كانت عواقب الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا يوم الاثنين 6 فبراير (شباط) بقوة 7.8 درجة، مدمرة بكل معنى الكلمة، وهذا ما يخبرنا به موظفو لجنة الإنقاذ الدولية على الأرض في تقاريرهم عن المعاناة الإنسانية الهائلة والمستويات المذهلة من الدمار.
لم يتسبب الزلزال في مقتل أكثر من 46 ألف شخص وإصابة أكثر من 100 ألف آخرين فحسب، بل أدَّى إلى تفاقم الوضع المتهالك بالفعل الذي ما انفكّت تعيشه الأسر السورية، التي تعاني من أزمة هائلة منذ نحو اثني عشر عاماً.
يقوم موظفو لجنة الإنقاذ الدولية البالغ عددهم 1000 موظف محلي داخل سوريا منذ عام 2012، بالاستجابة لاحتياجات المجتمع في شمال غربي البلاد وشمال شرقها من خلال توفير الرعاية الصحية وخدمات الحماية وبرامج تنمية الطفولة المبكرة وتعزيز الانتعاش الاقتصادي.
تقف سوريا في مواجهة الكثير من الصعوبات التي تجعلها واحدة من أكثر حالات الطوارئ الإنسانية تعقيداً في العالم. ففي شمال غربي سوريا، يعيش 4.4 مليون شخص في أوضاع أمنية متقلبة، ما جعل وصول المساعدات الإنسانية –حتى قبل الزلزال– أمراً صعباً للغاية. ويعيش المدنيون في هذه المناطق في صراع دائم ويشهدون الكثير من الفظائع، بينما يعاني الكثير منهم من ندوب جسدية وعاطفية تُغيِّر حياتهم.
في هذه الظروف الصعبة جاء الزلزال ليشكِّل أزمة داخل أزمة. أزمة كادت تختفي من عناوين الأخبار، لكنها تتطلب منّا اهتماماً عاجلاً ومتجدداً والتزاماً طويل الأمد.
هناك ثلاثة عوامل مركّبة تجب معالجتها مع استمرار هذه الاستجابة:
أولاً، التهجير: منذ عام 2011 نزح نحو 7 ملايين سوري داخل البلاد بسبب الصراع. وتشير التقديرات، الآن، إلى نزوح عشرات الآلاف من النازحين حديثاً بسبب الزلزال، وهم بحاجة ماسّة إلى المأوى والأمان. وكان الكثير من هذه العائلات قد هُجِّرت أكثر من مرة خلال العقد الماضي.
قبل يوم واحد فقط من وقوع الزلزال، كان أكثر من ثلثي سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليون نسمة في حاجة إلى مساعدات إنسانية –أكثر من أي وقت مضى منذ بدء النزاع. ولكن ما تلا ذلك كان أسوأ، وقد تضاعفت تلك الاحتياجات.
ثانياً، الظروف التي تهدد الحياة: انخفضت درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في الأسابيع الأخيرة. وبات معظم الناس في العراء من دون مكان آمن أو دافئ ليلاً. قلةٌ هم في الخيام والكثير منهم ينامون في الخارج بإضرام النار للتدفئة.
كان 800 ألف شخص في شمال غربي سوريا يعيشون قبل الزلزال بالفعل في مبانٍ مؤقتة من دون ماء أو كهرباء أو صرف صحي. ومع استمرار ارتفاع عدد الضحايا، تحذّر لجنة الإنقاذ الدولية من كارثة ثانية محتملة للناجين، إذا لم يحصلوا على وسائل العيش الأساسية.
لقد انهار نظام الرعاية الصحية وبات غير قادر الآن على التكيف، بعد سنوات من النزاع، حيث تعاني المستشفيات في شمال سوريا من ضغط شديد، وحيث إن الأضرار التي لحقت بالطرق والظروف الجوية الحالية تجعل الوصول إلى الخدمات الصحية أمراً معقداً ومحفوفاً بالأخطار بشكل متزايد.
