كلما اقتربت الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة إلا وازدادت حدة تصريحات الرئيس جو بايدن ضد الشركات النفطية حتى أنه هددها مؤخرا بفرض المزيد من الضرائب عليها، وهو ما يدفعها إلى زيادة الحذر لكن الواقع يكشف أن بايدن لا يهتم إلا بأن تكون نتائج الانتخابات لصالحه.
واشنطن – أثار الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع ضجة كبيرة في عالم الأخبار حيث وجّه أصابع الاتهام إلى صناعة النفط مرة أخرى، متهما الشركات “بالتربح من الحرب”. وقال إن أسعار البنزين ستنخفض بنحو 50 سنتا إذا سمحت الشركات للمستهلكين بالاستفادة من هذه الأرباح، لكنه هدد أيضا بأنها ستدفع ضريبة أعلى على أرباحها الزائدة وستواجه قيودا أخرى إذا لم تفعل ذلك.
وجاءت تهديدات بايدن بعد أيام قليلة من إعلان شركتي النفط العملاقتين في الولايات المتحدة “إكسون موبيل” و”شيفرون” عن أرباح وفيرة، نتيجة ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا.
ويبدو خطاب الرئيس الأميركي مألوفا ويرجع بالذاكرة إلى الصيف عندما كان يحاول اتباع نهج مشابه مع المملكة العربية السعودية. كما يتزامن خطابه مع بيان من أوبك يشير إلى أن الطلب على النفط سيستمر في النمو بقوة حتى منتصف القرن على الأقل.
وفيما زادت الأمور تعقيدا، غرد بايدن الاثنين بأن أسعار البنزين انخفضت بأكثر من 1.20 دولار للغالون منذ الذروة التي وصلت إليها هذا الصيف وانخفضت لمدة ثلاثة أسابيع متتالية. وجاءت التغريدة بعد أيام قليلة فقط من اتهامات التربح التي وجهها الرئيس الأميركي إلى صنّاع النفط.
ويصف خبراء الطاقة ومحللون سياسيون تهديدات الرئيس الأميركي بأنها تهديدات أغراضها الأساسية دعاية انتخابية، ولكنها قد تتحول إلى واقع ضريبي على تلك الشركات.
وتقول المحللة إيرينا سلاف في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي إنه من المؤكد أن هذه الصناعة حائرة تماما في الوقت الحالي. فمن ناحية، تُستهدف شركات النفط (خاصة الكبرى) بسبب أرباحها الكبيرة بتهديدات بفرض ضرائب غير متوقعة و”قيود أخرى” ذات طبيعة غير محددة بعد.
وتترافق التهديدات مع دعوات لزيادة الاستثمار في الإنتاج، وهو ما يتعارض مع أجندة انتقال الطاقة التي حددتها إدارة بايدن، كما هو منصوص عليه مؤخرا في قانون خفض التضخم. ومن منظور صناعة النفط، يطالب الرئيس الأميركي بإنفاق الأموال على ما سيصبح قريبا أصولا مهجورة إذا نجحت عملية الانتقال كما هو مخطط لها.
ومن ناحية أخرى، تقول أوبك إن الطلب على النفط لن يندثر. وذكرت في تقرير آفاق النفط العالمي الذي صدر هذا الأسبوع أنه سينمو بقوة أكبر مما كان متوقعا في السابق. وقدّرت أن الطلب العالمي على النفط سيتوسع بمقدار 2.7 مليون برميل يوميا بين السنة الحالية والعام المقبل إلى إجمالي 103 ملايين برميل يوميا. وحددت منظمة الدول المصدرة للنفط في تقريرها أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى 108.3 مليون برميل يوميا بحلول سنة 2030.
وقد يكون هذا السبب كافيا لتعزيز التنقيب، ولكن لبعض الشركات فقط. حيث وضعت معظم شركات النفط الكبرى رهانات كبيرة على مصادر طاقية أخرى مثل شحن الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين وشاحن السيارات الكهربائية لأن مستثمري الشركات دفعوها إلى هذه الخطوات. كما شاركت الإدارات أيضا، مستشعرة حدوث تحول مستمر في الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في عالم الاستثمار.
