لم يستقر المشهد الذي ستكون عليه الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا حتى الآن على الرغم من بدء العد التنازلي لتنظيم موعدها، وبينما يتصدر الرئيس رجب طيب إردوغان منافسا عن تحالف حزبه مع “الحركة القومية”، تترقب الأوساط الاسم الخاص بالمعارضة، والضفة التي سيمضي باتجاهها “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد.
وقبل أيام أطلق “حزب الشعوب” تصريحات أثارت جدلا وأسئلة، بقوله على لسان الرئيسة المشاركة له، بيرفين بولدان، إنه سيدخل في الانتخابات المقبلة مع “مرشحه الخاص”، في إعلان أشار من خلاله إلى أنه سيبتعد عن ضفة الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” من جهة، وضفة “طاولة الستة” التي شكلتها عدة أحزاب من المعارضة، في فبراير 2022.
وجاءت هذه التصريحات في وقت تلقى فيه الحزب الموالي للأكراد حكما قضائيا بتجميد الدعم المالي المخصص له من الموازنة “مؤقتا”، وبالتزامن مع الاجتماع العاشر لـ”طاولة الستة”، من أجل البدء بعملية تسمية المرشح، بعد أشهر طويلة من الحيرة وتباين الرؤى.
ومنذ سنوات تنظر الحكومة لـ”الشعوب”، ثالث أكبر حزب في البرلمان، على أنه يرتبط بـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب، رغم نفي الأخير لذلك. وفيما يتعلق بأحزاب المعارضة، وعلى اعتبار أن ما يجمعها “منافسة إردوغان”، إلا أنها وفي المقابل لم تبد أي بوادر للتحالف معه أو التنسيق ضمن الطاولة القائمة.
ويتعلق الموقف الخاص بعدم التنسيق بوجهات النظر المتضاربة لأحزاب “الطاولة الستة”، التي كانت قد ظهرت على العلن في أواخر العام المنصرم، وتمت ترجمتها على لسان زعيمة “حزب الجيد” ذو الجذور القومية، ميرال أكشنار.
وفي حين قال نائب “حزب الشعب الجمهوري” في إسطنبول، غورسيل تيكين، في وقت سابق، إن “حزب الشعوب يمكن أن يمنح وزارة” في حال تم الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ردّت أكشنار في شهر سبتمبر 2022 بالقول: “لن نكون على الطاولة حيث يوجد حزب الشعوب الديمقراطي”.
“دعوات دون فعل”
ولطالما دعا الرئيس المشارك السابق لـ”حزب الشعوب”، المسجون، صلاح الدين دميرتاش، أحزاب المعارضة في “طاولة الستة” لاتخاذ موقف تعاون ولرسم خريطة طريق مشتركة لضمان الثقة بالفوز في الانتخابات المنتظرة، إلا أن دعواته لم تلق أي بوادر إيجابية.
وفي سبتمبر 2021 قال دميرتاش إن “المعارضة لا تحتاج إلى الانتظار حتى الانتخابات للتعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي”، و”أنها بحاجة إلى التوقيع على بروتوكول جماهيري لرسم خارطة طريق تسبق الانتخابات لضمان الثقة بالنتائج المتوقعة في مواجهة الحزب الحاكم”.
وأشار حينها أيضا إلى أن “المعارضة ما زالت تتعامل مع الديمقراطية بمنهج تكتيكي، لكنها لم تستطع تحويلها إلى هدف استراتيجي”، داعيا إلى “أخذ حزب الشعوب على محمل الجد”.
وعاد الرئيس السابق ليكرر الرسالة ذاتها، في الخامس من شهر يناير الحالي، بقوله إن “حزب الشعوب مستعد للتفاوض مع طاولة الستة”، مضيفا لمنصة “ميديا سكوب”: “ستساعد المفاوضات المفتوحة والشفافية مع حزب الشعوب في التغلب على العديد من المشاكل”.
