لم يشعر بشار الأسد بالارتياح والأمان من قبل كما يشعر بهما اليوم. فحتى عندما دخل مقر البرلمان صيف 2000، بعد وفاة والده الرئيس حافظ الأسد، يرافقه العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع، وعمره 34 سنة، ليخرج منه وقد عدلت المادة الخاصة في الدستور بتغيير سن رئيس الجمهورية في أقل من نصف ساعة، لم يكن يخالجه هذا الشعور بالاطمئنان. ففي تلك الفترة لم يكن يهدده خطر، وكانت الأمور ميسرة له والطريق ممهدة ليحكم البلاد. أما اليوم، فإن الأخطار التي تحيط به كثيرة، والمخاوف التي تقض مضجعه لا أول لها ولا آخر. ولذلك فهو، وقد تغلب على تلك الهواجس والأخاطر جميعاً، أو هكذا يتوهم، فإن نفسه قد سكنت واطمأنت، والكرسي الذي يجلس عليه قد استقر في موضعه، والقوى التي تحميه باتت تهيمن على ما تبقى له من الأراضي السورية، وصار القرار بيدها، فهي صاحبة الأمر والنهي. وتلك هي موجبات الاطمئنان ودواعي الارتياح، على رغم أن العالم يضج بالحديث عن محاربة الإرهاب الذي هو أصله ومنبعه، باعتبار أنه هو الذي أنشأ تنظيم الدولة المسخ داعش»، لأن القوى النافذة قد أجمعت أمرها على بقائه في الحكم بحسبانه جزءاً رئيساً من الحل للأزمة السورية. وذلك وهم من الأوهام التي تستولي على عدد من صانعي السياسة الدولية في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم.
قبل احتلال روسيا سورية وبسط نفوذها على الأراضي التي تقع تحت سيطرة النظام بمدة وجيزة، كان بشار الأسد قاب قوسين أو أدنى من السقوط، على رغم وجود قوات الحرس الثوري الإيراني وذراعها اللبناني «حزب الله»، والميليشيات العراقية والباكستانية والأفغانية التي تدعمه، وعلى رغم البراميل المتفجرة التي يقصف بها الشعب السوري ويدمر المدن والقرى وممارسته أبشع الجرائم ضد الإنسانية. فكان الغزو الروسي لبلاده غير المسبوق، طوق نجاة له أنقذه من الانهيار والهزيمة. فهو اليوم ينام قرير العين، ولا تقلقه الضوضاء التي تملأ الفضاء العالمي، لأن الروس باقون فوق التراب السوري محتلين مستعمرين له، ولأن القوى الدولية الغربية لا يبدو أنها ستتحرك لإقناع موسكو بالخروج من سورية، لأن الدخول إليها ليس مثل الخروج منها، ولأن الرياح تجري بما يشتهيه بوتين. أليست هذه مقومات لاستقرار الوضع لبشار الأسد، وللقطع بأن لا تغيير مرتقباً في النظام السوري، اللهم إلا ما كان من انتقال زمام الأمور من يد بشار وزبانيته إلى يد الرئيس الروسي بوتين وقواته المسلحة بأحدث الأسلحة الفتاكة؟. في هذه الأجواء القاتمة، وفي ظل هذا الوضع الذي بلغ أقصى درجات التأزم والانفجار، وبعد أن اتخذت المعارضة السورية قرارها في اجتماعها بالرياض، بالدخول في مفاوضات مع النظام السوري ستجري في نيويورك كما يتردد، فالأمر المؤكد في ضوء ماجريات الأمور منذ اندلاع الأزمة، أن المفاوضات مهما تكن نتائجها، فلن تؤثر في طبيعة هذا النظام الإجرامي، ولن تفلح في إسقاطه وخروج رئيسه وعصابته من المعادلة. فما أسقطت المفاوضات نظاماً استبدادياً يجثم على صدر شعب من الشعوب، وما تغيرت الأوضاع في دولة تقوم على الإرهاب والقمع والبطش، بالمفاوضات بين المعارضة والنظام، حتى وإن كانت تجرى تحت مظلة الأمم المتحدة. لذلك، وفي ظل الوضع الحالي، فما هو آتٍ مرعب، وما ينتظر الشعب السوري سيكون أشد فتكاً به ما دامت القوى الكبرى غير جادة في تغيير ما هو قائم، ولا مصلحة لها معلنة في القضاء المبرم على الإرهاب الذي تحصره في تنظيم «داعش»، بينما النظام في سورية هو رأس الإرهاب، وداعموه الخارجيون أوتاد لهذا الكيان الإرهابي.
لقد اتخذت المعارضة بتعدد أطيافها، القرار المناسب في الوقت المناسب. ولكن هل ستتخذ القوى الدولية، خصوصاً روسيا الاتحادية والولايات المتحدة، القرار المنتظر منها الذي يرقى إلى هذا المستوى؟. إن الإشكالية هنا تتمثل في السياسة المبهمة التي تسلكها القوى الكبرى إزاء الأزمة السورية، مما ينعكس سلباً على الجهود التي تبذل على الصعيد الدولي، في إطار مسار فيينا 1، ثم فيينا 2، وربما ستعقبهما دورة ثالثة في العاصمة النمساوية، وتتم عرقلة الطريق نحو التسوية النهائية لهذه الأزمة التي حتى وإن أعلنت القوى الكبرى أنها طالت وحان لها أن تنتهي، فالمؤشرات تدل على أن بينها وبين الانتهاء خرط القتاد. لو أرادت القوى الكبرى أن تحل الأزمة لأجمعت أمرها وتجاوزت خلافاتها واتخذت قرارها الحاسم بإبعاد الأسد، وبفتح الطريق أمام نظام ديموقراطي تعددي يجمع مكونات الشعب السوري بلا استثناء، على قاعدة المواطنة لا الانتماء الطائفي أو العرقي. وبذلك ستستقر الأوضاع، ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة العربية، باعتبار أن الأزمة السورية لها تداعيات خطيرة تمتد إلى العالم العربي كله، وإلى الإقليم بصورة عامة. فهل يفعلها الكبار الذين يمارسون لعبة الأمم في طبعتها الجديدة، وهل ستنسحب روسيا وإيران وميليشياتها في ظل أية تسوية مرتقبة يرحل معها بشار؟.
عبدالعزيز التويجري
صحيفة الحياة اللندنية