لندن- لا تدخر الحكومة البريطانية أي جهد من أجل الوصول لإبرام اتفاق تبادل تجاري حر مع دول مجلس التعاون الخليجي، ويظهر أن الجولة -التي جمعت بين وزيرة التجارة الخارجية البريطانية وممثلين عن دول المجلس في الرياض خلال يونيو/حزيران الماضي- تقرب الطرفين من إبرام هذا الاتفاق.
ومنذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سنة 2016، وهي تبحث عن شركاء اقتصاديين جدد مع إيلاء أولوية خاصة لدول هذه المنطقة، وهذا راجع لعدة عوامل، منها حجم الاستثمارات الخليجية في بريطانيا، ونمو الطلب بهذه الأسواق، والقدرة الشرائية العالية لمواطنيها التي تجعلهم من أكثر السائحين إنفاقا بالمملكة المتحدة.
إنقاذ الاستثمارات الأجنبية
أظهر تقرير الاستثمار العالمي لسنة 2021 أن حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على المملكة المتحدة بلغ سنة 2020 حوالي 20 مليار دولار متراجعا بنسبة 57% مقارنة مع سنة 2019 التي بلغت حوالي 45 مليار دولار، وهي أرقام متواضعة مقارنة بسنة 2016 التي شهدت قفزة لما فوق 200 مليار دولار، قبل أن يبدأ منحنى التراجع منذ إعلان نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتراجعت جاذبية بريطانيا من المرتبة 11 عالميا في قائمة أكثر الدول جذبا للاستثمار إلى المرتبة 16 عالميا، هذا الوضع المقلق لمكانة المملكة المتحدة يجعلها لا تدخر جهدا في البحث عن مستثمرين كبار.
وهنا تظهر أهمية دول الخليج، فقطر تعتبر المستثمر الأكبر بين دول الخليج بالمملكة المتحدة بحوالي 35 مليار جنيه إسترليني، إضافة لاتفاق بين الدوحة والمملكة المتحدة على استثمارات قطرية جديدة تبلغ 10 مليارات جنيه خلال السنوات الخمس المقبلة.
كما أعلنت الإمارات عن استثمارات بقيمة 10 مليارات إسترليني خلال السنوات المقبلة بالمملكة المتحدة، في المقابل أعلنت السعودية أنها تهدف للوصول إلى ما مجموعه 64 مليار دولار عبارة عن استثمارات ومبادلات تجارية، في وقت تخوض الحكومة البريطانية مفاوضات مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي لضخ أمواله في عدد من المشاريع البريطانية.
تشجيع السياحة
يعتبر السياح القادمون من الدول الخليجية أكثر إنفاقا بالمملكة المتحدة. وبالعودة إلى سنة 2019 التي تعتبر مرجعية للنشاط السياحي قبل الإغلاق العالمي بسبب وباء كورونا، سنجد أنه في الربع الأول فقط من هذه السنة وصل أكثر من 177 ألف سائح خليجي إلى بريطانيا وأنفقوا حوالي 382 مليون جنيه إسترليني.
ويقدر معدل السياح الخليجيين الذين يصلون إلى بريطانيا بحوالي 600 ألف إلى 700 ألف سنويا، ينفقون ما يفوق مليار جنيه إسترليني على السياحة.
ولعل هذا ما دفع المملكة المتحدة للإعلان عن استفادة كل مواطني دول الخليج من الدخول بدون تأشيرة بداية من العام المقبل.
وحسب وزارة الداخلية البريطانية فإن مواطني دول التعاون الخليجي سيستفيدون من رخصة السفر الإلكترونية المعروفة اختصارا باسم “ETA” بداية من سنة 2023 وهي استمارة إلكترونية سيكون على مواطني دول الخليج تعبئتها قبل يومين من وصولهم المملكة المتحدة وليس عليهم أداء أي رسوم، ولا تقديم جوازات سفرهم ولا الحصول على بصماتهم.
وتندرج رخصة السفر الإلكترونية في سياق مشروع المملكة المتحدة لجعل المرور عبر مطاراتها إلكترونيا بنسبة 100%، وهذا يعني أنه ابتداء من العام المقبل سيتعين على أي مواطن خليجي فقط تعبئة الاستمارة في موقع تابع للداخلية وبعدها السفر نحو المملكة المتحدة وحتى عند وصوله مطارات المملكة فلن يخضع لكشف التأشيرة، وسيمر عبر بوابات إلكترونية تلخص عليه ساعات الانتظار في المطارات.
وإلى حين تفعيل هذه الرخصة خلال بداية العام المقبل، فإن مواطني دول الخليج يمكنهم الاستفادة من التأشيرة الإلكترونية التي يمكن الحصول عليها أيضا عبر موقع تابع للداخلية مع دفع رسوم في حدود 30 جنيها إسترلينيا.
تقليص التعريفة الجمركية
تسعى الحكومة البريطانية، في مفاوضاتها مع دول التعاون الخليجي، إلى تقليص كبير للتعريفة الجمركية المفروضة على المنتجات الغذائية البريطانية خصوصا تلك التي تصل إلى الأسواق السعودية والإماراتية والقطرية.
وحسب وزارة التجارة الخارجية البريطانية فإن حجم الصادرات من المواد الغذائية نحو دول الخليج بلغ خلال العام 2021 حوالي 767 مليون دولار، وتهدف الوزارة إلى تقليص كبير في التعريفة الجمركية على المعجنات والمواد الغذائية المصنوعة من القمح والحبوب وسمك السلمون والشكولاتة.
وحسب الوثائق الرسمية البريطانية فإن متوسط التعريفة الجمركية المفروضة على صادرات دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 0.4%، وهذا راجع إلى عدم تطبيق أي تعريفة جمركية على النفط والغاز القادمين من الخليج، واللذين يشكلان الجزء الأكبر من صادرات دول مجلس التعاون إلى المملكة المتحدة.
في المقابل، فإن متوسط تعريفة دول مجلس التعاون المطبقة على صادرات المملكة المتحدة تبلغ حوالي 4.8%، وهي نسبة مرتفعة، وسوف يحاول المفاوضون البريطانيون تحقيق التوازن من خلال السعي لإعفاء المنتجات الغذائية والمشروبات من التعريفة الجمركية لمنحها قدرة أكبر على التنافسية بالأسواق الخليجية.
وقد ارتفعت المبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون والمملكة المتحدة، خلال الفترة ما بين سنة 2010 و2019، لتصل إلى 41 مليار إسترليني مع نهاية سنة 2019.
وخلال هذه الفترة ارتفعت الصادرات البريطانية نحو دول الخليج بنسبة 48% (26 مليار جنيه سنة 2019) بينما ارتفعت الصادرات الخليجية نحو المملكة بنسبة 54% (15 مليار دولار).
وشهدت المبادلات بين الطرفين تراجعا كبيرا سنة 2020 بسبب وباء كورونا والإغلاق العالمي، حيث هبطت الصادرات الخليجية نحو المملكة المتحدة بنسبة 44%، أما الصادرات البريطانية فقد تراجعت بنسبة 16.3%.
المصدر : الجزيرة