وبالعودة إلى عام 2019، أثناء إجراء الانتخابات المحلية، فقد أثبت “الصوت الكردي” أهميته وتأثيره على السباق الذي كان يحتدم ما بين أحزاب المعارضة التركية والحزب الحاكم “العدالة والتنمية” وحليفه “الحركة القومية” على بلديتي أنقرة وإسطنبول.
وكان هذا الصوت قد نتج عنه رجحان كفة المعارضة وبالتحديد “حزب الشعب الجمهوري” في الفوز برئاسة بلدتي أنقرة وإسطنبول.
ويقول الصحفي والكاتب في موقع “هالك تي في”، إسماعيل سايماز، إن التغيّر الذي طرأ على موقف “حزب الشعوب” حاليا بإعلان المضي في الانتخابات بـ”مرشح خاص” يرتبط بما حصل في يوم الخامس من يناير.
وقبل أربعة أيام جمّدت المحكمة الدستورية “مؤقتا” حساب مساعدة الخزانة لـ”حزب الشعوب الديمقراطي”، وتزامن ذلك مع الاجتماع العاشر لـ”طاولة الستة”، إذ لم يشر بيانه المشترك إلى أي كلمة بخصوص الإجراء الصادر بحق الحزب الموالي للأكراد، على عكس التعامل الذي خصّ الحكم الصادر بالسجن لعمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو.
علاوة على ذلك، ورغم أن “حزب الشعوب” دعا المعارضة إلى العمل جنبا إلى جنب مع “وثيقة الموقف” الذي أعلن عنه في سبتمبر 2021، إلا أن “يده بقيت في الهواء”، بحسب سايماز.
وسبق أن قال نائب الرئيس المشارك لـ”حزب الشعوب”، طيب تيميل لموقع “الحرة” إن الوثيقة “ليست مجرد تحالفات يتم إجراؤها في الانتخابات. لكن بالطبع ستشير إلى المكان الذي سيقف فيه حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات”.
وفي جوهرها أضاف تيميل: “ستكون وثيقة توضح نموذج حلنا للمشكلات، لا سيما المشكلة الكردية ومشكلة دمقرطة النظام، كما أنها ستؤثر على الانتخابات، لكن سيكون لها محتوى يفوق الانتخابات”.
واعتبر المسؤول، حينها، أن أحزاب المعارضة “مترددة حتى الآن في الظهور جنبا إلى جنب مع حزب الشعوب الديمقراطي. بصفتنا حزب الشعوب الديمقراطي، نريد التأكيد في الوثيقة على أوجه القصور والمآزق في هاتين الكتلتين (الحكومة والمعارضة)، وطرح مقترحاتنا لإيجاد حلول لمشكلات تركيا الرئيسية”.
ما المتوقع؟
وفي الانتخابات الرئاسية السابقة كان “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” و”الاتحاد الكبير” قد دخلوا المنافسة سويا ضمن “تحالف الشعب”، وكان في مقابلهم “تحالف الأمة” الذي تكون من “حزب الشعب”، حزب الجيد”، الحزب الديمقراطي”، حزب السعادة”.
في المقابل دخل “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد المنافسة في ذلك الوقت منفردا، ومع التغييرات التي طرأت قبل عام لا يعرف بالتحديد تشكيلة التحالفات التي ستسود في الانتخابات المنتظرة، بعد أشهر قليلة.
ومن الممكن أن تمضي أحزاب “طاولة الستة” بتحالف موحد، وبعدة تحالفات، فيما لم تحدد بقية الأحزاب التي تقع في “الهامش” مساراتها، ومن بينها “حزب الوطن” الذي يتزعمه محرم إينجه، و”حزب النصر” الذي يرأسه أوميت أوزداغ، و”حزب الرفاه الجديد”.
وفي حال رشح “حزب الشعوب” اسما خاصا به في الانتخابات، فلن يفوز مرشح “طاولة الستة” في الجولة الأولى، وبالتالي “يبقى الاختيار في الجولة الثانية، ويمكن أن يكون الفوز حلما”، حسب الكاتب إسماعيل سايماز، معتبرا أن “حزب الشعوب يريد إظهار هذا الاحتمال لباقي أحزاب المعارضة”.
