دمشق- دعا التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى وقف أعمال العنف الدائرة منذ نحو أسبوع بين مسلحي العشائر العربية في دير الزور وبين مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في وقت يقول فيه مراقبون إن التصعيد في المنطقة لا يرتبط بالموقف من سوريا ولا من تركيا، ولكنه صراع مصالح في وقت نجحت فيه القوات الكردية في الاستئثار بالدعم الأميركي مقابل تهميش العشائر.
وأعلن المجلس العسكري في دير الزور، شرق سوريا، حظرا للتجوال لمدة 48 ساعة في محاولة لتهدئة التوترات التي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى. إلا أن قاع الأزمة ما يزال متفجرا نتيجة فشل قسد في فهم أسبابه.
وقال التحالف في بيان “العنف في شمال شرق سوريا لا بد أن يتوقف”، مضيفا أن هذا “الإلهاء عن قتال الخلايا النائمة لتنظيم داعش يثير مخاوف عودة التنظيم”.
وكان شهود ومصادر محلية قالوا إن ما لا يقل عن 40 مقاتلا من الجانبين و15 مدنيا لاقوا حتفهم في أعمال العنف التي اندلعت في محافظة دير الزور الشرقي بعد توقيف قوات (قسد) لأحمد الخبيل (أبو خولة) قائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لها، متهمة إياه بـ”ارتكاب العديد من الجرائم والتجاوزات المتعلقة بتواصله والتنسيق مع جهات خارجية”، وأخرى “جنائية بحق الأهالي والاتجار بالمخدرات، وسوء إدارته للوضع الأمني ودوره السلبي في زيادة نشاط خلايا تنظيم الدولة الإسلامية”.
◙ التصعيد بين قسد والعشائر فتح ثغرات يخشى أن تكون تركيا أو نظام الأسد طرفا يسعى إلى الاستفادة منها
ودفع توقيف “أبو خولة” مقاتلين محليين إلى شن هجمات ضد قوات قسد وسرعان ما تطورت إلى اشتباكات عكست مستويات من الاحتقان بين قوات قسد والعشائر العربية المتحالفة معها، تحت ظل الدعم الذي تقدمه القوات الأميركية لهما معا.
ويقول مراقبون إن انفجار الاشتباكات والانقسام الراهن بين الطرفين لا يقتصران على اتهامات متبادلة بارتكاب أعمال عنف وجرائم، ولكنهما يمتدان إلى أن قسد، التي مارست دور “القوة الكبرى”، وتعمدت الدفع بقوات العشائر إلى الهامش لتستأثر بامتيازات الدعم الذي تحظى به من الولايات المتحدة.
وأدى هذا الأمر إلى فتح ثغرات يخشى أن تكون تركيا طرفا يسعى إلى الاستفادة منها. وذلك بينما تقول قسد إن الحكومة السورية هي التي تستفيد من هذه الثغرات. في حين تبدو الولايات المتحدة على قناعة راسخة بأن الطرفين يعارضان النظام في دمشق، ولكنهما يتنافسان على الأدوار في منطقة لم تنجح قسد في أن تقدم نموذجا صالحا لإدارتها.
وقالت الخارجية التركية في بيان إنها تتابع “عن كثب وبقلق” الاشتباكات التي تدور منذ فترة بريف دير الزور، بين أذرع التنظيم الإرهابي الانفصالي (تقصد قسد) وبعض العشائر العربية في سوريا.
ولفتت إلى أن هذا التطور يعد مظهرا جديدا لمحاولات “التنظيم الإرهابي الهيمنة على السكان في سوريا من خلال ممارسة العنف والضغط عليهم، وانتهاك حقوقهم الإنسانية الأساسية”.
وذكرت المعلومات الاستخبارية التركية أن التوتر بين الجانبين بدأ إثر مخاوف لدى “المجلس العسكري” الذي يقوده الخبيل من قيام التنظيم بدعم أميركي باستبداله بمجموعة “الصناديد” العسكرية المنضوية تحت سقف “بي كي كي” (حزب العمال الكردستاني).
ونتيجة لذلك عارض “المجلس العسكري” نقل التنظيم لعناصر مجموعة “الصناديد” إلى شرق نهر الفرات في دير الزور.
ويقول غريغوري ووترز، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط ومستشار لمجموعة الأزمات الدولية إن “جذور هذه الأزمة متعددة الطبقات ومعقدة، وتعود إلى سنوات مضت، وذلك في منطقة تتحدى التسميات البسيطة، فمعظم الناس هنا يعارضون بشدة نظام بشار الأسد وكذلك داعش، وكلاهما ارتكب جرائم لا حصر لها ضد السكان. ومهما كانت مشاعرهم تجاه قوات سوريا الديمقراطية، فقد طلبوا لسنوات مشاركة التحالف المباشر مع القادة والمجتمعات المحلية”.
ويقول ووترز “إن وصف القتال بأنه صراع كردي مقابل عربي يتجاهل أولاً أن بعض العشائر لا تزال متحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية، وثانياً أن العرب في الرقة والحسكة لا يزالون على الهامش. بل إن العنف الحالي هو بمثابة رفض لنظام قوات سوريا الديمقراطية برمته كما تم استخدامه في دير الزور، وليس فقط القيادة الكردية. وقد تم توثيق هذه المظالم بشكل جيد وهي متجذرة في الممارسات التعسفية والاستغلالية من قبل كل من القيادة الكردية والعديد من قادة قوات سوريا الديمقراطية العربية الذين يدعمونهم، وعمليات القتل التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية واعتقال المدنيين الأبرياء، والافتقار العام إلى الحماية ضد هجمات داعش والاغتيالات التي تستهدف القادة المحليين، والإهمال لاقتصاد المنطقة وخدماتها”.
ويرى مراقبون أن فشل قسد في إشراك ممثلي القبائل في إدارة شؤون منطقة لا يشكل الأكراد جزءا من طبيعتها السكانية لم يكن فشلا إداريا فحسب، ولكنه فشل سياسي أيضا. إذ كان يتعين، في إطار تحالف مرن، أن تحافظ على استقلال نسبي لمناطق دير الزور عن سلطاتها في الحسكة وغيرها من مناطق شمال سوريا، وأن تبقي المسؤولية عنها بأيدي شركائها العرب، بدلا من أن تحرص على التحكم بهم، مما دفعهم في النهاية إلى الابتعاد عنها.
ولكن ووترز يقول، لجهة الدور السلبي الذي لعبه أبو خولة، إن هذا الرجل “أمضى السنوات العديدة الماضية في توسيع قاعدة دعمه في جميع أنحاء دير الزور، وكان يعمل دائمًا بشكل واضح ضمن نظام قوات سوريا الديمقراطية، كسب مؤيدين جدد خارج عشيرته، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى سيطرته على الاقتصاد القانوني وغير القانوني وقدرته على توفير حماية أفضل لأتباعه”.
العرب