لم يكن الهجوم الإسرائيلي على منطقة أصفهان (وسط) التي تتمركز فيها المنشآت النووية الإيرانية اعتباطيا، فقد جاء في توقيت مدروس يجعله يمر دون ردود فعل دولية، خاصة في ظل انشغال روسيا وعزلة إيران دوليا بعد تمكينها روسيا من مسيرات كان لها دور مؤثر في مسار الحرب في أوكرانيا.
يأتي هذا وسط تساؤلات بشأن طبيعة الهدف المستهدف في الهجوم، وهل أنه يحوي منشأة نووية أم منشأة لصواريخ فرط صوتية قد تكون إيران حصلت عليها من كوريا الشمالية.
وما يلفت الانتباه أن الهجوم الذي تم فيه الاعتماد على المسيرات قد انطلق من داخل الأراضي الإيرانية ليستهدف أصفهان، وهو ما يوحي باختراق إسرائيلي كبير داخل إيران كان قد ساعد تل أبيب على القيام بتفجيرات سابقة وتصفية باحثين وعاملين في المنشآت الإيرانية.
ويبدو أن الهجوم باعتماد المسيرات، التي يصعب التصدي لها، يستنسخ تكتيكات إيرانية كانت استخدمت في استهداف منشآت داخل السعودية انطلاقا من اليمن أو العراق.
وفي ظل التكتم الإيراني على طبيعة الهجوم والمنشأة المستهدفة رجح داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات (الموساد)، الاثنين أن منشأة أصفهان تنتج صواريخ فرط صوتية.
وقال ياتوم في تصريح لإذاعة الجيش الإسرائيلي “ستكون الصواريخ سريعة، إلى درجة أن أنظمة الدفاع الجوي للدول المتقدمة ستواجه صعوبة في ضربها”.
ولم يتسن بشكل مستقل التأكد من مدى الضرر الذي نجم عن الانفجار. وأظهر تسجيل مصور بثته وسائل إعلام رسمية إيرانية وميضا من الضوء في السماء وعربات إسعاف في مكان الحادث.
وتهدد إسرائيل
منذ وقت طويل بالقيام بعمل عسكري ضد إيران إذا فشلت الدبلوماسية في الحد من برامج إيران النووية أو الصاروخية لكنها تتبع نهج الإحجام عن التعليق على وقائع بعينها.
وقال البريجادير جنرال باتريك رايدر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) “لم تشارك أي قوات عسكرية أميركية في ضربات بإيران”.
وكان المسؤولون الأميركيون يشيرون إلى دور إسرائيلي في الهجوم الذي كانت صحيفة وول ستريت جورنال أول من أورد نبأ بشأنه، وذلك نقلا عن عدة مصادر لم تذكرها بالاسم.
ولم تحمّل طهران أي جهة مسؤولية ما وصفه وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان بالهجوم “الجبان” الذي كان يستهدف إثارة “حالة من عدم الأمن” في إيران. لكن التلفزيون الإيراني بث تصريحات للنائب حسين ميرزاعي قال فيها إن هناك “تكهنات قوية” بأن إسرائيل وراء ذلك.
إن الغارة الاسرائيلية الأخيرة والتي تمت بصورة مباغتة ومذهلة في دقة تخطيطها وتنفيذها، على أحد أهم وأقوى المنشآت العسكرية الإيرانية التي يتحمل الحرس الثوري الإيراني بامكاناته وقدراته الهائلة مسئولية تحصينها وتأمين الحماية الضرورية لها ، جاءت لتضع النظام الايراني الحاكم في مأزق بالغ الصعوبة والتعقيد حول ما يجب ان يكون عليه الرد الايراني المناسب علي هذا الهجوم الذي قد يكون مجرد بروفة عملية او تجربة ميدانية حية لما سوف يعقبه من عمليات انتقائية ومخططة علي مواقع استراتيجية اخرى، عمليات قد تكون أبعد مدى وأكثر حساسية بالمعايير الأمنية من تلك التي حدثت في اصفهان واذهلت العالم كله.
فالتصعيد مع اسرائيل برد انتقامي ايراني قوي وحاسم ، سوف يوفر لإسرائيل الذريعة المطلوبة لجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب معها ضد إيران، وقد يكون هذا السيناريو جاهزا فعلا للتنفيذ ومتوافقا علي طبيعته وتفاصيله بين الطرفين الامريكي والاسرائيلي، ودور إسرائيل فيه الآن هو التحرش بإيران وجرها إلى الحرب والنظام منشعل بمعاركه في الداخل، وليتغير الموقف الامريكي بعدها من التظاهر بالابتعاد الي التدخل الفعلي ، ومن الدعم بالاقوال والتصريحات الي المساندة الكاملة بالقوة المسلحة والتي قد تفاجئ ايران بما لم يكن واردا في حساباتها وتوقعاتها.
ولهذا، فإن ايران سوف تكتفي، بالتهديد بالرد علي ان تبقى على هذا التهديد مفتوحا في زمانه ومكانه تجنبا للإحراج ودفعا لأي ضغط قد يضطرها الي التسرع في الرد تعلم يقينا ما سوف يحمله من نتائج كارثية إليها في مثل ظروفها الصعبة والمعقدة التي تمر بها حاليا.. نقول تهديد لن يجد طريقه الي التنفيذ ، كما اعتادت ايران ان تفعل في مواجهة الغارات الاسرائيلية العنيفة والمستمرة علي مواقع تمركز قواتها في سوريا واعلانات اسرائيل المتكررة بانها لن تسمح بتموضع القوات الايرانية بالقرب منها داخل الاراضي السورية ، قاصدة من ذلك عدم تمكين ايران من نقل صواريخها واسلحتها الي حزب الله في لبنان ، ومن ذلك كما راينا تدميرها المتكرر لمطاري دمشق وحلب الدوليين لهذا الغرض، وبرغم عنف هذه الغارات الاسرائيلية وفداحة نتائجها ، فانها تتم وبتفاهم تام مع روسيا، دون رد عليها من ايران… ولا من حزب الله في لبنان..
وبالنتيجة ، فإن الخيارات الراهنة المتاحة لإيران للرد بها علي ما حدث في أصفهان ضاقت وتقلصت الي حد كبير ، وهي كلها خيارات مكلفة وتنطوي علي مخاطر أمنية هائلة وغير معلومة المدى، ومن هنا يأتي حذرها وتحفظها الشديد في الإنتقام والرد بالأسلوب الذي يمكنه أن يردع اسرائيل ويضع حدا لتهديداتها…
وتشير كل المعطيات المتاحة عن الموقف الحالي بكل ظروفه وحساباته واحتمالاته إلى إننا سنبقى أمام سيناريو مفتوح ، سيناريو قد يكون لعنصر المفاجأة موقع مهم فيه ، وبما قد يقلب حساباتنا له راسا على عقب ، خاصة ونحن الآن مع حكومة اسرائيلية بالغة الشراسة والتطرف والعنف، ونظام حكم ايراني يمر بحالة غير مسبوقة من الوهن والارتباك والضعف.