وما يؤكد على الاحتمال المذكور استطلاع الرأي الذي نشر في شهر يوليو لعام 2022، إذ فحصت شركة “ميتروبول” نتيجة تنافس المرشحين في الجولة الأولى. سواء إردوغان أو زعيم “حزب الشعب”، كمال كلشدار أوغلو أو زعيمة “حزب الجيد”، ميرال أكشنار أومرشح “حزب الشعوب”.
وأظهر الاستطلاع أن “إردوغان سيحصل على 38.3 بالمئة، كلشدار أوغلو 22.3بالمئة، أكشنار 18 بالمئة، مرشح حزب الشعوب 10 بالمئة”.
وفي استطلاع آخر لذات الشركة في شهر يونيو 2022 طرت سؤلا: هل يمكن لتحالف الأمة (المعارض) الفوز في الانتخابات الرئاسية دون أصوات حزب الشعوب الديمقراطي؟، وكان الجواب بأنه لن يفوز بنسبة 52.2 بالمئة.
بدورها اعتبرت الكاتبة في موقع “خبر تورك”، سيفيلاي يلمان، أن التحالف الذي سيلجأ إليه “حزب الشعوب” سيكون الفائز في الانتخابات المقبلة، وأنه “من الواضح أنه “سيتفاوض مع كلا التحالفين باستخدام الأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى، مهما كانت النسبة”.
“في الانتخابات لن يستجيب أي من الحلفاء لمطالب حزب الشعوب الديمقراطي، وبالتالي سيتجه الأخير لمناداة الناخبين في الجولة الثانية بأن عليكم عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع”.
وتتابع الكاتبة: “سيلتزم البعض بالدعوة ولن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، لكن البعض – معظمهم من الناخبين الذين يعيشون في المدن الكبرى – لن يمتثل للقرار وسيصوت. أولئك الذين يدلون بهذه الأصوات سيكونون هم الذين سيحددون من سيكون الرئيس الثالث عشر (الثاني في النظام الجديد) لجمهورية تركيا”.
“استراتيجية متصورة”
في غضون ذلك نقلت الكاتبة التركية في موقع “خبر تورك”، ناغيهان ألتشي، عن مصادر في “حزب الشعوب” قولها: “في سيناريو ترشيح عمدة أنقرة أو ميرال أكشنار سنقوم بترشيح مرشحنا الخاص”.
وأضافت المصادر: “هذا واضح جدا. إذا اختارت طاولة الستة يافاش أو أكشنار فهذا يعني أن أرضية المفاوضات قد اختفت”، وفي حال كان السيناريو غير ذلك “ستكون هناك بيئة حوار بناء، وسنتحدث بالطبع”.
من جهته يشير الكاتب التركي، كمال أوزتورك إلى أن “حزب الشعوب غاضب جدا من طاولة الستة”، موضحا: “فاز حزب الشعب الجمهوري بمعظم المدن الكبرى بدعمه في الانتخابات المحلية. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يرون أنهم لم يتعاونوا بشكل كاف بعد الانتخابات وفرّوا من حزب الشعوب الديمقراطي مثل الطاعون”.
ويضيف أوزتورك: “حزب الشعوب وعلى الرغم من تعرضه للظلم في العديد من القضايا، بما في ذلك قضية الإغلاق، ومصادرة مساعدات الخزينة، واعتقال النواب، إلا أنه يعتقد أن طاولة الستة لا تدعمه بما يكفي”.
وبينما يتوقع البعض أن تحسم الانتخابات من الجولة الأولى، يرى آخرون أن هذا الأمر مستبعد، إذ ستشهد “جولتين” (أولى وثانية).
ويجب أن يحصل المرشحون على نسبة “50+1” من الأصوات على الأقل ليتم انتخابهم، لكن في حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تُجرى جولة ثانية بعد 15 يوما، بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات أولا. وبعد ذلك سينتخب المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة رئيسا.
اندبندت عربي