بغداد – دفعت الأحداث المتسارعة في العراق الثلاثاء والمتمثلة بتعليق عمل المؤسسة القضائية إثر اعتصام أنصار التيار الصدري أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في المنطقة الخضراء في قلب العاصمة بغداد، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى قطع زيارته الحالية إلى مصر، والعودة إلى البلاد لمواجهة هذا التطور الأخير.
وبعد البرلمان، وسّع مناصرو التيار الصدري اعتصامهم الثلاثاء إلى أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في المنطقة الخضراء في بغداد، في خطوة تصعيدية في الأزمة السياسية المتواصلة منذ أكثر من 10 أشهر.
والكاظمي الذي يشارك منذ الاثنين في أعمال القمة الخماسية بمصر قطع زيارته عائدا إلى بغداد.
وقال بيان صادر عن مكتبه الثلاثاء “الكاظمي عد تعطيل عمل المؤسسة القضائية يعرض البلد إلى مخاطر حقيقية”، مؤكدا أن “حق التظاهر مكفول وفق الدستور، مع ضرورة احترام مؤسسات الدولة للاستمرار بأعمالها في خدمة الشعب”.
ودعا الكاظمي “جميع القوى السياسية إلى التهدئة، واستثمار فرصة الحوار الوطني للخروج بالبلد من أزمته الحالية”، مطالبا بـ”اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية من أجل تفعيل إجراءات الحوار الوطني، ونزع فتيل الأزمة”.
والثلاثاء، توجّه المئات من مناصري التيار الصدري إلى أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، معلنين البدء باعتصام “حتى تحقيق” لائحة مطالب أبرزها “حلّ البرلمان”، وفق بيان لإعلام التيار الصدري.
ونصب المعتصمون، الذين ارتدى أغالبهم الأسود بمناسبة شهر محرّم، الخيم أمام مبنى أعلى سلطة قضائية في البلاد، كما شاهد مراسل فرانس برس، فيما كان آخرون لا يزالون يقومون بتحضير خيمهم، وسط انتشار أمني كثيف. ورفع البعض الأعلام العراقية وآخرون صور مقتدى الصدر. بالإضافة إلى ذلك، وصلت شاحنات محمّلة بقدور طعام كبيرة إلى المكان.
قال أبوكرار العلياوي، أحد المعتصمين، متحدثا عند مجلس القضاء الأعلى “مطالبنا القضاء على الفساد”، مضيفا “نعتقد أن القضاء مهدد بالخوف… أو أنه مرتش”. وتابع “نقف هنا لتحقيق مطالبنا، وهي مطالب الشعب العراقي، وهي الإصلاح والقضاء على الفساد”.
وفي أعقاب الاعتصام، أصدر مجلس القضاء الأعلى بيانا أعلن فيه عقد اجتماع “على إثر الاعتصام المفتوح لمتظاهري التيار الصدري أمام مجلس القضاء الأعلى، للمطالبة بحل مجلس النواب عبر الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لإصدار القرار بالأمر الولائي بحل مجلس النواب وإرسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة”.
وقرّر وفق البيان “تعليق عمل مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا”، وذلك “احتجاجا على هذه التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون”.
واعتبر مجلس القضاء في بيان صدر في الرابع ىعشر من أغسطس أن “مهام مجلس القضاء… بمجملها تتعلق بإدارة القضاء فقط، وليس من بينها أي صلاحية تجيز للقضاء التدخل بأمور السلطتين التشريعية أو التنفيذية، تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية” الوارد في الدستور.
وينصّ الدستور العراقي في المادة 64 منه على أن حلّ مجلس النواب يتمّ “بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”.
وحذّر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في بيان الثلاثاء من “الأزمة الخانقة” التي “تتجه نحو غياب الشرعية وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية”، معتبرا أن ما آلت إليه الأمور “تراجع أكثر مما كان” قبل إجراء الانتخابات المبكرة، حيث إن “مجلس النواب معطل والقضاء معطل والحكومة حكومة تسيير أعمال”.
