الباحثة شذى خليل*
لا يزال الوضع الأمني في العراق غير مستقر إلى جانب تحديات كبيرة -أهمها الأمن الغذائي، وكذلك عدم اليقين السياسي والاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية بسبب البطالة وتآكل الخدمات العامة واستمرار انخفاض مستويات المعيشة، إذ تزايدت المخاوف من اضطراب السوق وارتفاع الأسعار وتراجع العملة المحلية أمام الدولار الأميركي.
أظهرت تقارير دولية ترصد السوق العراقي عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فيما يتعلق بعدد لا يحصى من العوامل التي تحكم القوة الشرائية للعراقيين وتساعد في إلقاء بعض الضوء على اتجاهات استهلاك الغذاء والتغذية في البلاد.
وتقول منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو)، إن تزايد أسعار السلع الغذائية الأساسية تؤثر بشكل مباشر على القوة الشرائية للعراقيين خاصة من أصحاب الدخل المحدود والطبقة الفقيرة التي تعتمد على القوت اليومي، لم يتم تعديل معدلات الأجور خلال العامين الماضيين، وتؤدي الحرب الأوكرانية الروسية المستمرة إلى تفاقم حالة الأمن الغذائي المتدهورة بالفعل.
الفوائد من ارتفاع أسعار النفط ستقابلها زيادة في فواتير الاستيراد. على الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي، فإن التضخم الذي كان في ارتفاع ومعه خطر الركود التضخمي.
وتعرّف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) الأمن الغذائي بأنه “توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمّية والنوعية اللازمتين لتأمين حاجاتهم بصورة مستمرة من أجل البقاء، فأساس تحقيق الأمن الغذائي هو ديمومة وجود المواد الغذائية.
وحسب التقارير فإن حالة الأمن الغذائي في العراق الآن تتفاقم بسبب التأثيرات العالمية للحرب الأوكرانية الروسية، واللذين يعدان البلدين الموردين الرئيسيين للغذاء، والطاقة والمدخلات الزراعية على الصعيد العالمي، حيث انهما مسؤولان عما يقرب من ثلث العرض العالمي للقمح، وانهما المصدرين الرئيسيين لزيت دوار الشمس، وهو ما يمثل أكثر من ثلاثة أرباع إمدادات دوار الشمس للأسواق الدولية.
وبما ان العراق بلد مستورد للغذاء، فإن أسعار المواد الغذائية الأساسية وغير الغذائية تتأثر بتغيرات الأسعار العالمية، وتقديرات منظمة الأغذية والزراعة، تقول إن حوالي 5.5 مليون طن من إنتاج الحبوب خلال موسم المحاصيل 2020/21 أقل بنسبة 38 في المائة مقارنة بـ 8.8 مليون طن خلال 2019/20. مع فشل المحاصيل في المناطق التي تعتمد على مياه الأمطار، في حين استيراد الحبوب خلال العام التسويقي 2021/22، يعد أعلى بأكثر من 35 بالمائة مقارنة بـالسنة الماضية. حوالي 3.7 مليون طن من الحبوب، ومن المتوقع أن يتم استيرادها خلال عام 2021/2022. هذا يشمل 2 مليوني طن من دقيق القمح و 1.1 مليون طن من استيراد الأرز.
بلغ متوسط مؤشر الفاو لأسعار الغذاء 140.7 نقطة في فبراير 2022 ، أعلى مستوى جديد على الإطلاق ، بزيادة 3.9 بالمائة من يناير وما يصل إلى 20.7 في المائة فوقها المستوى قبل عام. وقد أدى الارتفاع إلى زيادات كبيرة في المؤشرات الفرعية لأسعار الزيوت النباتية والألبان والحبوب.
وتعاني المؤسسات التي هي في صلب المنظومة الغذائية العراقية من سوء الإدارة والإهمال على نحو مستمر، ورغم امتلاك العراق الموارد المتنوعة والمتعددة إلا انه لم يتم استغلالها بالشكل الصحيح والسياسات المتبعة لا تخدم المرحلة الراهنة، وخوصا التدخلات الخارجية وسيطرة الأحزاب على القرارات السياسية والاقتصادية التي لا تخدم البلد.
يولد العراق أكثر من 97 في المائة من العملة الصعبة من إيرادات النفط الخام، مع الاقتصاد العالمي بعد التعافي من ازمة وباء COVID-19، حيث ارتفعت أسعار النفط العالمية مع الحرب بين أوكرانيا وروسيا وعدم اليقين حول توافر النفط الروسي ، وأسعار النفط وصلت إلى مستويات قياسية. ففي 9 مارس، بيع خام البصرة الثقيل بسعر 119.61 دولارًا أمريكيًا للبرميل، أي زاد بنسبة 40 في المائة، ولكن لا توجد استراتيجيات واضحة وفعاله للتنمية الاقتصادية للاستفادة من تلك الزيادات او على الأقل سد العجز المتراكم.
