في وقت تواجه فيه الأسر التونسية صعوبات عديدة في توفير حاجياتها اليومية، في ظلّ الارتفاع المستمر للأسعار، كشف استبيان للمعهد الوطني للاستهلاك حول “سلوكيات الاستهلاك والتسوق لدى التونسيين” عن تنامي ظاهرة التبذير في البلاد، وسط دعوات من الخبراء لترشيد الاستهلاك والتحذير من التبذير وإهدار الأطعمة. وأكد الخبراء أن الهدر الغذائي يعود أساسا إلى ضعف التنشئة الثقافية حول الغذاء، حيث لم تخصّص الأسر والمؤسسات التربوية الاهتمام اللازم لمعرفة قيمته.
تونس – أكّدت آخر الدراسات لمعهد الاستهلاك في تونس عن ارتفاع نسبة تبذير المأكولات خلال شهر رمضان، رغم تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وغلاء الأسعار وتواصل ارتفاع مستويات التضخّم في البلاد.
وكشف استبيان للمعهد الوطني للاستهلاك حول “سلوكيات الاستهلاك والتسوق لدى التونسيين” عن تنامي ظاهرة التبذير في البلاد.
وأفاد زبير رابح مدير الدراسات والبحوث بالمعهد أن “نتائج الاستبيان أكّدت تبذير 66.6 في المئة من المأكولات المطبوخة التي يتم إعدادها خلال رمضان”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تبذير الخبز يستحوذ على نسبة 46 في المئة والغلال بـ30 في المئة والحلويات بـ20 في المئة واللحوم بـ19 في المئة والحليب ومشتقاته بـ18 في المئة والخضر بـ14 في المئة والمشروبات بـ13.4 في المئة والبيض بـ5.5 في المئة”.
وأشار إلى أن التبذير يستحوذ على 5 في المئة من ميزانية الإنفاق الغذائي، ويلقى 16 في المئة من الخبز و10 في المئة من الحبوب و7 في المئة من الخضر و4 في المئة من الغلال”.
ويتم تبذير 900 ألف خبزة بما قيمته أكثر من 100 مليون دينار (أكثر من 32 مليون دولار) سنويا”.
وتقدر قيمة الأغذية المهدورة من قبل الأسر التونسية سنويا بنحو 576 مليون دينار(184.74 مليون دولار)، ويتصدر الخبز قائمة هذه الأغذية بمعدل 15.7 في المئة وفق المعهد الوطني للاستهلاك، وتحتل المعجنات المرتبة الثانية ضمن القائمة ذاتها بنسبة 10 في المئة فالخضر والغلال بنسبة 6 في المئة.
ويقول خبراء إن تنامي ظاهرة الهدر الغذائي ترتبط بدوافع ذاتية وموضوعية، من بينها الحفاظ على التموقع الاجتماعي للأسر دون مراجعة العادات الاستهلاكية السلبية.
وأفاد مهدي مبروك المتخصص في علم الاجتماع أن “الهدر الغذائي يعود أساسا إلى ضعف التنشئة الثقافية حول الغذاء، حيث لم تخصّص الأسر والمؤسسات التربوية
الاهتمام البيداغوجي اللازم لمعرفة قيمة الغذاء”.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن “هناك نسق تنافسي للاستهلاك بين الأفراد من أجل بلوغ مستوى الرفاه الاجتماعي، حيث أصبحت القيمة الاجتماعية بما تستهلك، والشاشة الاجتماعية بما تستهلك وما ترتدي وهو ما جعل الناس يستهلكون أكثر من متطلباتهم”.
وأردف مهدي مبروك “رمضان تحوّل إلى ومضات إشهارية وبرامج طبخ تشجّع على الاستهلاك، وهناك من يلتجئ للاقتراض حتى يجاري نسق الاستهلاك، وبالتالي وجبت هندسة قيم وعادات استهلاكية جديدة وإعادة بناء سلوكات الاستهلاك”.
ولم تحقق الحملات التحسيسية بخصوص ظاهرة تبذير المواد الغذائية نتائج منتظرة، بسبب غياب خطط استهلاكية موجهة من المواطنين تلائم بين مستوى الاحتياجات والمداخيل. وكانت منظمة الدفاع عن المستهلك أكدت أن نسق استهلاك العائلات التونسية يرتفع بنسبة 20 في المئة خلال شهر رمضان، داعية إلى ضرورة ترشيد الاستهلاك في هذه الفترة الصعبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وتفادي التداين.
