يحاول كبار مشتري النفط أن يتحركوا جماعيا للضغط على أوبك أو أوبك+ من أجل فك سيطرتهما على تحديد حجم الإمدادات وفي نفس الوقت التحكم في الأسعار. ولحد الآن تبدو المهمة صعبة في ظل تماسك تحالف المنتجين وضبابية فكرة الكارتيل الذي يضم كبار المشترين، التي تتحفظ عليها دول مثل الهند والصين.
واشنطن – اقترح رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي فكرة اتحاد كبار مستوردي النفط ضد منتجي النفط أولا، ثم تبنت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الفكرة واستندت إليها، لكن تطبيقها على أرض الواقع ما يزال متعثرا في ظل تماسك منظمة منتجي النفط (أوبك)، وتحالف كبار المنتجين في أوبك+، ما يبقي المعادلة كما هي لحد الآن.
ووضع دراغي خطة جذرية لاحتواء ارتفاع أسعار النفط. وطرح فكرة إنشاء كارتيل يضم مستهلكي النفط في اجتماع مع الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل زيادة القوة التفاوضية على غرار الطريقة التي اجتمعت بها أكبر الدول المنتجة للنفط من خلال أوبك للاتفاق على حصص إنتاج النفط السنوية.
وقال دراغي “كلانا غير راضٍ عن الطريقة التي تسير بها الأمور، بشأن النفط بالنسبة إلى الولايات المتحدة والغاز بالنسبة إلى أوروبا. ليس للأسعار علاقة بالعرض والطلب”.
وكان الكثير من المحللين متشككين في المقابل. فمع بقاء الطلب على النفط كما هو، كان سوق النفط العالمي فعليا سوق البائعين. ويعني ذلك أن للمنتجين الدور الأكبر في تحديد اتجاه الأسعار مقارنة بالمشترين.
دعم الوقود كان الأمر الآخر الذي فعله مستوردو النفط الكبار في أوروبا للتخفيف من وطأة ارتفاع أسعار النفط
وساهمت القيود المفروضة على الطاقة الفائضة في هذا التوجه الأكبر، مما يضع مشتري النفط في موقف محفوف بالمخاطر. لكن البعض يقول إن كارتيل المشترين يمكن أن ينجح. وقد حقق نتائج إيجابية في العام الماضي، مخففا من الضربة التي كان يمكن أن يلحقها ارتفاع أسعار النفط بالعديد من البلدان المستهلكة الكبيرة.
لكن محلل السوق أفي سالزمان جادل في مقال أخير بأن ضخ إدارة بايدن 180 مليون برميل من احتياطي النفط الإستراتيجي للولايات المتحدة، وهو رقم هائل، كان مجرد خطوة ناجحة، لاسيما مع دمجه مع إصدارات احتياطي النفط الإستراتيجي من بلدان أخرى معظمها في أوروبا.
وانخفضت أسعار النفط بالفعل العام الماضي، وتداخل الانخفاض مع إصدار احتياطي البترول الإستراتيجي مما خلق تصورات بأن هذه الخطوة كانت ناجحة. لكن المتشككين أشاروا إلى أن القطاع سيحتاج إلى إعادة الـ180 مليون برميل إلى الاحتياطي الإستراتيجي بمجرد بيعها.
ولم تؤد دعوات تعزيز الإنتاج إلى مكاسب لفائدة صناعة النفط الأميركية، والتي تحولت في النهاية إلى تهديدات، إلى أي مكاسب فعلية كبيرة في الإنتاج. لذلك، يبقى مدى نجاح حركة تحرير الاحتياطي سؤالا بلا إجابة.
كما تضاءلت فكرة إخبار المشترين للبائعين بالسعر الذي يجب تحديده لما يطرحونه، واستبدلت بفكرة قطع واردات النفط الروسي لمعاقبة الرئيس فلاديمير بوتين على غزو أوكرانيا وتقليل عائداته النفطية في زمن الحرب. وهي فكرة لو نجحت ربما يتم تعميمها وفرضها على كبرى الدول المنتجة من خلال البحث عن مبررات سياسية لخطوة مماثلة.
وكانت هذه الفكرة هي التي أحرزت تقدما في مجموعة السبع ثم في الاتحاد الأوروبي الذي توصل إلى عقوبة أشد بكثير من شأنها أن تعاقب مواطنيه أيضا، حيث قرر فرض حظر كامل على النفط والغاز الروسيين. لكن مراقبين يقولون إن الخطوة قد لا تستمر طويلا، خاصة أن روسيا تهدد بوقف الإمدادات لأي بلد يبدأ بتطبيق سقف الأسعار على إنتاجها.
وقد كان حد مجموعة السبع الأقصى للأسعار يهدف إلى إبقاء النفط الروسي يتدفق إلى الأسواق العالمية مع تقليل الأموال التي يمكن أن تتلقاها روسيا مقابل ذلك. ويمكن أن يبدو هذا اعترافا كافيا بأن العالم (وخاصة الغرب) لا يمكنه التخلي عن النفط الروسي في غضون أشهر.
