تتواصل المرحلة الثانية من الحرب الروسية – الأوكرانية بلا هوادة، وبات سقوط مدينة ماريوبول بالكامل مسألة وقت الآن، لكن يبدو أن الروس لا يريدون إجلاء الجنود الأوكرانيين المحاصرين داخل المدينة، وعلى الأرجح يسعون إلى عرض المقاتلين الأجانب المشاركين في الحرب، أمام العالم بأسره. وبعد ماريوبول، وضعت روسيا عينها هذه المرة على مدينتي كراماتورسك وسفرودونتسك.
من جهة أخرى، لا تزال النقاشات السياسية في المرحلة الثانية من الحرب تخيم على الأجندة العالمية، وفي هذا الصدد، قام وزير الخارجية الروسي لافروف، بمقارنة الرئيس الأوكراني زيلينسكي، بزعيم ألمانيا النازية، عندما قال مؤخرا إن أدولف هتلر «كان دمه يهودياً أيضا» مثل زيلينسكي. وردّ الرئيس الأوكراني على لافروف بالقول: «كيف يمكن قول هذا عشية ذكرى الانتصار على النازية؟ هذه الكلمات تعني أن كبير الدبلوماسيين الروس يلقي اللوم على الشعب اليهودي في جرائم النازية». لا شك في أن هذه التصريحات وما شابهها ستؤدي إلى إعادة قراءة السياسة العالمية من جديد، ولهذا يجب أن يستعد الجميع لرؤية العديد من التصريحات التي ستؤثر في السياسة العالمية عن كثب في الفترات المقبلة.
البابا فرانسيس الزعيم الروحي للكنيسة الكاثوليكية، أعلن في مقابلة مع صحيفة «إيل كورييري ديلا سيرا» الإيطالية، أنه يريد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، من أجل وقف الحرب الروسية – الأوكرانية، وتساءل: «كيف يمكن ألا تتوقف كل هذه الوحشية؟». وما أثار الانتباه في تصريحات البابا فرانسيس، حديثه عن أن توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) باتجاه الشرق، حمل روسيا على التصرف بهذه الطريقة، وأشعل فتيل الصراع. وأكّد أن طلب اللقاء صدر بعد 3 أسابيع من بدء الغزو الروسي، وقال: «أخشى ألا يستطيع وألا يريد بوتين إجراء هذا اللقاء في الوقت الراهن لكننا نصر على ذلك».
تصريح لافروف بأن هتلر كان «يهوديا» وانتقاد البابا لحلف «الناتو» يظهران ملامح المرحلة الجديدة من الحرب الروسية – الأوكرانية بكل وضوح. ومن الواضح أيضا أن تصريح البابا سيكون له تأثير ملحوظ في فرنسا وإيطاليا. من ناحية أخرى، أعلنت شركة بريتيش بتروليوم البريطانية عن أرباح بقيمة 6.5 مليار دولار، على الرغم من خسارة شركات النفط والطاقة للأموال بسبب الهجوم الروسي، ويعتبر هذا الربح الأكبر في القرنين الماضيين. في خضم العملية الروسية التي تربط خط دونباس – القرم، تُظهر المؤشرات أن أوديسا ستنضم أيضا لهذا الخط، بل سيتم الوصول حتى مولدوفا (إقليم ترانسنيستريا). وإذا تمكنت القوات الروسية من تحقيق ذلك، فلن تكتفي بقطع حدود أوكرانيا مع البحر الأسود، بل ستحقق أيضا هدف «حماية» الأقلية الروسية في مولدوفا، وهذا يعني حدوث تغيير جذري في الجغرافيا السياسية للبحر الأسود. بوتين لا يكترث للعقوبات الاقتصادية، التي يتم الإعلان عن مزيد منها أسبوعيا، فهو يرد على عدد منها ويسعى لإيجاد سبيل لتجاوز بعضها. كما يعتقد أنه يمكن تعويض الخسائر الحالية بصادرات الطاقة في ظل امتناع العديد من دول العالم، بما في ذلك الصين والهند، عن المشاركة في العقوبات الغربية على روسيا.
على الرغم من إعلان وزير الخارجية الأمريكي بلينكن خلال زيارته إلى كييف أن روسيا «فشلت» في تحقيق أهدافها، لا يتوقع أحد أن يستسلم بوتين
على الرغم من إعلان وزير الخارجية الأمريكي بلينكن خلال زيارته إلى كييف أن روسيا «فشلت» في تحقيق أهدافها، لا يتوقع أحد أن يستسلم بوتين. ويلاحظ أن بوتين بعد فشله في الإطاحة بإدارة زيلينسكي لعدم تمكنه من السيطرة على كييف، وضع تركيزه حاليا على المرحلة الثانية من العملية. لا يمكن القول إن لدى الرأي العام الروسي مشكلة في رفع الحصار عن كييف، وسوف يستطيع بوتين أن يقدم سيطرة روسيا على الأجزاء الشرقية والجنوبية من أوكرانيا على أنها «نجاح».
وبالنسبة إلى أوكرانيا، فقد أظهرت مدى القدرات التي تمتلكها بعدم السماح للروس بالسيطرة على العاصمة كييف. وستواصل الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، تزويد كييف بالأسلحة الهجومية التي تريدها. وسيؤدي ذلك إلى تحويل الحرب على خط دونباس – القرم – أوديسا إلى حرب طويلة الأمد. ويمكن التنبؤ بأن موسكو لن تتوقف حتى تسيطر على كامل الخط المرسوم في خططها.
خلاصة الكلام؛ تستمر المرحلة الثانية من الحرب بسرعة، ويبدو واضحا جدا أن تأثير هذه الحرب سيطال كل البلاد الإسلامية، خاصة الدول العربية، سياسيا واقتصاديا. كما أن تردد صدى أصوات «التكبير» في التلفزيون الروسي، وبث الجيش الأوكراني في المقابل الصلوات على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يدل على أن الدول الإسلامية سوف تنجر إلى داخل هذا المسار. وأثارت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا كذلك مشاكل الحدود التي ظلت عالقة إبان الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني أن الخلافات الحدودية العالقة منذ الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، سيكون لها تأثير في المنطقة العربية والعالم بأسره، وإذا أراد حكام الدول الإسلامية الخروج من هذه الحرب الباردة الجديدة سالمين، فعليهم أن يحتضنوا شعوبهم، ويشمروا عن سواعدهم من أجل انتهاج سياسة أكثر عدالة.
القدس العربي