وأعلن مجلس القضاء الأعلى، عقب قراره بتعليق عمله، المباشرة بإجراءات جمع الأدلة بشأن تهديد المحكمة الاتحادية.
وقال المجلس في بيان إن “محكمة تحقيق الكرخ الأولى باشرت بإجراءات جمع الأدلة عن جريمة تهديد المحكمة الاتحادية، لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق الفاعلين”.
مقابل ذلك، صعّد تحالف “الإطار التنسيقي” الحليف لإيران، من خطابه، داعيا الشعب العراقي إلى الاستعداد العالي والجهوزية التامة للخطوة المقبلة ضد “مختطفي الدولة” لاستعادة هيبتها وسلطانها، في إشارة إلى احتجاجات أنصار “التيار الصدري” واعتصاماتهم.
وقال في بيان “ندين التجاوز الخطير على المؤسسة القضائية وتهديدات التصفية الجسدية بحق رئيس المحكمة الدستورية، ويجب على القوى السياسية الوطنية المحترمة وكذلك الفعاليات المجتمعية عدم السكوت، بل المبادرة بإدانة هذا التعدي”.
وشدد “نرفض استقبال أي رسالة من التيار الصدري أو أي دعوة للحوار المباشر، إلا بعد أن يعلن تراجعه عن احتلال مؤسسات الدولة الدستورية، والعودة إلى صف القوى التي تؤمن بالحلول السلمية الديمقراطية”، محملا الحكومة “كامل المسؤولية للحفاظ على ممتلكات الدولة وأرواح الموظفين والمسؤولين، خصوصا السلطة القضائية، التي تعتبر الصمام الوحيد الذي بقي للعراق نتيجة تسلط قوى خارجة عن الدولة على المؤسسات وفرض إرادتها خارج سلطان الدولة”.
كما دعا “الشعب العراقي بكامل شرائحه إلى الاستعداد العالي والجهوزية التامة للخطوة المقبلة التي يجب أن يقول الشعب فيها قوله ضد مختطفي الدولة لاستعادة هيبتها وسلطانها”، مطالبا المجتمع الدولي بـ”بيان موقفه الواضح أمام هذا التعدي الخطير على المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها السلطة القضائية والمؤسسة التشريعية”.
ويعيش العراق منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021، في شلل سياسي تام مع العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، في ظل خلافات سياسية متواصلة.
وارتفع مستوى التصعيد بين التيار الصدري وخصومه في الإطار التنسيقي في الثلاثين من يوليو، عندما اقتحم مناصرو الصدر مبنى البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، مطالبين بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
ويريد خصوم الصدر في الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي، من جهتهم تشكيل حكومة قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
ويقيم مناصرو الإطار التنسيقي أيضا اعتصاما أمام المنطقة الخضراء التي تضمّ مؤسسات حكومية ومقرات دبلوماسية غربية منذ الثاني عشر من أغسطس.
وفي العاشر من أغسطس، طالب مقتدى الصدر القضاء بحلّ البرلمان، لكن القضاء اعتبر أنه لا يملك هذه الصلاحية.
ولم تفض محاولات الحوار بين الطرفين إلى نتيجة بعد. وعقد قادة الكتل السياسية العراقية في قصر الحكومة في بغداد الأسبوع الماضي اجتماعا، قاطعه التيار الصدري، وكان دعا إليه الكاظمي في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة.
وشارك قياديون في الإطار التنسيقي، لاسيما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس كتلة الفتح هادي العامري، في هذا الحوار الذي حضره بالإضافة إلى الكاظمي، رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، ومبعوثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت.
وكرّر التيار الصدري أكثر من مرّة رفضه للحوار. وقال الصدر في تغريدة قبل يومين إنه قدّم “مقترحا للأمم المتحدة لجلسة حوار علنية… فلم نر جوابا ملموسا”.
وأضاف “لا يتوقعوا منّا حوارا سريا جديدا بعد ذلك”، مضيفا “لقد تنازلت كثيرا من أجل الشعب والسلم الأهلي. وننتظر ماذا في جعبتهم من إصلاح ما فسد لإنقاذ العراق”.
العرب