خبراء الاقتصاد يؤكدون ان الأمن الغذائي في العراق هش وغير آمن، إذ يتأثر بعوامل خارجية وداخلية، والتي تتعلق بالأزمة الخارجية كالأزمة الأوكرانية، إذ تعود أسباب ارتفاع الأسعار إلى قلة المعروض وتلكؤ عمليات الاستيراد من روسيا وأوكرانيا، وعدم وجود خطط بديله للاستيراد، أما على الصعيد الداخلي فيتمثل بسوء الإدارة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي بشكل عام، وأدت إلى زيادة الأسعار، “وعدم وضوح الاستراتيجية لتأمين الأمن الغذائي في العراق فيما يخص عملية إدارة تخزين المحاصيل والاستيراد”، هذه العوامل أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ارتفعت بعض أسعار المواد الرئيسة مثل الزيت والخبز إلى ثلاثة أضعاف، وهناك توقعات ومخاوف من زيادة الحاجة إلى المواد الغذائية بسبب زيادة الطلب وقلة العرض، وكذلك وجود قوى احتكارية تتحكم بالاستيراد وتحتكر المخزون، كل هذه العوامل الداخلية أسهمت في ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وفي السياق قال المستشار الاقتصادي مصطفى البزركان، إن العراق لا يملك خطة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي، مندداً “بعدم وجود وفرة ومخزون طوارئ لمواجهة أي أزمة أو زيادة غير معتادة في الطلب، أي لا يوجد تخزين استراتيجي من القمح أو الحبوب وكذلك من السلع الغذائية المطلوبة.
ويوضح أن الحرب في أوكرانيا مهّدت الفرص للتجار للمضاربة برفع أسعار السلع الأساسية (الطحين والسكر والزيوت)، معتقداً أن العوامل التي يُروّج لها كأسباب أدت إلى ارتفاع الأسعار في العراق، هي “أسباب واهية” كون البلاد وبحسب تصريح المتحدث باسم وزارة التجارة، لا تستورد القمح من أوكرانيا وروسيا، بل إنها تعتمد على القمح المستورد من أستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية.
ويرى بعض الخبراء لخروج العرق من ازماته المتكررة:
• تدخل الدولة مهم كمجهز رئيس للمواد الغذائية ضمن نظام البطاقة التموينية، وليس كمنافس للقطاع الخاص، وأن تكون الحصة التموينية منتظمة ومستمرة بالوصول إلى المواطن كل شهر، على العكس من الوضع الحالي، إذ يشهد مشروع البطاقة التموينية خروقات كثيرة، ويتم إيصالها للمواطن كل ثلاثة أشهر، يحصل المواطن من خلالها على مادة واحدة أو اثنتين، فضلا عن أن تجهيز البطاقة التموينية بجميع مفرداتها سيسهم في رفع الغبن عن الطبقات المهمشة. ومن خلال توفير هذا العرض للسلع الغذائية المجهزة عن طريق البطاقة التموينية، ستحافظ السوق على الاستقرار في أسعار السلع.
• الاهتمام بالقطاع الزراعي له دور مهم في استيعاب الايدي العاملة من جهة وتحقيق الامن الغذائي للبلد من جهة أخرى، ويمكن للحكومة تحفيز هذا القطاع عبر معالجة ملف الطاقة وشح المياه والاستيراد المنفلت للمنتجات الزراعية وتوفير قروض ميسرة لتشجيع هذا القطاع على الانطلاق من جديد نظرا لتوفر الطلب المحلي اللازم لاستيعاب مختلف المنتجات الزراعية من حيث الكم والنوع.
• أما القطاع الصناعي، البلد يمتلك العديد من المصانع والمنشئات العامة التي توقفت بشكل كلي بعد احتلال العراق عام 2003 ولازالت تشكل عبئا كبيرا على الدولة بسبب صرف رواتب واجور موظفيها بدون مقابل يذكر، واذا ما تم بيع وتأجير معظم هذه الممتلكات الى القطاع الخاص او لشركات اجنبية يمكن ان توفر موارد مالية جيدة وتسهم في التخفيف عن كاهل الحكومة، كما يمكن للحكومة الدخول في شراكات مع القطاع الخاص لأجل استغلال خبرة وموارد الاخير في ادارة هذا القطاع بنجاح .
• ملف الديون العراقية: لم تكن معظم تجارب البلدان النامية في الاقتراض مشجعة وانتهت في نهاية المطاف الى جدولة الديون وبيع القطاع العام والثروة الوطنية للشركات الاجنبية، ويُعتقد بأن هناك مؤامرة للاستيلاء على النفط العراقي من قبل الشركات العملاقة خصوصا بعد ما عانته من صعوبة مع المفاوض العراقي، لذا يجب الحذر من الاقتراض الدولي وبفوائد عالية خشية من السقوط في فخ المديونية.
• تفعيل النظام الضريبي، ان وضع نظام ضريبي عادل يستهدف الاوعية الضريبية الغزيرة فضلا عن تطبيق نظام ضريبي جمركي يطول كافة السلع الفاخرة والسيارات الفارهة والكماليات غير الضرورية يسهم في تحقيق إيرادات ضخمة للحكومة، مع ضرورة وضع مادة في قانون موازنة عام 2016 تلزم الإقليم على تنفيذ القوانين الضريبية النافذة مقابل استلام حصة الاقليم من الموازنة.
• كشف ملفات الفساد والقضاء عليها، الاستعانة بمؤسسات تدقيق ورقابة دولية بعيدة عن الاحزاب السياسية لتنظيم عمليات صرف النفقات ومنح العقود بشكل شفاف.
• إعادة تقييم الدينار العراقي: ينفق البنك المركزي 5 مليارات دولار شهريا من اجل الدفاع عن سعر صرف (123000 مقابل 100$)، هذا يعني مع وجود احتياطي بمقدار 50 مليار دولار، فإن صمود الدينار مقابل الدولار سيستمر في افضل الاحوال الى منتصف العام المقبل، حاصة مع شح إيرادات النفط وذهابها الى شركات النفط العاملة في العراق وتمويل عقود الاسلحة الثقيلة والخفيفة والطائرات، وهو ما يحتم على الحكومة إعادة تقييم الدينار العراقي بشكل معقول ومكافحة الفساد المالي والسياسي اللذين يعتريان مزاد بيع العملة الاجنبية منذ سنوات.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية