه لا يزال هناك “موضوعان” عالقان مع الولايات المتحدة قبل التوصل إلى تفاهم لإحياء اتفاق عام 2015، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس تأكيد أو نفي ما إذا كان التلميح الإيراني يشير إلى ضمانات تطالب بها طهران كي لا تتم إزالة الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمجموعات الإرهابية.
لكنه أضاف “نعتقد أن بالإمكان تسوية القضايا المتبقية”، و”نحن قريبون من اتفاق محتمل لكننا لم نبلغه بعد”.
وأشار إلى أنه “لم يتبق سوى القليل من الوقت بالنظر إلى التقدم النووي الذي أحرزته طهران” نحو تطوير أسلحة نووية. وتابع “إنها مسألة ينبغي حلها بشكل عاجل”.
وتتجنب الولايات المتحدة الإشارة إلى قلق حلفائها في الخليج من المضي في اتفاق نووي لا يراعي ضبط الدور الإقليمي لإيران باتفاقيات واضحة، سواء من داخل الاتفاق أو من خلال ملحق خاص به.
وتريد دول الخليج اتفاقا نوويا مع إيران يراعي مخاوفها الأمنية ويأخذ في الحسبان أمن المنطقة بالكامل، الذي تهدده طهران عبر دعمها للميليشيات الموالية لها في كل من العراق وسوريا واليمن.
وقالت مصادر عديدة إن إلغاء تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية هو إحدى آخر القضايا وأكثرها إثارة للقلق في المحادثات غير المباشرة بشأن إحياء اتفاق 2015 الذي حدت إيران بموجبه من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
وذكر مسؤول إيراني الأسبوع الماضي أن مناقشة رفع الحرس الثوري من القائمة السوداء تجري منذ يونيو لكن القضية أصبحت أكثر تعقيدا بعد انتخاب إبراهيم رئيسي المنتمي إلى غلاة المحافظين رئيسا لإيران في الصيف الماضي.
وذكر المسؤول الإيراني، الذي تحدث شريطة عدم نشر هويته، أن الولايات المتحدة أوضحت “أنها لا تستطيع شطبه دون تنازلات كبيرة من إيران”، وهو موقف قال إن كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كني رفضه.
وتزايد النفوذ السياسي للحرس الثوري في هيكل السلطة المعقد في إيران منذ انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي تولى منصبه في أغسطس وتضم حكومته العشرات من قادة الحرس الثوري.
كما أدى انتخاب رئيسي إلى حصول فجوة استمرت خمسة أشهر في المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن إحياء الاتفاق النووي الذي سحب ترامب بلاده منه في 2018 وأعاد فرض العقوبات الأميركية على طهران، مما دفعها إلى الشروع في انتهاك قيوده النووية بعد حوالي عام.
العرب