هذا لا يعني أن كبار منتجي النفط أو الشركات المستقلة الأصغر لا يمكنها زيادة الإنتاج وتجنب فرض ضرائب غير متوقعة. ربما يمكنها ذلك، لكن تصريحات الرئيس مقارنة بسياسته في مجال الطاقة ليست كافية لتحفيز المزيد من الاستثمار في الإنتاج.
ويبدو أن الصناعة تتمتع بذاكرة أفضل من الناخب العادي وتتذكر أن أول شيء فعله بايدن عندما تولى منصبه كان وقف خط أنابيب “كيستون إكس إل” لنقل النفط الخام من كندا إلى ساحل الخليج الأميركي فيما اعتبره الكثيرون الطلقة الأولى في حرب إدارته المتصورة على صناعة النفط الأميركية.
وقال الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد البترول الأميركي مايك سومرز في بيان ردا على تهديدات الرئيس بايدن لشركات النفط الكبرى بفرض ضرائب على أرباحها الزائدة إنه “ينبغي على إدارة بايدن أن تكون جادة بشأن معالجة اختلال التوازن بين العرض والطلب الذي تسبب في ارتفاع أسعار الغاز وخلق تحديات طاقة طويلة الأجل بدلا من الاعتماد على انخفاض الأسعار وإلقاء اللوم عن زيادات الأسعار”.
وأكد سومرز أن “شركات النفط لا تحدد الأسعار لأن أسواق السلع العالمية هي من تفعل ذلك. تثبط زيادة الضرائب على الطاقة الأميركية الاستثمار في الإنتاج الجديد، وهذا عكس ما هو مطلوب تماما. وتتطلع العائلات والشركات الأميركية إلى المشرعين لإيجاد حلول وليس لسماع خطب الحملات”.
وتشير المحللة سلاف إلى أن هذه المرة ليست الأولى التي تحاول فيها الصناعة أن تشرح لأعضاء إدارة بايدن، بمن فيهم الرئيس نفسه، أن أسواق الوقود ليست بالبساطة التي قد يفترضها المرء بناء على ملخصات التقارير المالية ربع السنوية. ومع ذلك، قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يهدد فيها رئيس دولة تعرف نفسها على أنها ديمقراطية الشركات الخاصة إذا استمرت في إعطاء الأولوية لمصالح مساهميها، وبعبارة أخرى، أصحابها على مصالح الإدارة، وهو كل ما يهم مع اقتراب الانتخابات النصفية الأميركية.
وفي الواقع، انخفضت أسعار البنزين في الولايات المتحدة بشكل كبير منذ ذروة الصيف وأصبحت الآن أعلى فقط بحوالي 0.35 دولار من المتوسط المعهود لهذا الوقت من العام. لكن هذا لا يكفي. ولن تكون شركات النفط قادرة على خفض الأسعار بحلول الأحد مهما فعلت.
وعلى المدى الطويل، لا يزال الوضع مربكا وغير مؤكد إلى حد كبير أيضا مما يزيد من تثبيط الصناعة عن فعل ما تريده الإدارة. وتتوقع أوبك ارتفاع الطلب على النفط، لكن وكالة الطاقة الدولية قالت قبل أيام قليلة إن الطلب على النفط سيبلغ ذروته بحلول سنة 2030.
وترى سلاف أنه لا يمكن أن يكون من السهل الإبحار في مشهد من مثل هذه التوقعات المتناقضة للطلب على النفط، الذي هو في الأساس العامل الوحيد الذي يحدد قرارات الاستثمار في صناعة النفط. لذلك، وفي سياق الكثير من الشكوك، تفعل شركات النفط ما سيفعله أي شخص في مكانها، فهي تظل حذرة في ما يتعلق بأموالها. ولن يؤدي فرض ضريبة غير متوقعة إلا إلى زيادة الحذر والتحوّط.
العرب