كما قد يشير إلى أنه لا يمكن للمشترين أن يتفوقوا على البائعين المنتظمين والمستعدين لهندسة الإنتاج بطريقة تسمح لهم بالاحتفاظ بالسيطرة على الأسعار.
وسيتعين على الاتحاد الأوروبي الذي توقف عن شراء النفط الخام الروسي المحمول بحرا استبداله بنفط شرق أوسطي من دول تتشارك روسيا معها في أوبك+.
لكن السؤال هو هل تقبل الدول الشرق أوسطية المنتجة بأن تغطي غياب الإمدادات الروسية، وهي تعرف أن تسقيف الأسعار قد يطالها هي أيضا. كما أن هذا المسار قد يمثل فرصة ملائمة للغرب لأجل ضرب التحالف النفطي أوبك+، وكذلك أوبك نفسها، وتفكيكها من الداخل بضرب كبار المنتجين ببعض.
وكان دعم الوقود الأمر الآخر الذي فعله مستوردو النفط الكبار في أوروبا للتخفيف من وطأة ارتفاع أسعار النفط. وقد دعمت الحكومات الوطنية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي روّاد البنزين والديزل لتخفيف الضربة المالية الكبيرة بالفعل القادمة من سوق الغاز. كما فرضت ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز (مما أثار استياءها) للحصول على أموال الدعم.
ووفقا لسالزمان، أظهر هذا التدخل من جانب الدول المستهلكة للنفط أن هناك بديلا لمناشدة أوبك لزيادة العرض. وكان هذا البديل موجودا دائما، بالإضافة إلى البديل المتمثل في زيادة المعروض المحلي، وهو ما فعلته الولايات المتحدة بعد حظر النفط العربي في السبعينات بما تسبب في إحدى الأزمات الاقتصادية الخطيرة في تاريخ أميركا.
لكن لسوء الحظ، وكما رأينا من البيت الأبيض، لم يحقق خيار “مناشدة أوبك” أي نتيجة. كما أن “مناشدة المنتجين المحليين” خيار ظرفي سرعان ما فشل.
ويعزو خبراء في المجال هذا الفشل إلى عدم استجابة الصين والهند كطرفين هامين في كارتيل المشترين.
تضاءلت فكرة إخبار المشترين للبائعين بالسعر الذي يجب تحديده لما يطرحونه، واستبدلت بفكرة قطع واردات النفط الروسي لمعاقبة الرئيس فلاديمير بوتين
وكان من الممكن أن يكون لأكبر مستوردي النفط الخام في العالم حتى الآن، وأكبر عملاء أعضاء أوبك+ الرائدين، الصين والهند، دور فعال في دعم وتقوية صفوف كارتيل للمشترين. لكنهما رفضتا المشاركة بينما واصلتا شراء النفط الخام الروسي منخفض التكلفة المتوفر في السوق.
وفي الآن نفسه، تخفض المملكة العربية السعودية سعر البيع الرسمي للخام للمشترين الآسيويين ومن المتوقع أن تخفضه مرة أخرى للحفاظ على حصتها في السوق الآسيوية الواسعة، حيث لا تزال توقعات الطلب غير واضحة بسبب تطورات كوفيد في الصين.
وعندما ضغطت وزارة الخارجية الأميركية لدعم فكرة أقصى سعر، بادر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى التأكيد على أن الصين هي الوجهة الأولى لصادرات المملكة النفطية، وفي ذلك رسالة واضحة مفادها أن لدى السعودية بدائل جاهزة، وأنها لن ترضخ للضغوط الأميركية. والرسالة جاءت من وزير مؤثر فهو ابن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وشقيق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الرجل الذي يرفض أي علاقة خارجية لا تقوم على الندية بما في ذلك مع واشنطن.
وفي ظل ما أبداه تحالف كبار المنتجين من تماسك، فإن الخلاصة هنا تظهر أن مشتري النفط في الولايات المتحدة وأوروبا يحتاجون إلى نفط أوبك أكثر مما تحتاج أوبك أو أوبك+ لبيعه لهؤلاء المشترين المحددين.
وترى إيرينا سلاف الكاتبة في موقع أويل برايس الأميركي المتخصص في الطاقة، أنه توجد في الولايات المتحدة حاجة إلى نفط أوبك كسلعة يتم إنتاجها من أجل وضع حد أقصى للأسعار، وبالتالي أسعار الوقود في الولايات المتحدة نفسها. وفي مثل هذه الحالة، لا يمكن توزيع ميزان القوى بين المشترين والبائعين بالتساوي.
وتبقى الغلبة لتحالف كبار المنتجين على حساب كارتيل المشترين.
العرب