لذلك، تدعو لجنة الإنقاذ الدولية المجتمع الدولي إلى زيادة التمويل بشكل عاجل لضمان حصول العائلات على المساعدة الطبية المنقذة للحياة والمياه النظيفة والغذاء والمأوى.
ثالثا، الوصول الإنساني: هناك حاجة إلى المساعدة من العالم الخارجي الآن أكثر من أي وقت مضى. ولكن لا يمكن للغالبية العظمى من المساعدات أن تصل إلى الناس إلا من خلال المرور عبر الحدود السورية – التركية. ونحن نعلم أن الطرق والبنية التحتية، مثل الجسور، قد تضررت من الزلزال، مما يجعل وصول الإمدادات إلى الناس أكثر صعوبة.
ولكن حتى قبل الزلزال، كان الوضع الإنساني في شمال غربي سوريا مزرياً بسبب صعوبة إمكان الوصول لتلبية الاحتياجات المتزايدة. أما الآن، فقد جعل الدمار زيادة الوصول الإنساني إلى هذه المجتمعات بأي وسيلة ممكنة أمراً ذا أهمية قصوى.
تحاجج لجنة الإنقاذ الدولية باستمرار بأن المساعدة عبر الحدود هي شريان حياة حيوي في غياب بدائل عملية قابلة للتطبيق. وقد ناقشنا توسيع هذه المساعدة إلى ما بعد نقطة عبور واحدة لضمان التدفق المناسب للأشخاص والمعدات والإمدادات إلى شمال غربي سوريا لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.
نرحّب بإعلان فتح نقطتَي عبور إضافيتين، باتتا متاحتين لعبور الشحنات التجارية، مما يجعل الحصول على مساعدة الأمم المتحدة عبر الحدود ممكناً في الأشهر الثلاثة المقبلة. نأمل أن يضمن ذلك تسهيلات أسرع وتوسيع نطاق المساعدات التي تشتد الحاجة إليها لشمال غربي سوريا. مع ذلك، فإن تأثير هذا الزلزال سيظل راهناً أطول من الأشهر الثلاثة، لذلك سوف نستمر في المطالبة بتوسيع جميع المسارات الصالحة لإيصال المساعدات وتمديدها.
نداء عالمي عاجل للعمل: لا تزال لجنة الإنقاذ الدولية ملتزمة وتعمل على توسيع نطاق الاستجابة المتكاملة في كلا البلدين، بفضل شجاعة زملائنا ودعم شركائنا في المنطقة.
لمنع وقوع كارثة إنسانية ناجمة عن الكارثة الأولى، لجميع المحتاجين بمن في ذلك أولئك الذين كانوا يعانون بالفعل قبل الزلزال، تدعو لجنة الإنقاذ الدولية المجتمع الدولي إلى زيادة التمويل لمساعدة الناس للبقاء على قيد الحياة والتعافي وإعادة بناء حياتهم. لقد غدا وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضرراً للمحتاجين أينما كانوا، أكثر إلحاحاً اليوم من ذي قبل، خصوصاً في شمال غربي سوريا، حيث تتعرض المجتمعات لخطر التخلّي عنها.
لقد نهضت دول الخليج لتوفير إمدادات الإغاثة، ونظّمت حملات تبرعات جمعت أكثر من 385 مليون دولار، ونقلت خدمات الطوارئ جواً إلى كلا البلدين. من المهم أن تستمر هذه الجهود الرائعة في مرحلة ما بعد الصدمة حيث تبدأ أعمال التعافي وإعادة التأهيل في جميع المناطق المتضررة.
إن حجم هذه المأساة لا يتطلب فقط تمويلاً طويل الأجل ووصولاً غير مقيّد للمساعدات الإنسانية، بل يتطلب فوق ذلك تضامناً دولياً مستداماً.
الشرق الاوسط