وأفاد عمّار ضيّة رئيس منظّمة الدفاع عن المستهلك أن “المنظّمة تهتم كثيرا بموضوع التبذير، لكن الوعي والومضات التحسيسية لا يكفيان لذلك، ذلك أنه توجد تراكمات وعادات استهلاكية وجب تغييرها، فضلا عن البحث عن الأسباب العميقة للظاهرة”.
وأضاف ضية في تصريح لـ”العرب” أن “هناك أرقاما استهلاكية مفزعة، وأنه تم تأسيس نوادي التربية الاستهلاكية للاستثمار في الأجيال الجديدة، وتوجد معطيات موضوعية وأخرى ذاتية للاستهلاك”.
وتابع “نسبة 40 في المئة من تبذير الخبز، لا تحسب فقط على الأسر والمستهلكين، بل هناك مطاعم ونزل تلقي بالخبز في القمامة، ونحتاج إلى دراسة دقيقة لمعرفة أسباب هذا السلوك وتغيير الخطاب المتعلق به”.
وأشار إلى أن “نسبة 66 في المئة من المواد الاستهلاكية التي تلقى تمثل أكثر من نصف النفقات المهدورة، وهذا أمر مضرّ بالأسر والاقتصاد، ومن الضروري أن تشتغل كل المؤسسات عليه، علاوة عن وضع إستراتيجية خاصة بالاستهلاك”.
وسبق أن أكد المدير العام لمعهد الاستهلاك عبدالقادر التيمومي أن “استبيانا بيّن أن المستهلك التونسي واع بوجود تبذير غذائي بنسبة 71 في المئة”، مضيفا حول تصرف التونسي مع الأغذية أن “نسبة 45 في المئة توجه إلى الحيوانات والبقية يتم رميها”.
وأضاف التيمومي في تصريح إعلامي أن “خسائر ما يتم إهداره من الماء مهم جدا وله انعكاس سلبي على المجموعة الوطنية حيث أن كميات الماء لإنتاج كيلوغرام واحد من الخبز تفوق 500 لتر وبالنسبة إلى اللحوم 1400 لتر وفي الخضر والغلال التي ترمى هناك أكثر من 700 لتر”.
ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه الأسر التونسية صعوبات عديدة في توفير حاجياتها اليومية، في ظلّ الارتفاع المستمر للأسعار.
وتشهد أسعار اللحوم الحمراء في تونس خلال الفترة الأخيرة ارتفاعا جنونيا، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد منها 40 دينارا (12.82 دولار)، كما بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الدجاج 6.5 دينار (2.08 دولار) على مستوى الإنتاج، وتراوحت الأسعار على مستوى المذابح بين 8.5 دينار (2.72 دولار) بالنسبة إلى الدجاج المذبوح و10 دنانير (3.21 دولار) على مستوى التفصيل.
وقفزت نسبة التضخم في تونس من 9.8 في المئة أواخر العام الماضي إلى 10.1 في المئة مع بداية السنة الحالية، وفق معطيات نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
وتمّ سنة 2019 بتونس توقيع ميثاقين للحد من التبذير الغذائي والحدّ من الضياع والتبذير في سلسلة قيمة الحليب ومشتقاته، وذلك خلال الورشة الختامية للمشروع الإقليمي “ضياع وتبذير الغذاء وتطوير سلسلة القيمة الغذائية لتطوير لضمان الأمن الغذائي في مصر وتونس”.
وأفاد المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك مراد بن حسين أنّ الميثاق الأوّل للحدّ من التّبذير الغذائي وقّع من طرف 18 منظمة وجمعية وهيكل مهني (الجامعة التونسية للنزل والمعهد الوطني للاستهلاك والجامعة الوطنية للصناعات الغذائية)، لضمان المتابعة المستمرة للقيمة الحقيقية لتبذير الغذاء في تونس من خلال القيام بدراسات وبحوث في هذا المجال ولاقتراح حلول للحد من هذه الظاهرة.
ويقدر تقرير برنامج الأمم المتحدة البيئي الخاص بعام 2021 أن حجم إهدار الطعام في العالم وصل إلى حوالى 931 مليون طن عام 2019، 61 في المئة منها جاءت من الأسر، و26 في المئة من خدمات الإطعام و13 في المئة من البيع بالتجزئة، ويعني ذلك، وفق التقرير، أن نحو 17 في المئة من الطعام الذي يتم إنتاجه في العالم يهدر.
وتشير البيانات إلى أن نصيب الأسر من إهدار الطعام متشابه عبر مجموعات البلدان باختلاف دخلها، وهو ما يتعارض مع رؤى سابقة ذهبت إلى أن البلدان المتقدمة تهدر الطعام عند استهلاكه، وأن البلدان النامية تخسر الطعام في سلاسل الإنتاج والتوزيع.
العرب