56 عاما على حرب 1967 والعالم ما يزال ينكر المعاناة الفلسطينية‏

56 عاما على حرب 1967 والعالم ما يزال ينكر المعاناة الفلسطينية‏

بصفته ابن جنرال شارك في النكبة الفلسطينية في العام 1948، والنكسة في العام 1967، اعتقد ميكو بيليد أنه يعرف التاريخ الإسرائيلي. لكنه عندما التقى أخيرًا بالفلسطينيين وسمع قصصهم عن الفظائع الصهيونية، صدُم لدى معرفة الحقيقة.‏

قد يكون الأميركيون، الذين يمنحون إسرائيل مليارات الدولارات كل عام، مهتمين بمعرفة أن شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو) هما شهران صعبان إلى حد هائل في الذاكرة الجماعية للإسرائيليين والفلسطينيين. وبالنسبة لي شخصيًا، في كل عام عندما يحل شهر أيار (مايو)، أتذكر المرة الأولى التي تحدثت فيها مع فلسطينيين عن أحداث العام 1948. كان ذلك في العام 2001 أو 2002، خلال اجتماع لليهود والفلسطينيين المحليين عُقد في سان دييغو.‏
‏كنتُ أشعر في ذلك الحين بأنني أعرف كل ما تمكن معرفته عن تلك الفترة من تاريخنا المشترك، لأن أبي، ‏‏ماتي بيليد‏‏، كان نقيبًا في الميليشيا الصهيونية التي نشطت قبل قيام الدولة، الهاغاناه. وقد قاتل فيما نسميه نحن الإسرائيليين “حرب الاستقلال”. ثم، بعد عقدين من الزمن، كان من بين الجنرالات الذين خططوا ونفذوا حرب الأيام الستة في العام 1967.‏
‏حرب العام 1948، التي تسمى الكارثة، أو “‏‏النكبة”‏‏ باللغة العربية، كانت حرب استقلال بالنسبة لإسرائيل، ويتم إحياء ذكراها خلال شهر أيار (مايو). وفي حزيران (يونيو) احتفل الإسرائيليون بحرب العام 1967، التي اعتُبرت انتصارًا كبيرًا لإسرائيل. أما الفلسطينيون، فيحزنون على ما يسمونه “النكسة” باللغة العربية. ويصادف يوم كتابة هذه السطور، الخامس من حزيران (يونيو) الذكرى الـ56 للنكسة.‏
“في العام 1948 فاق عدد القوات الصهيونية عدد المقاتلين الفلسطينيين بنسبة أربعة إلى واحد”، هتف جورج، وهو فلسطيني كنتُ قد التقيت به للتو في ذلك الاجتماع. “كان لدينا حوالي عشرة آلاف رجل، مسلحين بشكل سيئ ومدربين بشكل سيئ. وكان لدى الصهاينة ميليشيات مدربة تدريبًا جيدًا ومسلحة تسليحًا جيدًا تضم ما يقرب من أربعين ألفا”.‏
‏”ماذا؟ لا لا لا! كنّا نحن داود في سيناريو داود وجالوت هذا”. وجدتُ أن عليّ أن أُصر في الرد عليه. وكنتُ أتذكر قصصًا عن كيف تمكنّا، نحن القلة، من هزيمة العرب المسلحين تسليحًا جيدًا. وقد سمعت قصصًا من أبي ورفاقه في السلاح الذين شاركوا في المعارك.‏
لكن ما لم أكن قد فعلته بعد في تلك المرحلة كان قراءة كتابات ‏‏الدكتور إيلان بابيه‏‏ وغيره من المؤرخين الإسرائيليين الذين كتبوا ونشروا تاريخ العام 1948 اعتمادًا على المواد التي تم الإفراج عنها من الأرشيف الوطني الإسرائيلي. وهم يصفون حملة تطهير عرقي مخططة، شملت ارتكاب مذابح تهدف إلى ترويع السكان العرب. وأظهر هؤلاء المؤرخون، الذين أصبحوا يُعرفون باسم “المؤرخون الجدد”، أنه لغرض خلق أغلبية يهودية في فلسطين/ أرض إسرائيل، تم إجبار السكان العرب على الخروج من ديارهم.‏
‏لكنني لم أكن على علم بذلك في تلك المرحلة. وروى فلسطيني آخر، هو إبراهيم، قصة رعب أخرى. قامت الميليشيا الصهيونية، التي أصبحت الجيش الإسرائيلي في أيار (مايو) من العام 1948، بأخذ والده، الذي كان شابًا في ذلك الحين في العام 1948، لتنظيف المكان بعد مجزرة ارتُكبت في مسجد دهمش في مدينة اللد. وكان قد تم احتلال اللد، حيث يقع مطار بن غوريون اليوم، في تموز (يوليو) من العام 1948. وبعد أن لجأ أكثر من مائة مدني فلسطيني إلى المسجد في المدينة، تم إرسال جندي يدعى يراشميل كاهانوفيتش لكي يقوم بإطلاق صاروخ “بيات” مضاد للدبابات على المسجد.‏
في ‏‏مقابلة فيديو‏‏ أجريت مع كاهانوفيتش هذا في العام 2012، وصف ما فعله في ذلك اليوم. وجمع إبهامه وسبابته معًا وأظهر حجم الثقب الذي أحدثه الصاروخ في نافذة المسجد. وبعد أن أطلق الصاروخ ذهب لإلقاء نظرة. “فتحت الباب وبدا المكان فارغًا، كان الناس قد تناثروا على الجدران”. وبعد بضعة أيام، أرسلت القوات الإسرائيلية سجناء فلسطينيين لتنظيف الرفات. وكان والد إبراهيم واحدًا منهم.‏
‏لم أكن أعرف، ولم أستطع أن أصدق، أننا نحن الإسرائيليين فعلنا مثل هذه الأشياء الفظيعة. لذلك عندما يرفض اليهود الصهاينة اليوم تصديق أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب مروعة ويرفضون قبول تقرير “منظمة العفو الدولية” القائل بأن إسرائيل متورطة في جريمة الفصل العنصري، فإنني أعرف ما يمرون به، على الرغم من أنني أعتقد بقوة بأن الوقت قد حان لكي يستيقظوا.‏
‏بعد تلك المحادثة، اتصلت بأخي يوآف في تل أبيب. اعتقدت أنه إذا كان هناك أي شخص يستطيع مساعدتي في فهم ما يقوله الفلسطينيون، فإنه هو. “يجب أن تقرأ إيلان بابي والمؤرخين الجدد الآخرين”، اقترَح. يبدو أن ما يقوله لك الفلسطينيون صحيح”.‏
‏حتى الآن، خلال شهري أيار (مايو) و(يونيو)، أشعر بعاصفة داخلية تختمر، على غرار ما أشعر به عندما يواصل الفلسطينيون سرد قصصهم. وهم لا يتهمونني على الإطلاق، ولا يلوحون بأصابعهم في وجهي، وإنما يروون فقط قصصًا لا يريد العالَم سماعها.

الغد